س: ما هو تقييمكم للانتخابات الأخيرة؟
ج: الانتخابات المحلية الأخيرة كانت تجربة اخرى لتكريس الواقع العراقي الجديد. كلما تكاثرت الممارسات الانتخابية كلما تدرب العقل العراقي على اسلوب الانتخابات كوسيلة للتغيير واختيار المسؤولين والمحاسبة. لذلك اعتبرها تجربة جيدة تكرس الحالة الديمقراطية في العراق وتؤسس لوعي اجتماعي جديد لم يكن موجوداً في هذا البلد.
س: ما هو تفسيركم للفوز الساحق للمالكي؟
ج: فوز، نعم.. ساحق، كلا؟ فحسب النتائج الاولية فان قائمة السيد رئيس الوزراء قد فازت في خمس محافظات وفاز المجلس الاعلى في خمس محافظات. نقاط النجاح التي سجلها الاخوة في الدعوة هي فوزهم بمحافظات بغداد والبصرة والناصرية والكوت والديوانية حيث جاء المجلس الاعلى في المرتبة الثانية.. لكنهم جاؤوا بعد المجلس في محافظات النجف وكربلاء والحلة والسماوة وميسان. اعتقد من واجب المجلس والدعوة ان يقوما اوضاعهما بشكل متوازن. فكل منهما يستطيع ادعاء النصر بسبب تقدمه في محافظات لم ينجح فيها سابقاً ويستطيع الطرفان الكلام بانهما شريكان ومتنافسان في الساحة التي تتركز فيها قوتهما وهي المناطق الجنوبية عموماً والعاصمة بغداد. لكن الطرفين لم يحققا الارقام الانتخابية التي كان من المفترض ان يتمتعا بها. فقائمة رئيس الوزراء قد لا تعبر حاجز الـ15%من اصوات الـ7،5 مليون ناخب الذين شاركوا في الانتخابات أي بحدود مليون صوت، وحصلت قائمة شهيد المحراب اقل من ذلك واقل بكثير من الاصوات التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة. اما سبب فوز المالكي فعدا تاريخية حزب الدعوة وجهاديته وجمهوره فهو انه خاض الانتخابات بعنوان رئيس الوزراء واستخدم طاقات وثقل رئاسة الوزراء.. وانني اذكر بان الاخ الدكتور علاوي قد حصل في الانتخابات الوطنية على اربعين مقعداً واكثر من مليون صوت مع عدد مسجلين اقل، بينما لم يحصل بعد اشهر قليلة عندما فقد المنصب على اكثر من 25 مقعداً رغم توسيع تحالفه مع الشيوعيين والباجه جي وحاجم الحسني والنجيفي واخرين. وهذا مثال ليس الا يبين ان الموقع قد يضيف ارقاماً، فما بالك عند استثمار الموقع لاقصى الحدود اعلامياً ومالياً وامنياً وادارياً.
س: هل يعني هذا الانقسام انتهاء الائتلاف العراقي؟
ج: لا ارى لماذا سيعني ذلك بالضرورة انتهاء الائتلاف العراقي. هذا قد يعزز الائتلاف ويولد منهجاً اصح للتعامل مع الشأن السياسي. فكما ذكرت يمكن للمجلس الاعلى والدعوة ان يبقيا متنافسين وشريكين في آن واحد، حالهما حال الساحة الكوردية. وهذا قد يسمح بسياسة اكثر وادلجة اقل في التعامل مع الشأن السياسي ومع التحالفات المحلية والوطنية ايضاً.
س: لماذا كان اداء المجلس الاعلى ضعيفاً؟
ج: صحيح ان المجلس الاعلى لم يحقق عدد المصوتين الذين كان يتوقعهم وخسر عدد من المحافظات، لكن اداء المجلس الاعلى لم يكن ضعيفاً لا من حيث نجاحه في عدد من المحافظات بما في ذلك الجديدة له، ولا عدد المقاعد الاجمالية التي سيحصل عليها. فهو قد اتى اما اولاً او ثانياً في المناطق الجنوبية وبغداد، بل هو سيحصل على عدد من المقاعد في مناطق اخرى كديالى وغيرها. واذا ما تأكدت الارقام الاولية فانه سيحصل على عدد من المقاعد اكثر مما كان لديه في الانتخابات الماضية. فهل هذا حسن اداء او سوء اداء. اعتقد ان الامر يعتمد على الزاوية التي يرى منها المرء. لقد شن المجلس الاعلى حملة انتخابية فعالة وقوية ونجح في تعبئة حشود كبيرة في مختلف محافظات العراق. كما نجح في شرح برنامجه السياسي في موضوعات الاستبداد والمركزية والديمقراطية وتوزع الصلاحيات الاتحادية والمحلية والقضايا الاقتصادية والخدمية. المجلس الاعلى شأنه شأن كل القوى السياسية العراقية الاخرى وبدون استثناء قد فشل في حشد الصوت الانتخابي في يوم الانتخابات؟ هل سبب ذلك مسألة القوائم ومراكز الاقتراع التي منعت اعداد كبيرة جداً من التصويت. ام كثرة القوائم وتوزع الاصوات وتبعثرها؟ ام ان ذلك من طبيعة القائمة المفتوحة؟ ام هو رفض الناخب للبرنامج والمرشحين ورسالة عن عدم رضى بالادارات السابقة. وعلى المجلس الاعلى وبقية القوى دراسة اسباب ذلك. فقد تكلمنا اعلاه عن الدعوة والمجلس والامر لا يختلف ان لم يكن اعمق بالنسبة للاخرين. فتيار الاصلاح للدكتور الجعفري لم يحصل على النتيجة التي كان يرجوها.. وكذلك الاخوة في الفضيلة او التيار الصدري. والامر يصح ايضاً بالنسبة للعراقية والاسلامي والمطلك واخرين.. وعليه كان المجلس ناجحاً اذا ما نظر الى عدد المقاعد التي سيحصل عليها او الى ابعاد حملته الانتخابية. لن يبدو الامر تراجعاً الا فيما يخص اعداد المصوتين وهذه حالة عامة وليست خاصة. ولان المجلس الاعلى يعتبر من القوى الكبيرة فيجب ان يلتفت لهذا الجانب اكثر من غيره ويراجع ويدرس نتائج الانتخابات السلبية والايجابية بكل موضوعية واسباب عزوف الناخبين وهبوط معدلات المشاركة سواء بالنسبة لديه او على الصعيد العام.
س: هل يمكن القول ان القوى العلمانية قد تقدمت على القوى الاسلامية.
ج: اوضحت مراراً ان لدي تحفظ على استخدام مصطلحات الاسلامية والعلمانية، فانا اعتقد ان الشعب العراقي مسلم باغلبيته الساحقة والكل مسلمون.. لكن هناك مسلمون بمرجعية الفكرة الاسلامية في حياتهم المدنية بما فيها السياسية ومسلمون اخرون لا يستخدمون مرجعية الفكرة الاسلامية في تلك الحياة، بل يستخدمون اساساً الفكرة القومية او الطبقية.. الخ. هذا وان الكلام عن تراجع الاحزاب الدينية او تقدم المستقلين او غير الاسلاميين يحتاج الى تدقيق. فعدا حالة الاستاذ النجيفي في نينوى والانبار والاستاذ الحبوبي في كربلاء او حالة الاخ محافظ السماوة -الذي جاء للموقع بتأييد المجلس الاعلى لكنه استقل عن ذلك لاحقاً- فانه لم تبرز اتجاهات شاخصة خارج القوى السياسية المنظمة المعروفة.
س: ما تفسيركم لكثرة خصومكم؟
ج: لا اعتقد ان هناك قوة سياسية عراقية لها تحالفات وصداقات اكثر من المجلس الاعلى سواء وطنياً او اقليمياً او عالمياً. فاذا وضعنا الاختلافات السياسية جانباً والتي لا يمكن تبويبها تحت عنوان الخصومة، فاننا لا نجد هذا الموقف الا لدى بعض الفضائيات وبعض الاسماء. وتحليلي لذلك هو ان المجلس الاعلى مبتلى بامرين بالغي الاهمية وهما سمته الشيعية البارزة وايران. فكل من لديه موقف ظني او معاد من الشيعة او من ايران فانه سيتكلم سوءاً او يشن حملة على المجلس الاعلى، او يتهمه بانه اداة ايران في العراق. ان يكون المجلس اداة ايران فهذا امر خارج المعقول خصوصاً انه برزت بين المجلس وايران مواقف مغايرة وفي مقاطع عديدة واساسية. المجلس يدفع ثمن دفاعه عن اهمية الصداقة مع ايران فهي الجار، ثم هي الجار المسلم والذي يشترك معه في المذهب. فالمجلس يدفع ثمن رفضه تبويبات الفكر التي قادت الى الحروب وسوء العلاقة بيننا وبين ايران. اما ان يقبل المجلس تدخل ايران في الشأن الداخلي فهذا امر مرفوض ليس بالنسبة لايران فقط بل بالنسبة لاية دولة اخرى. الخصومة الاخرى تأتي من مخاصمة المجلس الاعلى وهو يقصد مهاجمة الشيعة. فهو يعتبر ان المجلس الاعلى هو الذراع السياسي للشيعة في العراق.. بل ان هذه الحقيقة ستجد لها بعض الصدى في الساحة الشيعية نفسها بسبب المنافسة مما يولد انطباعات كالتي تتكلمون عنها.
س: هل تتوقع تصدع العلاقة مع حزب الدعوة؟
ج: المجلس والدعوة تنظيمان اساسيان في الحالة الشيعية وقد كانا مركزي الحركة في هذه الساحة وسيبقيان ولفترة من الوقت اللاعبان الاساسيان ولحين حدوث تطورات اكثر فاكثر في بناءات القوى السياسية العراقية وتطور التجربة العراقية. والانتخابات بذاتها قد كشفت ان تمايز المواقف والبرامج لا يعني بالضرورة الخسارة او تصدع العلاقة. ففي كل فترة المعارضة اتفق المجلس والدعوة واختلفا لكنهما بقيا في جبهة واحدة عموماً لم تغير ذلك لا البرامج المختلفة ولا حتى التحالفات الجانبية التي كان يقوم بها كل طرف مع اطراف اخرى.
س: هل ستسوء علاقتك بالمالكي بسبب الاختلاف الواضح بينكما خلال الحملة الانتخابية؟
ج: لا ادري لماذا يجب ان تسوء. الاختلاف لا يفسد في الود قضية كما يقولون. لماذا يصح هذا في مواقع ولا يصح هنا. المالكي يبقى صديق واخ وقد اجبت بنفس الكلمات على سؤال مشابه من جريدة الخليج الاماراتية قبل اسبوع من موعد الانتخابات. انه في الدعوة وانا في المجلس وبيننا لقاءات مستمرة. كلانا في الائتلاف العراقي وبيننا لقاءات مستمرة. وهو رئيس وزراء وانا نائب رئيس جمهورية وبيننا لقاءات مستمرة.. ثم اننا نعرف بعضنا منذ ثلاثة عقود وبيننا اخوة وصداقة. الاختلاف السياسي، والعمل السياسي شيء اخر. وكلما كان الاختلاف اوضح كلما كان عنواناً اصح للاخوة والصداقة. لان الاختلاف في امور يعني الاشتراك في امور. فاذا كان الاختلاف واضحاً وصريحاً وصادقاً فان الاشتراك ايضاً سيكون واضحاً وصريحاً وصادقاً.
س: كيف ستؤثر النتائج على توزيع القوى في المناطق الشيعية؟
ج: سيعتمد التوزيع على الاتفاقات التي ستحصل بعد التأكد تماماً من النتائج. موقفنا ابتداءاً هو انه ليس لدينا خطوط حمراء ضد احد ونجد ان الجميع يجب ان يشاركوا. يجب ان يخرج الجميع منتصرين بل يجب اشراك الكفاءات ممن لم يفز
س: كيف ستؤثر النتائج على توازنات القوى على الصعيد العراقي العام وفي الانتخابات القادمة؟
ج: بالتأكيد ستؤثر لذلك قلت يجب ان تدرس النتائج والنظم الانتخابية الجديدة وموقف الجمهور واسباب العزوف الواضح وتبعثر الاصوات وبالتأكيد ايضاً تقييم دور من فاز ومن لم يفز وعوامل هذا الفوز او عدم الفوز الحقيقية او الوقتية وغير ذلك من امور ستؤثر بالتأكيد على التطورات القادمة.
س: ما تأثير هذه الانتخابات على علاقاتكم العربية؟
ج: كلما ترسخت التجربة الديمقراطية في العراق كلما كان هذا مفيداً للمنطقة. الدوائر العربية ستدرس النتائج السياسية والاقتصادية والمستقبلية لهذه الانتخابات. ويجب انتظار النتائج الانتخابية النهائية وكيف ستتشكل الخارطة السياسية المحلية التي قد تؤثر على الخارطة السياسية الوطنية واثار كل ذلك في السياسة العراقية او في تعامل المحيط مع العراق.
https://telegram.me/buratha