قال دولة رئيس الوزراء السيد نوري كامل المالكي في كلمة القاها اليوم في معهد السلام في واشنطن :
اود ان اتحدث لكم عن تجربة تستحق ان نقف عندها حدثت في العراق ، الذي تخلص من الدكتاتورية وانتقل الى الديمقراطية نتيجة تحولات جوهرية وجذرية اسست لبناء دولة تقوم على القانون والدستور .
ان التحديات التي كانت تواجهنا في عملية البناء كانت كبيرة وفي مقدمتها الامن، والجميع يعلم بان ما حصل في العراق من هجوم ارهابي اشتركت فيه جماعات من مختلف الدول تريد اقامة دولة متخلفة في البلاد ، لكننا دخلنا في مواجهة عنيفة مع الارهابيين والخارجين عن القانون ، ولان البلد ورث بنية سياسية واجتماعية مدمرة وجد الارهابيون فرصة للعب في ذلك فاشعل نار الطائفية والاقتتال على اساس المذهبية والعنصرية ، وللقضاء على ذلك كان خيارنا الوحيد هو الديمقراطية والاحتكام الى المواطنة ورفض كل شئ خارج المبادئ الوطنية المعتمدة.
واذ نحترم كل الانتماءات المذهبية والقومية لكننا نبقى نؤكد على احترام الانسان ودوره في بناء الدولة وعلى طريق الديمقراطية اجرينا اربع انتخابات خضناها بنجاح ونحن مقبلون على الانتخابات المقبلة نريدها ان تكون بنجاح اكبر ،وفي موازاة العملية الديمقراطية يكون بناء الدولة على اساس النظام البرلماني القائم على الانتخابات .
لقد اصبحت الديمقراطية فريدة في المنطقة لكنها تواجه تحديات كبيرة سواء من الذين لا يؤمنون بمبدأ الديمقراطية او من المحيط الاقليمي من الذين لا يرضون ان يتعاملوا مع دولة تعتمد الخيار الديمقراطي.
ومن اجل حماية العملية الديمقراطية كان يجب علينا ان نبني اجهزة مهنية ووطنية لمواحهة التحديات ، وكنا في الوقت الذي نقاتل فيه الارهاب نقوم ببناء اجهزة الجيش والشرطة ، والى جانب ذلك كان الحشد الجماهيري والوطني مساندا في مواجهة جميع التحديات .
لقد اصبحت لدينا نظرية في الامن تعتمد على الاجهزة الامنية والى جانبها تقف مكونات الشعب من عشائر ومثقفين لمواجهة التحديات . ولايجاد جبهة وطنية متراصة ردا على سياسة النظام السابق وما تلاها من احداث كان علينا ان نعتمد المصالحة الوطنية ، فهي رؤية استراتيجية وقارب نجاة للعملية الديمقراطية في البلاد، وهي عملية مستمرة وليست محكومة بمرحلة،خصوصا عندما وجدنا ابناء الشعب من الشيعة والسنة يتعايشون سوية ، ولم تكن شعارات ومؤتمرات فقط انما هي حلول لكل المشاكل الموروثة .
وعلى طريق المصالحة الوطنية تم اعادة ما يزيد على ( 100) الف ، ومنح الحقوق التقاعدية لما يزيد على (200) الف من منتسبي الجيش السابق ، ومعالجة مشكلة العاملين في الهيئات والوزارات المنحلة كوزارة الاعلام وهيئة التصنيع العسكري وغيرها ، وقد اعيد توزيع الشركات التي كانت تعنى بالتصنيع العسكري الى مؤسسات الدولة المدنية .
ان ما قام به ابناء العراق ابتداءا من الانبار وبقية المحافظات، تم بعده الحاق (96) الف من الصحوات الى اجهزة الجيش والشرطة ووزارات الدولة المدنية .
لقد انجزت المصالحة الوطنية الكثير من المتطلبات لبناء النظام السياسي ، ونواجه في عملية بناء الدولة كثير من التحديات ومنها الاصلاح السياسي الذي يحتاج الى مراجعة في اطار الدستور ، وبعد الاستقرار الامني والنجاحات التي تحققت في مختلف المجالات اتجهنا للتعاون مع الكتل السياسية لاكمال عملية البناء.
ان ما حدث في العراق من تطورات امنية وصولا الى انسحاب القوات الاميركية من المدن ، يؤكد قدرة العراق على استلام المسؤولية وقد اثبتت قواتنا الامنية قدرتها على ذلك وفق ما جاء في الاتفاقية.
والاتفاق لم يتحقق لولا المصالحة الوطنية التي اسست جبهة وطنية متماسكة بين جميع مكونات الشعب ، اضافة الى التنسيق الجيدبين القوات العراقية والقوات الاميركية .
لقد ورثنا بلدا استشرى فيه الفساد بسبب النظام السابق وما جرت بعده من احداث وكانت هذه واحدة من الجبهات التي قاتلنا فيها وانتصرنا ، فكانت محاربة الفساد الاداري والمالي وحتى السياسي ، والسياسي نعني به هو التدخلات الاقليمية والدولية بالشان العراقي و تنفيذ لاجندات لا تمت الى المصلحة الوطنية بصلة ، وفي محاربة هذا الفساد يبرز الوعي عند العراقيين ، والدليل على ذلك هو النجاح الذي تحقق في انتخابات مجالس المحافظات عندما طرحنا المشروع الوطني بدلا عن المشاريع الطائفية ، وقد اثبت المواطن وقوفه الى جانب المشروع الوطني ، ولذلك ستكون الانتخابا ت المقبلة قائمة على هذا الاساس وبعيدة عن الطائفية والعنصرية .
ان النجاحات التي تحققت في مختلف المجالات سواء انسحاب القوات الاجنبية او تثبيت الامن والقضاء على الطائفية والارهابيين لم تتحقق لولا المشروع الوطني ، ولان التقدم لا يتحقق الا على اساس دولة المؤسسات المبنية على اسس عصرية حديثة .
ان من بين التحديات التي لا تزال تواجهنا هو عملية تطوير الاقتصاد وتوسيع الخدمات التي كان لنا فيها نجاحات رغم ما كنا نواجهه ، لقد تمكنا من رفع مستوى الخدمات ومتوسط دخل الفرد من (500) دولار الى (4000) دولار، وكانت الموازنة المالية (24)مليار دولار عام 2005 ولكنها في عام 2009 اصبحت (79) مليار دولار ، وحتى الكهرباء التي كانت تشكل عقدة في العراق ارتفعت الى نسبة 32% ، ورغم اننا ورثنا بنية تحتية محطمة بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق الا اننا تمكنا ان نطلق عملية البناء والاعمار عام 2008 ، وكان خططنا في عام 2009 توسيع الخدمات بشكل كبير لكن الازمة المالية التي ضربت العالم اثرت على العراق ايضا، ومع التوجه لزيادة انتاج النفط قمنا بالتعامل مع مختلف الشركات الدولية لادامة عملية البناء والاعمار.
ان العراق الذي كان يسمى ارض النار تحول الى دولة تاتي اليها كبار الشركات ورؤس الاموال والمستثمرين للحصول على فرصة عمل، وعاد من جديد الى محيطه الاقليمي والدولي واصبح التعاون مع الدول في مختلف المستويات ،ومن ملامح النجاحات التي تحققت عودة السفراء وفتح السفارات التي كانت مغلقة ، وزيارة كبار المسؤولين في المنطقة والعالم للعراق ، والمؤتمرات التي كانت تعقد اقليميا ودوليا في العراق مثل مؤتمر العهد الدولي .
ان العراق الذي كان مثار جدل في المنطقة اصبح اليوم مكانا يلتقي فيه المتخاصمون بفضل السياسة الجديدة التي تعتمد مبدا الحوار للانفتاح على دول العالم، ونتجه لحل المشاكل الموروثة وفق الحوار والمصالح المشتركة والابتعاد عن التدخل في شؤون الاخرين وعدم السماح للتدخل في شؤوننا .
ان هذه النجاحات تحققت، ونحن بصدد بناء دولة قوية قائمة على الدستور بعد ان كانا بلدا ممزقا من قبل الدكتاتورية والطائفية . ونطلب من المجتمع الدولي دعم التجربة الديمقراطية الحديثة في العراق لانها تصب في صالح الامن والسلم الدوليين ، ولان العراق الذي كان يشكل خطرا على السلم والامن في العالم اصبح اليوم يتفاعل مع الدول والمؤسسات الدولية .
ان حربنا على الارهاب اعطتنا خبرة كبيرة ، لذا نريد من المجتمع الدولي مساعدتنا في تجفيف منابع الارهاب والفتاوى التي تدعو الى ذلك، ولان العراق لن يشكل خطرا على السلم والامن الدوليين طلبنا من الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي مراجعة القرارات الدولية واخراج العراق من الفصل السابع .
ان هذه التحولات حصلت في العراق ، ولكننا لا نريد ان نرسم لكم صورة وردية عن بلد انتهت فيه كل المشاكل ، نعم امامنا تحديات كبيرة ولكن الاهم ا ننا استعدنا موقعنا في عملية المواجهة ، واوقفنا التداعيات وتقدمنا الى الامام بخطوات كبيرة ، مشوارنا لا يزال صعبا لاننا نريد بناء دولة قوية على انقاض دولة دكتاتورية رغم ان العالم يشهد لنا باننا واجهنا كل الصعوبات وانجزنا الكثير من خلال نجاح الانتخابات الذي يؤكد الرغبة في بناء دولة على اساس الديمقراطية ، وستبقى هذه المحطة تسجل لكل من وقف الى جانب العراق في هذه المرحلة التي تشهد بناء الدولة ومواجهة كل التحديات الارهابية.
https://telegram.me/buratha