كنا استنفدنا قبلا كلّ الأدعيةِ والتراتيلَ والنذور لتحقيق أملٍ واحدٍ هو أنْ يأتيَ يومٌ بلا صدام ولا بعث ولا تغييب ولا اختفاء ولا أجهزة امن ولا مخابرات ولا تخويف ولا حجر على الألسن والكلمات ، تلك أمنيتنا التي خلنا أنها صارت مستحيلة ً ، حتى مات أكثرُنا وشفتاه تتمتم برؤية ساعة تتحقق فيها تلك الأمنياتُ .
فجأة ، وبعد أنْ كدنا نتحقق يقينا من انقطاع الرجاء ، نزلت رحمة الله ، أيّا كانت الأسبابُ والأدواتُ ، نزلت رحمة الله فقلعت نظامَ البعث وعائلته من جذوره ، وصار أمامنا درب واحد هو دربُ الحرية الذي سالت عليه دماءُ شهداء العراق الحبيب من الشمال إلى الجنوب .
الذين سُبوا وقـُمعوا وتشردوا وعانوا الأمرين في الوطن وفي الغربة وفي الاهوار والجبال يعرفون تماما ماذا تعني الحرية وماذا يعني الأختباء ، وماذا يعني ان تنام بلا طارق ليل ، يعرفون تماما كيف تمشي رافعا رأسك في الأزقة التي كنت تتماهي خوفا مع ظلال جدرانها في الزمن المباد .
هم أحوج الناس للشعور بأنّ الدم حرامٌ ، حرامٌ ، حرام ، وأنّ الخطرَ مهما بلغت شدتُه فلن يصل إلى الموت والخوف والاختباء .
كم يؤلمني أنْ أسمع أنّ الكاتب أحمد عبد الحسين قد اختفى .. أيُعقل أن يختفي في العراق الحر الساعي لضمان الأمن والأمان واحترام الدم والحياة ، عراق الشمس ؟
أيعقل أنّ المجلسَ الأعلى الذي ما عرف عنه القتلُ والتصفيات ، وعرفت عنه الرحمة حتى مع أعدائه يخافه أحمد عبد الحسين لدرجة الاختباء ؟
ويعلم رجالات المجلس الأعلى أن النظام الصدامي كان يلحّ على تغييبنا واختبائنا منه وضياعنا في ظلال الجدران ، يعرف تماما أن العراقيين يعانون من صدمة التغييب والعزل تحت الأرض وفوقها .
لن نصدق أبدا أن ما أشيع قائم ٌ ، فدولة القانون ، وعلى رأسها المجلس الأعلى ، لن تنتهك حرمة دم عراقي من قبل فكيف يهوّل الأخرون ويروّجون لغير ذلك ؟ وكيف يمكن أن نصدق بأن عراقيا كأحمد عبد الحسين مختفٍ عن الأنظار لخوف ولج قلبه وممن ؟
من أناس كوت جباهَهم نارُ شمس الأهوار ومضغوا المرارةَ تلو المرارة من نظام البعث الظالم ، وتعرضوا كما العراقيين الى كل أنواع الاختباء والتغييب والظلم .
نقسم عليكم بالعراق ودم الأبرياء والمظلومين ، شهداء اللسان والفكر أن لا تدعوا أعداءنا يشمتون بنا ، وكذبوا ما أشيع عنكم بهتانا وضربا لتاريخكم .
أليست الكلمة حرة في العراق ؟ ألستم من رجالها ودعاتها ؟ لقد أخذ البعثيون بطانيات أحمد البرئية ليلقوا بها على تاريخكم ونضالاتكم ، وليجعلوها ساترا بيننا وبينكم ، أرادوا ان يحرفوا الكلم عن مواضعه وذلك ديدنهم ، فهلم معا نحرقها جميعا بكلمة منكم تضع الأمور في نصابها ، وتفضح البعث والمتسترين ببطانيات الحقد والطائفية والكراهية