رغم اعلان الحكومة البريطانية حظرا يبدأ حيز التنفيذ هذا الاسبوع على تصدير اجهزة الكشف عن المتفجرات وتوقيف مدير الشركة التي سوقها وتأكيد خبراء المتفجرات البريطانيين على فشل تلك الاجهزة ، يصر المسؤولون العراقيون على صلاحية هذه الاجهزة مع استمرار السيطرات والحواجز في مختلف مناطق بغداد والمحافظات باستخدامها .
وناقش مجلس الوزراء نتائج التحقيق التي خلصت اليها اللجان الثلاث التي شكلها للتحقيق في موضوع اجهزة كشف المتفجرات التي تعاقدت عليها وزارة الداخلية وبعض المحافظات ومؤسسات الدولة ، بعد فشلها في الكشف عن المفخخات التي ضربت العاصمة بغداد الشهر الماضي .
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ في بيان صحفي امس " ان تحقيقات اللجان خلصت الى ان الجزء الأكبر من تلك الاجهزة هي من مناشئ أصلية وصالحة للاستعمال وفاعلة وجزء منها مقلد وغير فاعل وغير صالح للاستعمال ، مضيفا انه في ضوء نتائج التحقيق، تم سحب الاجهزة المقلدة وغير الصالحة واستبدالها باجهزة فاعلة واصلية وتكثيف اجراءات الكشف والفحص ، مشيرا في ذات الوقت الى انه ستتم احالة الأشخاص الذين شاركوا في التعاقد واستيراد وتسلم الاجهزة المقلدة وغير الصالحة للتحقيق ومقاضاة وملاحقة الشركة المصنعة لهذه الاجهزة".
وزير الداخلية جواد البولاني والذي اشترت وزارته هذه الاجهزة والتي بلغت قيمتها (85 مليون دولار امريكي) وصف بدوره جهاز (اي دي اي - 651) بالفعال ، مشيرا الى ان هذه الاجهزة ساهمت في كشف اكثر من (16 الف عبوة) بما فيها (700 سيارة مفخخة) ، مؤكدا ان هذا الجهاز يستخدم من قبل اشخاص ، وعلى مستخدمه ان يعرف كيفية تشغيله بالشكل الصحيح، فالكل ليس مدربا على استخدامه وهذه هي المشكلة".
واضاف البولاني ان "هناك شركات عدة تصنع هذا النوع من الاجهزة ويعتبر العراق سوقا كبيرا لها، فهذه الشركات المنافسة من الطبيعي ان تحاول التخفيف من اهمية فعالية الاجهزة التي تشتريها الوزارة بكميات كبيرة".
ويرى المراقبون بحسب التحقيقات الامنية ان هذه الاجهزة فشلت في كشف شاحنات وسيارات مفخخة مرت عبر سيطرات وحواجز في العاصمة بغداد ما ادى الى وقوع مئات الضحايا في تفجيرات باتت تسمى بالاربعاء والثلاثاء والاحد الدامي .
على الصعيد ذاته اكد رئيس مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية العميد جهاد الجابري " ان هناك سلسلة من النجاحات حققتها قوى الامن العراقية ، وكلها موثقة، بفضل هذا الجهاز وتتلخص هذه النجاحات باكتشاف آلاف العبوات وسيارات مفخخة وحتى عبوات داخل المنازل ، ما ادى الى انخفاض نسبة التفجيرات الى 10 % مما كانت عليه في السابق ، مشيرا الى ان الوزارة ارسلت (14) شخصا الى بيروت للتدرب على استخدام هذه الاجهزة التي اجريت عليها اكثر من تجربة توجت بالنجاح ".
من جهته اشار المفتش العام في وزارة الداخلية عقيل الطريحي الى " ان الوزارة أخطرت قبل سنتين بألا تشتري أجهزة كشف متفجرات تقول بريطانيا انها لا تعمل ، مؤكدا ان المفتشية تجري تحقيقا خاصا لمعرفة ما اذا كانت هناك صفقة تجارية وفسادا رافقا شراء الوزارة لهذه المعدات " .
وبحسب مصادر امنية مطلعة فأن " لجنة التحقيق التي شكّلها رئيس الوزراء نوري المالكي بعد التفجيرات الاخيرة خلصت إلى أن أجهزة كشف المتفجرات عديمة الفائدة والفاعلية ".
وأوضح المصدر في تصريح نشر له " أن اللجنة التي ضمت خبراء وفنيين وعلماء في الكيمياء والفيزياء والتكنولوجيا أكدوا لرئيس الوزراء أن أي جهاز يحتاج الى (130) فولت كهربائي على الأقل ليتمكن من كشف المتفجرات فيما لا يولد جسم الانسان أثناء حركته إلا من (13) إلى (17) فولت ، مؤكدا أن اللجنة أوضحت للمالكي أن هذه الكمية من الكهرباء غير كافية لتتمكن هذه الاجهزة من كشف المتفجرات وهي غير ذات فائدة وأن اللجنة أبلغت المالكي بأن الأجهزة ليست عديمة الفائدة فقط وانما عقود شرائها يشوبها فساد كثير يصل الى عشرات الملايين من الدولارات ".
مدير شركة (أي تي أس سي) البريطانية ( جيم ماكورميك) والذي باع هذه الاجهزة المصنعة في شركته إلى وزارة الداخلية العراقية والتي اصبحت بحسب لوائح الشركة اكبر مستورد لهذ الجهاز إدعى من جانبه " أن الجهاز يعمل من خلال بطاقات خاصة يتم وضعها فيه ومن المفترض أن هذه البطاقات مبرمجة بحيث تتمكن من الكشف عن أنواع مختلفة من المتفجرات ".
وقال (جيم ماكورميك) انه " باعها الى نحو 20 بلدا ، لكن مسؤولين يقولون ان بريطانيا تملك صلاحيات قانونية لحظرها استنادا إلى أنها يمكن أن تعرض البريطانيين و القوى الصديقة الأخرى للخطر".
بينما يقول الدكتور (ماركوس كوهن) وهو احد العلماء البريطانيين ويعمل استاذا في جامعة كامبريدج " إن البطاقة لا يمكنها أن تخزن أي معلومات على الإطلاق " فيما يشير الاستاذ (سيدني الفرد ) وهو أحد كبار خبراء المتفجرات في بريطانيا الى " انه يشعر بالرعب من أن الجهاز تم تصديره من بريطانيا "، مضيفا " أن تصدير الجهاز إلى العراق أعطى في الواقع شعورا زائفا بالأمان ، وهذا أمر غير أخلاقي على الاطلاق ".
الى ذلك دعا عدد من اعضاء مجلس النواب وقوى سياسية الى معاقبة المتعاقدين العراقيين الذين اشتروا الاجهزة من الشركة البريطانية لكشف المتفجرات بعد ان ثبت عدم صلاحيتها وفشلها حيث كانت قيمة العقد 85 مليون دولار في حين ان السعر الحقيقي لهذه الأجهزة لا يتجاوز 1% من قيمة هذا العقد حسب تقارير بريطانية.
وعبر النواب عن استغرابهم من تشكيل الحكومة لجاناً للتحقيق في الامر بعد ان قتل عدد كبير من العراقيين نتيجة فشل هذه الاجهزة في الكشف عن المتفجرات التي استهدفتهم.
وقدرت مصادر أمنية عراقية ما أنفقته الحكومة على عقود استيراد هذه الأجهزة المعروفة بـأسم (اي دي اي 651) بنحو (85 مليون دولار اميركي) وبسعر يتراوح بين (40 الى 50 الف دولار) للجهاز الواحد وأشارت الى ان الأجهزة لا تحمل أي ذاكرة أو أي مكون يمكن برمجته لقراءة البيانات وفهم أدائها. ولم يتضح ما اذا كان قد تم شراء أجهزة (ايه.دي.اي.65 1) من مصدر واحد أم من عدة مصادر، وما إذا كان تم شراء أجهزة مماثلة من شركات أخرى.
وكانت صحف امريكية وبريطانية قد كشفت أن أجهزة الكشف عن المتفجرات التي تستخدمها القوات الأمنية العراقية في نقاط التفتيش عاطلة عن العمل، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية العراقية حصلت على تلك الأجهزة ضمن صفقة كان لمسؤولين في الوزارة دور في إبرامها، ولم تورد معلومات إضافية عنهم.
ونقلت الصحف عن شهود عيان تأكيدهم أن تلك الأجهزة غالبا ما تعطي إشارات عن وجود متفجرات في شاحنات لا يعثر فيها أفراد الأمن عند تفتيشها على أثر لها، ويضيف هؤلاء أن بعض أفراد نقاط التفتيش لا يأخذون أجهزة الكشف عن المتفجرات التي بحوزتهم على محمل الجد في أداء عملهم، نظرا لمعرفتهم بعدم فعاليتها.
كما نقلت تلك الصحف عن مواطنين عراقيين قولهم إن أجهزة كشف المتفجرات التي يستخدمها عناصر الأمن في نقاط التفتيش لا تتمكن من التمييز بين المتفجرات والعطور حيث يسأل عناصر الأمن المواطنين الذين يؤشر عليهم الجهاز إن كان يحمل معه قنينة عطر وعند الاجابة بـ"نعم"، تطلب العناصر الأمنية بالمضي قدما من دون أي تفتيش.
https://telegram.me/buratha