كشف برلمانيون عن مشروع قيد البحث والمناقشة، لتطبيق سياسة "تقاعد مبكر" على موظفي الدولة عبر تقليص سن الخدمة في القطاع الحكومي الى 25 سنة. وفيما رحب خبراء بهذا المشروع بوصفه خطوة جيدة باتجاه امتصاص تفشي البطالة وضخ دماء جديدة في "دولة هرمة"، اشاروا الى انه سيزيد من الاعباء المالية على كاهل الدولة، واصفين الخطة بـ"الخطأ الاقتصادي" رغم مردوداتها الايجابية اجتماعيا.
وكان النائب عزيز المياحي، عن العراقية البيضاء، كشف عن دراسة اعدتها وزارة التخطيط تقضي باحالة الموظف الى التقاعد بعد انهائه 25 عاما من الخدمة، على ان يتقاضى 80 % من راتبه، بحسب بيان للكتلة تسلمته "العالم".
واكد المياحي ان "المقترح سيتم تقديمه قريبا الى مجلس الوزراء ليتحول الى مشروع قانون"، مشيرا الى ان "البرلمان سيحاول بعد تمرير هذا القانون جعل مسألة تقاضي المتقاعد راتبا قدره 80 % تسري على جميع الذين احيلوا على التقاعد قبل وبعد اقرار هذا القانون".
وفي مقابلة مع "العالم" اكد عبدالزهرة الهنداوي، المتحدث باسم وزارة التخطيط، ان "المشروع لا يتعدى كونه فكرة لا زالت تخضع للدراسة من قبل وزارتنا، ونحن عادة لا نتحدث عن الافكار ما لم يتم دراستها من كل الجوانب".
لكن الهنداوي يقول ان "وزارة التخطيط هي اعلى جهة معنية بالتخطيط الاستراتيجي للدولة، وبالتالي فهي معنية بتقديم المعالجات للازمات التي تعاني منها البلاد لا سيما ظاهرة البطالة التي تصل الى 15 % وترتفع الى 28 % بالنسبة لمن يعملون اقل من 35 ساعة في الاسبوع".
ويضيف المسؤول البارز في وزارة التخطيط ان "السياسة التي تتبعها الحكومات العراقية في التعيين اسهمت وستسهم بترهل الاداء المؤسساتي ما لم يتم اتخاذ معالجات سريعة لذلك كتقليص سن التقاعد".
وبمقتضى القانون العراقي النافذ، يحال على التقاعد كل من لديه خدمة فعلية تصل الى 30 عاما او بلغ سن التقاعد القانوني وهو 63 عاما.
وبشأن المخاوف من فقدان الدولة العراقية للكفاءات والخبرات المحلية، يقول الهنداوي ان "25 عاما من الخدمة الحكومية فترة مناسبة للافادة من خبرات الموظف الحكومي الذي يكون قد وصل الى مرحلة النضج في اول عشرة اعوام من توظيفه".
ويشدد المتحدث باسم وزارة التخطيط على "ضرورة الاستعانة بالطاقات الشابة لتجديد دماء الدولة العراقية التي اصبحت هرمة باعتراف الجميع لان من يديرونها ليسوا من الاجيال الجديدة"، ويلفت الى ان "دوائر الدولة تعاني من فجوة واضحة وكبيرة بين الاجيال القديمة والجديدة وهو ما ينعكس بشكل سلبي على طبيعة اداء تلك المؤسسات الحكومية".
لكن النائب احمد المساري، عضو اللجنة المالية البرلمانية، ينفي علمه بهكذا مشروع لكنه يؤكد تأييد لجنته البرلمانية لسياسة التقاعد المبكر، والاستعانة بالطاقات الشابة.
ويوضح في تصريح لـ"العالم" امس، ان "البرلمان استلم مقترحات حكومية لتقليص سن التقاعد القانونية من 63 الى 61 عاما، ونحن نعمل مع الحكومة لتمرير هذا القانون".
ويضيف "البرلمان مع تقليص سن التقاعد القانونية لفسح المجال امام الاجيال الجديدة من الخريجين والكفاءات للمشاركة في بناء البلاد".
ويلفت المساري الى "ضرورة تفعيل قوانين العمل في القطاع الخاص، الذي يحتاج لدعم وتنشيط، من خلال منحه حوافز لاستقطاب الايدي العاملة ومساواتها بالعاملين في القطاع الحكومي والعام".
وفيما اقر عضو اللجنة المالية بـ "وجود تمييز بين المتقاعدين ما قبل 2006 وبعده"، كشف عن "مشروع لسن قانون تقاعد موحد يساوي بين الجميع تحت سلم رواتب واحد ينصفهم". ويميز قانون الخدمة العامة بين المتقاعدين قبل 2006، براتب قدره 150 الف دينار شهريا، وما بعده بمنحه 80 % من الراتب الاسمي. كما يميز القانون بين الموظفين المدنيين والعسكريين. يذكر ان مجلس النواب شرع مؤخرا قوانين خاصة لرواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة.
وينتقد مراقبون وحقوقيون هذا التمييز بين موظفي الدولة العراقية، كونه يعطي امتيازات مالية كبيرة لاشخاص لم تتجاوز خدمتهم الاشهر، كما الحال في اعضاء الجمعية الوطنية، مشيرين الى ان "فوضى رواتب التقاعد" في العراق تتراوح بين 120 الف دينار الى 10 مليون دينار. الدكتور احمد بريهي، الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في البنك المركزي العراقي، يؤكد ان "سياسة التقاعد المبكر" لها ايجابيات اجتماعية من حيث امتصاص البطالة، لكنه يحمل في طياته مردودات سلبية على موازنة الدولة من حيث زيادة الانفاق الذي يضر بالتنمية بشل غير مباشر.
ويرى بريهي، في مقابلة مع "العالم" امس، ان "تخفيض سن التقاعد هو خطوة تعتزم الدولة العراقية تبنيها لمعالجة آثار ازمة اخرى تكمن في عجز والقطاع الخاص من استقطاع الايدي العاملة لا سيما من ذوي الكفاءات والخريجين الجامعيين".
ويوضح الخبير الاقتصادي ان "القطاع الحكومي اصبح، بسبب تخلف القطاع الخاص، الملجأ المباشر للخريجين، الا ان الحجم المترهل للدولة لم يعد يسمح بتوظيف المزيد من طالبي الوظائف"، ويضيف "ليس امام الحكومة العراقية انتهاج سياسة التقاعد المبكر بعد ان فشلت سياسة التقاعد الاختياري التي اعلنت سابقا لان الموظفين لا يرغبون بالتقاعد المبكر اذا كان اختياريا، لا سيما وانه قد تم الالتفاف على التقاعد عبر التعاقد مع من بلغ السن القانونية".
ويؤكد المسؤول السابق في البنك المركزي العراقي ان "سياسة التقاعد المبكر التي يعتزم العراق تطبيقها ستطلق ايدي البيروقراطية الوطنية في التعامل مع الترهل الاداري والبطالة المقنعة".
وفيما يقر البريهي بايجابية مثل هكذا خطوة في "امتصاص البطالة وتجديد دماء مؤسسات الدولة"، الا انه يشير الى "مردود سلبي على موازنة الدولة، لان هذا الاجراء سيزيد من الموازنة التشغيلية لانه سيعطي 80 % كراتب تقاعدي ويصرف راتبا آخر".
ويخلص الى ان "سياسة التقاعد المبكر صحيحة من الناحية الاجتماعية، لكنها خاطئة من منظور اقتصادي".
https://telegram.me/buratha