تصاعدت عمليات تجريف البساتين والاراضي الزراعية عقب عام 2003 لتحويلها لفنادق وشقق سياحية ومصانع وورش، بشكل بات ينبئ بكارثة بيئية لاسيما ان البساتين والمساحات الخضراء التي تم التجاوز عليها كانت محسوبة بأنها الرئة التي تعقم اجواء المدن خاصة بغداد من نسب التلوث العالية.
عمليات التجريف وجدت ما يبررها في ظل التصاعد الكبير الذي وصل الى ارقام قياسية بأسعار العقارات مقابل ضآلة ما تحويه تلك المدن من مساحات مخصصة لاقامة المشاريع من فنادق وشقق سياحية عقب تحسن الوضع الاقتصادي وتزايد اعداد الوافدين ضمن افواج السياحة الدينية للمدن المقدسة في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف والكاظمية وسامراء.
ويقول الحاج حسين عبد الامير في حديثه وهو صاحب احد البساتين التي حولت عقب شرائه منه في محافظة كربلاء المقدسة الى شقق سياحية فاخرة تؤوي مئات من الوافدين من خارج البلاد لزيارة المراقد المقدسة، ان الأسعار التي بيعت بها الكثير من بساتين المحافظة خلال المدة التي اعقبت عام 2003، ووصلت الى ملايين الدولارات، حدت بالكثير من اصحابها وهو منهم الى اغتنام الفرصة وبيعها مقابل انخفاض العوائد الاقتصادية التي تدرها الزراعة عموما لأسباب كثيرة، مستدركا انه لو كان قد تريث ببيعه البستان الى الان لكان قد باعه بضعف ثمنه الذي لم يحدده، بيد انه قال ان السعر تجاوز الخمسة ملايين دولار..!
من جهتهم عبر مواطنون التقتهم "الصباح" عن تذمرهم من تحول مساحات خضراء كانت حتى مدة قليلة توفر النسمات العليلة وتنقي اجواء بغداد المتعبة مما تطرحه مئات الالاف من عوادم السيارات يوميا وتخفف من وطأة العواصف الترابية التي ازدادت هي الاخرى بعد التجاوز على الاحزمة الخضراء التي كانت تسور اغلب المدن، مطالبين الجهات ذات العلاقة بسرعة التحرك لايقاف ما يتم استنزافه من المساحات الخضراء المتبقية بهدف اقامة المزيد من الابنية والورش والمصانع بدلا من اقامتها خارج المدن او داخل المناطق الصناعية التي حددت لها في وقت سابق.
حيث قال المواطن قاسم عبيد من سكنة منطقة "الجعيفر" ببغداد، ان المساحات الخضراء بنخيلها الباسق قد تم التجاوز عليها لاقامة ورش لتصليح السيارات ومواقع لبيع المواد الانشائية "السكلات" ومعارض لبيع السيارات، مشيرا الى ان سلطات الامانة كانت قد امهلتهم سابقا لازالة التجاوز وتمت بالفعل ازالة البعض منها، بيد ان الاجراء توقف قبل مدة وعاد من ازيل تجاوزه قبل ذلك ليعيد انشاءه بمساحة اكبر واجمل مما كان ..!
احد اصحاب تلك البساتين ورفض الافصاح عن اسمه تحدث لـ"الصباح" في سياق اخر عما اسماه بـ"تجميد" التصرف بأراضيهم من قبل النظام المباد منذ ما يزيد على العقدين مقابل انعدام العائد الاقتصادي لها الا من زراعة انواع محدودة من الخضراوات طوال تلك المدة، في مقابل اسعارها "الخيالية" كأراض ذات موقع مهم وستراتيجي لقربها من المناطق المقدسة وما يشكله من استثمار ذي عوائد مجزية للغاية، معتبرا ان بيعها او تأجيرها او حتى مشاركة اشخاص لاقامة فنادق وشقق سياحية هو حق طبيعي بحكم عائديتها القانونية اليه. من جانبها شددت وزارة الزراعة بعدم جواز اقامة اية مشاريع انى كانت الا على الاراضي غير الصالحة للزراعة والشاغرة حصرا، على ان يتم ذلك بموجب كشف اصولي تنظمه لجنة فنية مختصة تشكلها الوزارة فقط.
واوضح مدير الدائرة القانونية في الوزارة بتصريح خاص ادلى به لـ"الصباح"، ان تقطيع الاراضي الزراعية وبيعها الى المواطنين من قبل مالكي هذه الاراضي او من لهم حقوق تصرفية او عقود ايجار، يشكل مخالفة صريحة للتشريعات الزراعية التي لا تجيز استعمال الاراضي الزراعية لغير الاغراض المخصصة لها وهو ما يؤدي بنهاية الامر الى تقليص مساحة الرقعة الزراعية من خلال تفتيتها.
ونوه بان القانون ينص على عدم شرعية تشييد محطات التربية الحيوانية بأنواعها والمعامل والورش الصناعية والتجارية وجميع انواع المشاريع الخدمية، الا بعد تغيير جنس الارض من زراعية الى الاصناف غير الزراعية ومن خلال تطبيق احكام المادة 279 من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 بالتنسيق بين الراغب بذلك ومديرية التسجيل العقاري المختصة ضمن المحافظة.
من جهته أوضح مدير الهيئة العامة للأراضي الزراعية في الوزارة بتصريح خاص لـ"الصباح" أن قضية تحويل الاراضي الزراعية الى مشاريع صناعية وفنادق وعمارات سكنية، استفحل خلال المدة التي اعقبت عام 2003، والتي ارجعها للحاجة المتزايدة لاقامة المباني السكنية والتجارية وخاصة الفنادق والشقق السكنية الفاخرة بمحافظتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف اللتين شهدتا حركة اقتصادية وعمرانية واسعة منذ عام 2003 وحتى الان، مقابل انخفاض العوائد الاقتصادية للأراضي الزراعية.
ونوه الى ان مسؤولية محاسبة التجاوز على الاراضي الزراعية والبساتين القائمة وتحويلها الى أراض سكنية، فيقع على عاتق مديريات الزراعة بتلك المحافظات من خلال التنسيق مع الوحدات الادارية المعنية بالمنطقة لرفع التجاوزات القائمة بالسرعة الممكنة خاصة تلك التي تحت ادارة وزارة الزراعة استنادا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 154 لسنة 2001.
الخبير الزراعي ناصر عبد الامير بين بتصريح خاص لـ"الصباح" ان عمليات تجريف واسعة جرت للبساتين المقامة من سقوط النظام المقبور ضمن نطاق مراكز مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، جاءت بمخالفة صريحة للتحايل على القانون رقم 154 الذي منع صراحة من تحويل الاراضي الزراعية منها الى سكنية الا بقرار صادر من لجنة مختصة تشكلها وزارة الزراعة او مجلس المحافظة حصرا وتوصي فيها بعدم صلاحية الارض للاستزراع، عازيا لجوء الكثير من اصحاب البساتين الى الاجراء المذكور، الى الارتفاع الهائل بأسعار العقارات في تلك المناطق خاصة بعد الاستقرار الامني خلال الاعوام الستة الماضية.
https://telegram.me/buratha