بسم الله الرحمن الرحيم
(رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات)
صدق الله العلي العظيم
ايها الشعب العراقي الكريم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني ان اتقدم اليكم بأسمى آيات التهاني والتبريك في هذا اليوم ، الثلاثين من شهر حزيران الذي انسحبت فيه القوات الامريكية من المدن العراقية وفقا لاتفاق سحب القوات الذي تم التوقيع عليه بين العراق والولايات المتحدة الامريكية ، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى عزيزة على قلوب جميع العراقيين وهي ثورة العشرين الخالدة التي جسدت الارادة العراقية في التحرر والاستقلال .
اننا اليوم نشعر بفرحة كبيرة ممزوجة بحزن عميق ، فرحة لتحقيق انجاز تاريخي كبير كان ثمرة تضحيات وجهود جميع مكونات الشعب العراقي ، وحزن لفقدان اعزائنا من الرجال والنساء والاطفال الذين سقطوا ضحايا الارهابين والتكفيرين وازلام النظام البعثي - الدكتاتوري والعصابات الاجرامية .
ان هذا اليوم الذي نعتبره عيدا وطنيا هو انجاز مشترك لجميع العراقيين ، يليق بتاريخهم وارثهم الحضاري العريق وتضحياتهم ومقارعتهم للدكتاتورية والظلم والاستبداد، ويتوج جهودهم في بناء العراق الجديد القائم على الديمقراطية والتعددية.
ايها الاخوة
لقد ورثنا تركة ثقيلة من النظام الدكتاتوري البائد ، دولة مسلوبة السيادة بفعل القرارات الدولية نتيجة للحروب والمغامرات الداخلية والخارجية والسياسات الخاطئة التي ارتكبها النظام الدكتاتوري ، ودولة محاصرة ومدمرة، وشعبا محروما من ابسط الحقوق ، ان السيادة المنقوصة ووجود القوات الاجنبية هي اخطر تركة ورثناها من الحقبة الدكتاتورية والتي لابد للعراق ان يتخلص منها.
كان من الصعب جدا وربما المستحيل ان يتحقق هذا الانجاز التاريخي لولا نجاح حكومة الوحدة الوطنية في اخماد الحرب الطائفية التي كانت تهدد وحدة وسيادة العراق ونجاح المصالحة الوطنية ، والجهود الكبيرة التي بذلناها في عملية اعادة بناء القوات المسلحة على اسس وطنية ومهنية وان تكون في خدمة العراق اولا وان لاتنحاز لحزب او طائفة وان لا تتحول الى اداة قمع بيد الحاكم كما كانت في عهد النظام السابق ، وهوماعزز قدرتها في التصدي للمنظمات الارهابية والخارجين عن القانون وساعد في تعزيز الوحدة الوطنية.
ايها الشعب العراقي العزيز
يرتكب خطأ فادحا من يظن ان العراقيين عاجزون عن حماية الامن في بلادهم وان انسحاب القوات الاجنبية سيترك فراغا امنيا يصعب على القوات العراقية ان تملاءه، ان الذين يروجون لهذه الشائعات ، يوجهون اساءة بالغة للعراقيين الذين قدموا للعالم اروع الصور في مواجهة التحديات واثبتوا قدرتهم على صنع الحياة من خلال تضحياتهم و اصرارهم على تعزيز تجربتهم الديمقراطية الفتية وبناء دولة القانون والمؤسسات .
اننا على يقين بان العراقيين يدركون جيدا ان المسؤولية التاريخية تحتم عليهم الدفاع عن وحدة وسيادة واستقلال البلاد وهي بكل تأكيد ليست مسؤولية الاجانب، وان الذين يقفون وراء حملة التشكيك بقدرة قواتنا المسلحة بملء الفراغ هم ذاتهم الذين كانو يقولون ان القوات الاجنبية ستبقى في العراق لعشرات السنين وانها ستقيم قواعد عسكرية دائمة ، هؤلاء المشككون بقدرتنا على وضع جدول زمني لانسحاب القوات الاجنبية ، لاشك في انهم اصيبوا بصدمة حين وجدوا ان حكومة الوحدة الوطنية استطاعت ان تنجز اتفاق الانسحاب النهائي للقوات الاجنبية من جميع الاراضي العراقية خلال ثلاث سنوات.
ان حملة التشكيك التي تقودها بعض الجهات وبالتنسيق مع وسائل اعلامية سلبية حول عدم جاهزية قواتنا المسلحة ، تعطي الضوء الاخضر للارهابيين للقيام باعمال ارهابية وتلحق ضررا فادحا بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد ،وان القوى السياسية وابناء الشعب مدعوون للثقة بقدرة القوات الامنية على تحمل المسؤولية .
ايها الاخوة
الذين رفعوا شعار اخراج المحتل من العراق ،اتخذوا من شعار المقاومة وسيلة للارتزاق وكسب الاموال والسياحة في عواصم العالم ، هؤلاء هم اكثر الخاسرين من انسحاب القوات الاجنبية خلافا لادعاءاتهم الكاذبة ، لقد اجازوا قتل المدنيين بدعوى انهم دروع وتروس للاجنبي وافتوا بتحريم الانضمام الى قوات الجيش والشرطة ومنعوا آلاف الشباب من المشاركة في شرف حماية الشعب والوطن ، كما حرّموا على المواطنين المشاركة في الانتخابات.، لقد قتلوا في ظل تلك الفتاوي الشيطانية الاف الابرياء بدم بارد وهجروا عشرات الآلاف من العوائل من مناطقهم وديارهم، نطالب الدول العربية زالاسلامية والمجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم من اصجاب الفتاوى التكفيرية ودعاة القتل. ان يوم الثلاثين من حزيران الذي يعتبره العراقييون الشرفاء فرحة وطنية، هو يوم عزاء لأعداء العملية السياسية واعداء الوطن والانسانية ودولة القانون .
ايها الاخوة
ان انسحاب القوات الاجنبية من المدن والقصبات يؤكد سلامة رؤيتنا وموقفنا الحازم منذ بداية عملية التفاوض ، بإن السيادة الوطنية للعراق هي خط احمر لا يمكن تجاوزه بأي حال من الاحوال ، وان تنفيذ عملية الانسحاب تعد نجاحا جديدا للعراق وهي استكمال لعملية التفاوض الصعبة والشاقة التي خضناها مع الجانب الاميركي والتي اثبت خلالها المفاوض العراقي قدرة فائقة واخلاصا مشهودا في الدفاع عن المصلحة الوطنية.
ولم يكن سهلا على الاطلاق وضع الترتيبات النهائية لوضع اتفاق سحب القوات الاجنبية حيز التنفيذ خلال فترة زمنية قصيرة امتدت بين التوقيع على الاتفاقية في شهر تشرين الثاني الماضي وبين استكمال عملية الانسحاب في الثلاثين من شهر حزيران ، لقد دخلت قواتنا واجهزتنا الامنية وفرق العمل الخاصة في عملية سباق مع الزمن لتنفيذ الاتفاق حسب الجداول الزمنية المتفق عليها، وهو انجاز كبير يستحق كل التقدير والثناء .
ويتزامن سحب القوات الاجنبية من المدن مع التنامي المتسارع في اداء وجاهزية قواتنا الامنية التي اثبتت قدرة فائقة في عملية التصدي والحاق الهزيمة بالارهابيين والخارجين عن القانون وهي اليوم امام اختبار جديد ، لانشك في انها ستخرج منه مرفوعة الراس وانها ستكون على اتم الاستعداد للرد بقوة وحزم على كل الذين يضمرون الشر للعراق وشعبه
ان المسؤولية الوطنية والتاريخية تتطلب منا جميعا ان نقف في هذا اليوم التاريخي صفا واحدا خلف قواتنا الامنية التي استطاعت ان تحقق نجاحات كبيرة وان لا ننظر الى عملية الانسحاب من زاوية الحسابات الحزبية او الفئوية الضيقة ، وان نعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات والتحلي بالحكمة في مواجهة ما يعترض العملية السياسية من تحديات .
يا ابناء شعبنا الكريم
نتطلع اليوم لتحقيق الاستحقاق الاكبر في نهاية عام الفين وأحد عشر ، الذي سنشهد فيه باذن الله تعالى وهمة العراقيين الاحرار ، الانسحاب النهائي للقوات الاجنبية من العراق ، ونؤكد لكم ان اتفاق سحب القوات الاجنبية يسير وفق الجدول الزمني المتفق عليه ، وان الحكومتين العراقية والاميركية ملتزمتان بالعمل المشترك والحرص على تنفيذ بنود الاتفاقية بدقة.
ان العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الاميركية ستدخل في مرحلة جديدة في اطار اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي تم التوقيع عليها بين البلدين ، لتطويرالعلاقات الثنائية والتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والزراعية والثقافية والعلمية .
لقد دخل العراق اليوم في مرحلة جديدة بعد تنفيذ اتفاق سحب القوات الاجنبية وهو يتطلع الى علاقات متكافئة تقوم على اساس المصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتثبيت الامن والاستقرار وتعزيز فرص التنمية في المنطقة والعالم وطي صفحة الماضي ، كما يتطلع الى التعاون مع اشقائه واصدقائه ليتخلص من العقوبات التي فرضت على شعبنا الذي عانى الأمرين طيلة خمسة وثلاثين عاما من الحكم الدكتاتوري .
ان العراقيين يكتبون اليوم سطورا مضيئة في تاريخهم المشرق ويحققون انجازا وطنيا كبيرا اسهموا فيه بتضحياتهم وصبرهم ، مصممين – بالاتكال على الله العلي القدير – على بناء العراق في ظل اجواء الحرية والديمقراطية والتعددية وسيادة قيم العدالة والمساواة والتسامح وتعزيزالوحدة الوطنية التي هي الطريق الوحيد الذي يوصلنا الى هدفنا في بناء دولة مستقلة ومستقرة ومجتمع آمن واقتصاد مزدهر.
تحية لشهداء العراق على طريق الحرية والسيادة الوطنية .. والحمد لله رب العالمين .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
نوري كامل المالكي
رئيس وزراء جمهورية العراق
القائد العام للقوات المسلحة
في الثلاثين من حزيران عام الفين وتسعة
https://telegram.me/buratha