عبّر مدير شرطة الأنبار عن استيائه من طبيعة التنافس بين القبائل لخوض الانتخابات المحلية. وحذر من أن هناك (نوايا) لدى بعض شيوخ العشائر لتحويل القوات الأمنية الى (ميليشيات عشائرية). وقال في معرض سخطه على الفوضى التي تسود الأنبار نحن قوم غير مؤهلين للديمقراطية. ويقول مراقبون في المحافظة - ومنهم مراسل صحيفة أميركية - إن عملية التنافس تحوّلت الى ما يشبه (بورصة الأصوات) التي تُشترى فيها الرؤوس وتباع والمؤازرة لمن يدفع أعلى الأسعار. وأكدوا أنّ هناك شيوخا دخلوا العملية الانتخابية بهدف المتاجرة المالية، فيما يخشى سكان الأنبار من اقتتال عشائري، يسبق يوم الاقتراع!.
ويقول (سام داغير) مراسل صحيفة النيويورك تايمز إن التنافس العشائري بتقاليده وقيمه القديمة يبرز على أشده في مدينة الرمادي في مواجهة ما تسمّيه الصحيفة (المثالية الجديدة للديمقراطية) قبل أقل من أسبوعين على موعد إجراء الانتخابات المحلية. ويؤكد المراسل أن ممثلي العشائر - التي كانت قد حظيت بالدعم الأميركي في قتالها ضد القاعدة وفي تشكيل مجالس الصحوة، ومن ثم تشكيلات (أبناء العراق)، ميليشيات الحراسات المحلية - يخوضون غمار التنافس بقوة، سعياً الى الحصول على مناصب حكومية محلية تؤكد (حضورهم السياسي) عبر صناديق الاقتراع.
وطبقاً لمراقبين في الرمادي فإن بعض زعماء العشائر يتعرّضون للخداع، وبعضهم (يمارسون) الخداع، وأن الناس تشكو من أن (الماكنة الديمقراطية) أفرزت الكثير من حالات الفساد، والتنافسات الداخلية التي تقود الى العنف، وأظهرت (القوائم الانتخابية) كأنها اقطاعيات متعادية وبات الناس الذين لم يعتادوا على مثل هذه الطقوس الغريبة على مجتمعهم خائفين من الفتنة والتمزق الاجتماعي على الرغم من أن هناك من يصرّ على تصعيد وتيرة التنافس من أجل الفوز بمقاعد الأغلبية في مجلس المحافظة، ضماناً للحصول على المصادر المالية التي تستحقها المحافظة من جهة ولضمان تأمين الحال الأمنية.
ونقل (داغير) عن الشيخ (أمير عبد الجبار) قوله: ((إنها فوضى)). ويؤكد المراسل أن هذا الرجل الذي ينظر إليه على أنه (حكيم وأمير الأنبار) متهم من قبل كثيرين بأنه ينتهز الفرصة ويسعى الى تقديم الدعم لمن يدفع سعراً أعلى. ووصف أحدهم ما يجري في الأنبار وفي محافظات كثيرة بأنه أشبه بعمليات البيع والشراء.
وقال إن الأثرياء الذين دخلوا الانتخابات هم الذين أوجدوا لها (سوق الأصوات). وفي الأنبار – تقول النيويورك تايمز- أكثر من 500 مرشح، قُسمّوا الى 37 مجموعة سياسية. وبعد المقاطعة شبه الكاملة لانتخابات جرت قبل أربع سنوات، وجد شيوخ العشائر أنفسهم (الخاسرين الوحيدين) ولهذا يعملون – هذه المرة - بجدّية منقطعة النظير، لاسيما وهم يجدون صورهم وأسماءهم في كل مكان.
ومنهم من استخدم صوره مع (بوش) ومع (أوباما) ربما إظهاراً للقوة أو لـ (البراعة) السياسية. والصراع في هذه المحافظة ذات الغالبية السنية، يختلف تماماً عن مثيله من الصراع في أية محافظة جنوبية، إذ باستثناء تصميم القبائل على ما يسمّونه (طرد الحاكمين القدامى) والمعنيون هنا أعضاء مجلس المحافظة الذين ينتمون الى الأحزاب السياسية، وبالذات الحزب الإسلامي العراق، فإن الصراع (قبلي محض). وكل عشيرة تبذل ما في وسعها للاستحواذ على عدد أكبر من مقاعد مجلس المحافظة. وتسري بين الناس – كما يؤكد مراسل النيويورك تايمز- موجة خوف جاد وحقيقي من أن يتحول التنافس خلال لحظات – وكنتيجة لتصاعد التوتر يوماً بعد آخر- الى اقتتال تكون نتائجه وخيمة، إذ يمكن أن تتعرض الحال الأمنية في الرمادي على وجه التحديد للانهيار.
وبهذا الصدد يقول اللواء (طارق اليوسف) مدير شرطة المحافظة، وهو يشعر بالاستياء: ((لسنا مؤهلين للديمقراطية)) وفسر أحد المراقبين في المحافظة لتطورات العملية الانتخابية قول مدير الشرطة بأن الديمقراطية في المجتمعات العشائرية أشبه بالورطة وأكد مدير الشرطة قلقه من أن العشائر تبحث عن المزيد من السلطة السياسية لا لإدارة الحال الأمنية من خلال القوات الأمنية، إنما لكسب أفرادها كـ (ميليشيات عشائرية).
ويشتد التنافس – بشكل خاص- بين عشائر الصحوة التي تسعى بقوة الى التخلص من هيمنة الحزب الإسلامي العراقي على مجلس المحافظة وتعدّه مستبداً وفاسداً. فيما ينظر آخرون إلى أن عشائر الصحوة، أغلبها قويت (وصار لها ريش تطير به) من خلال تدفق الأموال الأميركية عليها. ويؤكد متابعون للأحداث في الرمادي أن التنافس الانتخابي تحوّل الى (بورصة) يسعى فيها كثيرون الى الثراء بعد أن فاتتهم فرصة التعاون مع الأميركان.
المصدر : النور الصادرة عن الملف برس
https://telegram.me/buratha