تستمر سيطرة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، داعش الارهابي ، على عدة مدن وبلدات عراقية وآخرها أجزاء من أبو غريب على أبواب العاصمة بغداد. حيث عاد مقاتلو "الدولة الإسلامية" إلى المدن العراقية بعد انكفاء دام سنوات.
وغداة الذكرى 11 للإطاحة بحكم صدام في 2003، تضرب داعش الارهابي على أبواب بغداد.
تستمر المعارك، لا بل تشتد وتتكثف، من الموصل وحتى منطقة أبو غريب والسعدان وزوبع تحديدا على تخوم بغداد، حيث تشتد المعارك منذ أكثر من 24 ساعة. والمعارك في هذه المنطقة تخفف الضغط العسكري الحكومي عن الأنبار عموما والمناطق التي تحاول السلطات العراقية استعادتها من قبضة "الدولة الإسلامية في العراق والشام الارهابي". لأنه وحتى الساعة باءت جميع محاولات القوات العراقية لاستعادة السيطرة على مدينة الرمادي بالفشل،
كما أن الضغط العسكري على الفلوجة لم يعد له جدوى تذكر ولا يتعدى القصف على أطرافها، الذي لا يطال إلا المدنيين. وتحويل مياه النهر الذي قامت به داعش الارهابي لإيصال المياه بكميات كافية للمدينة كان له دواع عسكرية أيضا. لأنه عبر تحويله باتجاه قرى منطقة زوبع في أبو غريب، تم غمر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بالمياه، ما أعاق ويعيق أي تقدم للجيش العراقي نحو الفلوجة مجبرا إياه على اعتماد وضعية دفاعية. وقد حاولت مروحيات للجيش العراقي أن تدمر سد الفلوجة جنوب غرب المدينة دون أن تفلح بذلك.
تشتد المعارك في منطقة "صدر اليوسفية" التي تقع على بعد حوالي 17 كلم جنوب بغداد، كما في مناطق الطارمية شمال العاصمة. ذلك فيما يتم التداول، وإن همسا، بمعارك يخطط لها في قلب العاصمة في الأيام المقبلة. إلا أنه من الواضح أن حرية تحرك ارهابيي "الدولة الإسلامية" في بغداد شبه معدومة، حتى وإن تمكنوا منذ بضعة أسابيع من أن يقصفوا "المنطقة الخضراء" وهي مركز ثقل السلطات العراقية بجميع أجهزتها السياسية والأمنية.
وجه بغداد تغير جذريا مقارنة بما كان عليه قبل 2003، وحاضنة "الدولة الإسلامية" السنية غير فاعلة في بغداد، ذلك بسبب التغير الديمغورافي الجذري للمدينة. فأعداد أبناء الطائفة السنية في المدينة في تضاؤل مستمر، بينما مكونها الشيعي في نمو مستمر، ذلك لأسباب سياسية وأمنية وعمرانية وحياتية. ولتمسك داعش الارهابي بالمدن التي دخلتها حيثية حقيقية تطبيقا أو تنفيذا لما جاء بخطاب أبو محمد العدناني، ابن بلدة بنش السورية، وهو الناطق الرسمي باسمها. حيث دعا العدناني جنود وأمراء "الدولة" إلى التمسك والدفاع عن المدن مؤكدا أنه لا رجوع إلى الوراء وإلى أيام الانكفاء في صحراء الأنبار.
والجدير بالذكر هو أن وصول المعارك إلى منطقة "صدر اليوسفية" المذكورة يؤمن صلة وصل بين ارهابيي الأنبار ومقاتلي جنوب العاصمة بغداد.
مع عودة الصراع العسكري إلى أوجه في بلاد الرافدين، وبموازاة ما جرى ويجري في سورية، شهدنا على نشأة عدد من الفصائل المقاتلة المعارضة وعدد من المجالس العسكرية كذلك. لكنه لدى تدقيقنا بما يتم نشره رأينا أنه في أغلب الأحيان تتبنى هذه الفصائل الارهابيةعمليات وحتى فيديوهات وصور تعود إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام". دون أن ننكر على أبناء العشائر السنية دورهم في المواجهة القائمة مع القوات الحكومية العراقية. إلا أنه وإن كان شباب العشائر، وليس العشائر نفسها، في طليعة الحراك المعارض سياسيا وعسكريا، فهم اليوم باتوا في الصف الثاني، ومن الواضح أن المبادرة والقرار العسكري في يد "داعش الارهابي ".
تمكنا من التواصل مع أحد أبناء الفلوجة المقربين من داعش الارهابي، لكي نستوضح منه بعض الأمور، ومنها أسباب تقبل "الدولة الإسلامية" واحتضانها بعد أن اجتمعت على قتالها العشائر السنية التي كانت عماد "الصحوات" البشري والسياسي.
يقول لنا مصدرنا أن "الواقع تغير جذريا منذ مطلع العام، فمن كانوا من المحسوبين على الطائفة السنية من سياسيين ووجهاء فقدوا قاعدتهم الشعبية التي باتت تعي أن كل الوعود التي قُطعت من قبل هؤلاء ومن قبل السلطات العراقية هي وعود فارغة، فلا عيش كريم ولا بحبوحة اقتصادية ولا حرية سياسية، ما سهل التلاحم بين الدولة الإسلامية وخزانها الشعبي وجعله تطورا لا مفر منه".
ويؤكد لنا مصدرنا أنه "تم أخذ العبر من التجربة السابقة في المدن، وأبرزها الفلوجة، حيث مفاصل المدينة وأمور العامة فيها موكلة لأبنائها من العشائر، فهم من يقومون بحراسة الأحياء ويشاركون الدولة الإسلامية القتال عندما تصل المعارك إليهم".
ويؤكد لنا أن "جُل البيوت فُتحت أمام المقاتلين في جزيرة الرمادي والخالدية والفلوجة والكرمة، وذلك منذ أيام الحراك الأولى، وتعامل الدولة الإسلامية مع الأهالي في تحسن يومي، فهي تعنى بشؤونهم اليومية والحياتية، عبر حل مشاكلهم والأخذ بيد المسيئين منهم. فكل منطقة تحكمها سياسة شرعية تتناسب وظروف المعركة".
لدى سؤالنا عن الموقف ممن يعادي ويقاتل "الدولة الإسلامية" من أبناء العشائر، يقول لنا مصدرنا أنه "في ما يخص المناطق المذكورة، قلة قليلة تعادي الدولة الإسلامية اليوم، ويعود ذلك إلى فتح باب التوبة لمن قتل ألف-ألف من المسلمين".
لكنه لدى سؤالنا عن عدد من الأشخاص من الذين يقودون الصحوات التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، يقول لنا مصدرنا أن "هؤلاء قلة قليلة من الذين تربطهم مصالح عضوية ومادية بنظام الحكم القائم، لكنهم لا يتمتعون بالدعم الشعبي الذي يخولهم استعادة زمام الأمور كما في السابق".
ولدى سؤالنا عن الموقف من الذين لا يزالون منضوين في صفوف القوات الحكومية من شرطة وجيش، يعود ويؤكد لنا مصدرنا، مُفضلا عدم الخوض في الأسماء، أن "الدولة الإسلامية تعادي من يُعين للتنكيل بأهلنا، إلا أن باب التوبة ما زال مفتوحا لهم، لكنه قد يكون هنالك استثناءات".
وتشهد بلاد الرافدين حركة عودة لمن كانوا من "المهاجرين" الذين قاتلوا في أصقاع الأرض القريبة والبعيدة. فها هم يعودون إلى قراهم ومدنهم مع عودة "الدولة الإسلامية" إليها. منهم من اختار الجهاد خارج العراق بسبب انحسار "الدولة الإسلامية في العراق" في وقته وملاحقة السلطات العراقية لهم، ومنهم من لم يعرف هذه الحقبة والتحق بـ"الجهاد الشامي".
فأردنا تبيان حقيقة ذلك من مصدرنا الذي أكد لنا أنه "هنالك حركة عودة ملحوظة للمقاتلين إلى المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطات العراقية، وهؤلاء العائدون أنفسهم هم من يقومون بإدارة أغلب هذه المناطق والدفاع عنها، ذلك بسبب الخبرات التي اكتسبوها على مر السنين داخل العراق وخارجه ولأنهم أبناء هذه المناطق وأولى بها".
ثم يقول مضيفا أن "كل ما يشاع عن أن أمراء المناطق ليسوا عراقيين أمر مناف للحقيقة، فالمهاجرون العرب والأجانب لا تتعدى نسبتهم 10 % في صفوف الدولة الإسلامية، وهذه الأقاويل معتمدة منذ سنين لسلخ الدولة عن حاضنتها الشعبية".
ثم يعود ويؤكد لنا أن "المقصود من تنصيب أبناء منطقة معينة عليها هو دحض ما يشاع في الإعلام الحكومي وتقريب الدولة الإسلامية من العامة".
أما في ما يخص المقاتلين الأجانب، كذاك الشاب من الدنمارك الذي نفذ عملية شمال بغداد أو عدد من شباب المغرب العربي الذين ظهروا في إصدارات "الدولة الإسلامية" من العراق. وإعادة تفعيل "معسكر الشيخين" للتدريب العسكري في صحراء الأنبار، يقول لنا مصدرنا أن "هؤلاء يفدون إلى العراق من الشام بسبب الحاجة الراهنة لكوادر مُدربة على بعض الأسلحة الآتية من سورية أو مُستخدمة هناك والتي وصلت العراق مؤخرا".
ونهاية يجدر بنا التوقف عند هذا الأمر، فقد ظهر بين أيدي ارهابيي "الدولة الإسلامية" في العراق مدافع 57 مضادة للطيران ورشاشات ثقيلة 14.5 ملم أو 23 ملم وحتى بعض الصواريخ الحرارية، فاليوم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بدأت تحصد ما زرعته في سورية. وبخلاف ما قيل أو يُقال، فإن عودتها بهذه القوة إلى الساحة العراقية يعود إلى تمكنها من مساحات شاسعة في سورية وليس العكس،
وهو الأمر الذي يؤمن موارد مادية وبشرية وعسكرية كبيرة، وما معارك الشرقية في سورية إلا لقطع التواصل بين العراق وسورية وإضعاف "الدولة الإسلامية في العراق والشام" عسكريا، وهو ما لم تفلح بفعله القوات العراقية في وقته وإن كانت دوافعها تختلف عن دوافع من يقاتل "الدولة الإسلامية" في سورية اليوم.
https://telegram.me/buratha