كيف تجد مسار بناء مؤسسات الدولة؟ سهير القيسي: نعم، دكتور عادل ربطت في بداية كلامك بين موضوع تحقيق الديمقراطية وبناء المؤسسات، طيب من خلال تجربتك لعدة سنوات فائتة كيف تجد مسار بناء هذه المؤسسات؟د. عادل عبد المهدي: أنا لماذا ربطت بين المؤسسات؟ لأن هناك دول كثيرة فيها انتخابات، والانتخابات إذا ما جرت تحت سلطة انفرادية ومؤسسات حاكمة تؤمن بوحدانية الرأي ولا تعمل بموجب الدستور والقانون، وإنما تعمل بموجب إرادة وقوة المسؤول التنفيذي، حينذاك جزء مهم من الانتخابات يفقد معناه، فالمؤسسات ضرورة لازمة للانتخابات، احترام المؤسسات واحترام الدستور واحترام القانون ضرورة لازمة للانتخابات، وهي التي تعطي للنظام السياسي والنظام الديمقراطي معناه الحقيقي. من هنا أهمية التأكيد على بناء المؤسسات وليس الفردنة أو الشخصنة أو الطابع كما هو معروف لدينا في المنطقة الطابع الشخصي في السياسة.سهير القيسي: هل تجد بأن الفترة اللي فاتت كانت تتميز بذلك بأن هناك شخصنة ولا رغبة حقيقية في بناء المؤسسات؟د. عادل عبد المهدي: لا نحن سعينا لبناء مؤسسات مهمة، ووجود أحزاب ووجود صحافة حرة وجود برلمان وجود وزارة منتخبة وجود رئاسة جمهورية وجود حكومات محلية في المحافظات أو حكومة في الإقليم، كل هذا سعي لبناء المؤسسات. لكن المؤسسات كأي بناء يحتاج إلى وقت ويحتاج إلى مواصلة الجهود ليس التوقف عند أول منعطف أو عند أول صعوبة، التوقف وإدخال العنصر الشخصي أو العنصر الفردي كعنصر حاكم على بقية الأمور القانونية والدستورية والمؤسساتية.سهير القيسي: نعم، هل يمكن أن نعتبر أن تحسن الأمن في هذه المرحلة هو معيار كافي لضمان مشاركة كبيرة للفرد العراقي، مثلاً لضمان انتخابات ناجحة بكل المقاييس؟ يعني المواطن العراقي فقط مسألة الأمن أنه صار الوضع زين أروح أنتخب لو أشياء أخرى يمكن أن تغريه أو يمكن أن تدفعه؟د. عادل عبد المهدي: بالتأكيد العامل الأمني مهم، العامل الأمني مهم لانتخابات ناجحة، لكن يجب عدم نسيان أنه في الانتخابات الماضية لم يكن الأمن بهذه الدرجة من التحسن مع ذلك حصلت انتخابات فيها مشاركة واسعة، إذاً بجانب الجانب الأمني نحتاج إلى عناصر أخرى. العنصر الثاني بجانب الجانب الأمني نحتاج تطور العملية السياسية، لذلك في انتخابات المحافظات السابقة كانت هناك مقاطعة لم يكن السبب أمني كان السبب سياسي، فحصلت مقاطعة من الإخوة السنة العرب أو على الأقل جزء كبير منهم، فكانت الانتخابات في الأنبار أو في نينوى فيها خلل كبير، حتى في بغداد نسبة كبيرة من الناخبين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فهناك جانب سياسي يجب أن يتحقق. الأمر الثالث الذي يجب أن نراه صحيح أن الأمن مسألة أساسية في العراق، لكن كل الاستطلاعات تبين أنه لم يكن الهم الأول في كل محافظات العراق، بل حتى لم يكن الهم الأول في محافظة كبيرة كبغداد كان يشكل 20-30% من الهم جانب الخدمات، الجانب الاقتصادي، جانب المياه جانب الصحة جانب التعليم يحتل مكانة اليوم أصبح أكبر من المسألة الأمنية، ويقيناً في كثير من المحافظات كان منذ البداية هذا الجانب يحتل مسألة أكبر، فبالتالي المشاركة السياسية الواسعة التي تركز على البرامج السياسية هي أيضاً عامل مهم في نجاح الانتخابات.
ما حقيقة وجود صراعات بين مجلس الرئاسة ورئاسة الحكومة؟ سهير القيسي: طيب أتحول هنا إلى موضوع الخلافات أو الصراعات ممكن إحنا نسميها بين مجلس الرئاسة وبين رئاسة الحكومة، وهناك أيضاً تصريحات أخيرة يعني واضح أن هناك خلاف بين إقليم كردستان العراق ورئاسة الحكومة، شلون نفسر هذه الخلافات؟د. عادل عبد المهدي: مرة أخرى أقول المشتركات أكثر بكثير من الاختلافات، لذلك أكدت على أهمية بناء المؤسسات. عندما نتكلم عن مؤسسات نتكلم عن وجهات نظر مختلفة، فأمر طبيعي أن تحصل اجتهادات بين المؤسسات، نحن في العراق اليوم نؤمن بانفصال السلطات من السلطة التشريعية السلطة التنفيذية السلطة القضائية، ثم نؤمن بوجود مؤسسات، تعريف الحكومة اليوم هو تتكون من ركنين مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء، وتعريف الدولة تتكون من حكومة اتحادية وحكومات محلية، كل هذه مدعاة لوجود اجتهادات مختلفة وتدافع في الآراء لحين الوصول إلى رأي موحد، ما نرفضه في كل ذلك ليس الاختلاف والاجتهاد ما نرفضه هو الشخصنة والاستفراد، ومحاولة فرض الرأي خارج القانون وخارج الدستور واستغلال الموقع..سهير القيسي: من يمارس الاستفراد الآن؟د. عادل عبد المهدي: الجميع، لا تزال.. ثقافة الاستفراد في العراق ثقافة قديمة تطورت عبر سنوات كثيرة بسبب الحكم الفردي الذي ساد في العراق، فالضغط الحقيقي الضغط الطبيعي الموجود لدى المؤسسات هو الطابع الفردي، تذهبين مراجعة في الدائرة تجدين الطابع الفردي في القرار وليس.. يعني المواطن عندما يذهب إلى دائرة من الدوائر لإكمال معاملة لا يعامل بشروط المعاملة وبشروط القانون، وإنما يعامل إلى حد كبير بمزاجية معينة بشخصنة معينة، فهناك من يعي هذا الدور ويحاول أن يتخلص منه لمصلحة المؤسسات، وهناك من يريد استثماره لمصالح خاصة ومصالحة تعزيز الموقع الذي هو فيه اليوم، وغداً يغير الرأي بموجب الموقع الآخر الذي يتحرك إليه.سهير القيسي: كنا نتحدث عن موضوع الشخصنة والخلاف بين مجلس الرئاسة ورئاسة الحكومة، يعني الخلاف ذهب إلى من يقول بأن الدكتور عادل عبد المهدي هو يرغب بمنصب رئاسة الوزراء، وأنه عراب طبعاً هذا أكيد تعرفه التصريح.. عراب سحب الثقة عن الرئيس المالكي رئيس الحكومة، كيف تعلق؟د. عادل عبد المهدي: لا هذا غير صحيح، هذا إطلاقاً غير صحيح، وأنا لا أرغب بهذا المنصب. ولعلي أقول للمرة الأولى أولاً أنا لا أزال أؤيد هذه الحكومة، ثم هناك عقبة فنية في مجيئي إلى هذا المنصب. مجيئي إلى هذا المنصب سيقتضي تصويت بثلثي أعضاء مجلس النواب، منصب انتخاب بديل لنائب رئيس الجمهورية سيتطلب ثلثي أعضاء مجلس النواب، والكل يعلم أنه الآن في هذه الظروف متعذر مثل هذا التصويت، فبالتالي هذا كلام للمضاربة وكلام للتخويف بل كلام لتشجيع الصديق.. لتشجيع الصديق على الصديق ولبث خلافات غير معقولة، والإعلام يحب هذه القصص ويروج لها..سهير القيسي: طبعاً هذا تصريح من أحد أعضاء حزب الدعوة العسكري إذا تذكر..د. عادل عبد المهدي: نعم وهذا يعني كل أحد يتحمل المسؤولية هو نحن نعز الإخوة، لكن يتحمل مسؤولية والعمل السياسي فيه أخطاء وفيه نوع من التأليب والاستباق لكسب مودات وكسب عواطف أو إثارة عواطف مبادة..سهير القيسي: لكن كمجلس رئاسة تمتلكون الحق في سحب الثقة عن رئاسة الوزراء صحيح؟د. عادل عبد المهدي: بالتأكيد نعم..سهير القيسي: وهذا الذي دفع الكثيرين ليتكلمون بهذه الطريقة أو يقولون أن هناك مساعي لسحب الثقة عن..د. عادل عبد المهدي: نعم، عندما يضع الدستور نص وعندما يضع النظام الداخلي لمجلس النواب نص لسحب الثقة، فمعنى ذلك أن هذا إحدى صمامات الأمان في البلد لمراقبة الحكومة، إذا شعرنا أن هناك ما يتطلب سحب الثقة سنقوم بذلك، ليس الأمر عرابين ونوع من الاجتماعات السرية البلد مكشوف، والبلد يعيش حالة ديمقراطية، فإذا شعرنا حقيقة ونحن قوى كبيرة نستطيع الذهاب إلى هذا الخيار، لكن لا نعتقد بهذا الخيار الآن لأننا لا زلنا نؤيد هذه الحكومة، فبالتالي هناك حالة من الاستعطاف وحالة من إثارة الملفات الخارجية، بعيداً عن الملفات الحقيقية التي يجب أن تناقش. نعم من حق مجلس الرئاسة يطرح الثقة، من حق مجلس النواب أن يطرح الثقة، من حق رئيس الوزراء أن يستقيل كل هذه صمامات أمان وآليات لعمل الديمقراطية، وتحقيق الرقابة اللازمة على السلطة التنفيذية من قبل السلطة الرقابية التشريعية.
ما هو تقييمكم لعمل الحكومة خلال المرحلة السابقة؟ سهير القيسي: حتى نفهم دكتور عادل هذه الخلافات كونكم في مجلس الرئاسة طبعاً لا بد وأنكم تراقبون عمل الحكومة، تقيمون عمل الحكومة، كيف هو تقييمكم لعمل الحكومة خلال السنين اللي فاتت؟د. عادل عبد المهدي: الحكومة طبعاً ورثت أمور كثير مرهقة لا يمكن تحميلها كل ما يحصل، على ما ورثت أصبحت هناك أيضاً ظروف أمنية وتخريبية كبيرة عانى منها العراق ككل، وهذه خارج إرادة أية حكومة، إذا حيّدنا هذين العاملين يعني عامل الإرث الثقيل والتخريب نجد أن هناك جهود، في الحالة الأمنية تحقق شيء جيد، في الحالة السياسية تحقق شيء جيد، وهذا ليس فقط عمل الحكومة هذا عمل كل قوى الشعب العراقي كل القوى السياسية، أما في عامل الخدمات.. في عامل الخدمات والاقتصاد هناك تقصير شديد ويقيناً تقصير ذاتي، تقصير ذاتي شديد وليس فقط أمر يتعلق بالماضي أو يتعلق بالتخريب، يقيناً في الكهرباء في النفط في الزراعة في المياه كان هناك عامل التخريب، لكن كلما يمر وقت عامل التقصير الذاتي يصبح هو الأكثر بروزاً ويأخذ أولوية، هناك مسؤولية حقيقية تتحملها الحكومة في عامل الاقتصاد وفي عامل الخدمات، وهذا يجب لفت النظر إليه ويجب الكلام عنه بوضوح وصراحة.سهير القيسي: تعتبر أن هناك على الصعيد السياسي إنجازات، يعني مثلاً لو تحدثنا عن المصالحة الوطنية مثلاً أحد الاستحقاقات المهمة والبارزة يعني الحكومة سعت إليها، وكان لها جهود لكن يبدو أن تحقيقها ما زال يتعثر؟د. عادل عبد المهدي: لا لماذا؟ تحقق مناخ سياسي أفضل بكثير من الماضي، الكلام عن السلاح واستخدام السلاح تراجع لمصلحة النقاش والحوار، حتى الحوار الخلافي حتى الحوار التصادمي، لكن الحلول العنفية تراجعت كثيراً لمصلحة الحلول السلمية، اللقاءات اليوم تدور بلغة تختلف عن اللقاءات التي كانت تدور قبل فترة من الوقت، هناك تقدم عام يحصل في العراق، واجب الحكومة واجب القوى السياسية أن تشجع هذا التقدم لا أن تعطله، وهناك ثلاث مسارات أساسية مترابطة، هناك المسار الأمني وبجانبه المسار السياسي وبجانبه المسار الخدمي والاقتصادي، أي تعثر في أي من هذه الجوانب يؤثر على الجوانب الأخرى، يؤثر على الأمن يؤثر على السياسة. اليوم أنجزنا مهام سياسية أنجزنا مهام أمنية، لكن بدون خدمات بدون اقتصاد سيحصل ارتداد، كثرة البطالة، ضنك العيش، المهجرين، المياه، الكهرباء، المشتقات النفطية كل هذه الآن معه انهيار أسعار النفط كل هذه الأمور مرتبطة أيضاً بالجانب السياسي والجانب الأمني، عندما يكون العراق بلد تتطور فيه الموازنة وتتطور فيه الموارد، هذا يساعد كثيراً في الجانب الأمني ويساعد كثيراً في الجانب السياسي والعكس صحيح، إذاً المسارات مترابطة..سهير القيسي: طيب كان هناك حديث أخير للسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق للنيويورك تايمز، يقول ويخشى من موضوع التفرد في اتخاذ القرارات، ويبدو أنه أيضاً يتحدث في إطار الخلاف مع رئاسة الحكومة، أيضاً كان هناك خلاف بينكم وبين الحكومة على موضوع مجالس الإسناد، هل تخشون العسكرة مثلاً إلى جانب التفرد؟د. عادل عبد المهدي: تكلمت أنا في مناسبات عديدة حتى مع العربية، نعم هناك اتجاه للعسكرة، هذا نتج من الهم الأمني وكثرة التجنيد وكثرة العسكرة لمواجهة الهم الأمني وضرورة احتواء كثير من العناصر، لكن لهذا حدود معينة يجب التوقف عنها، ويجب فعلاً العودة إلى المدنية وعدم ترك الأمور تنساب في هذا الاتجاه، بالتأكيد عندما يدخل البلد في مثل هذا المخاض يجب توقع أشياء بالضد، فيجب الحذر منها مبكراً يجب عدم تركها تنمو، هناك نوع من العسكرة، هناك تفرد وتفرد ليس فقط من جانب واحد هناك تفرد من كثير من المؤسسات، يقيناً عندما يكون التفرد في مركز القرار يكون أصعب..
ما هو دوركم في الحد من موضوع العسكرة والتفرد؟ سهير القيسي: طيب، كمجلس رئاسة ما هو دوركم في الحد من موضوع العسكرة موضوع التفرد؟ هل أنتم تعانون حدود الصلاحيات أو وجود حد معين من صلاحيات مجلس الرئاسة، لذلك يكون الحد من هذا الموضوع صعب بالنسبة لكم؟د. عادل عبد المهدي: نعم، ناقشنا الأمر مرات عديدة، ومن الناحية النظرية هناك إجماع. من الناحية النظرية لا أحد يختلف في هذه الموضوعات، لا أحد يختلف أن هناك عسكرة متزايدة، خذي مثلاً ما حصل من اتهام عدد من الضباط واعتقال هؤلاء الضباط أولاً بتهمة انقلاب عسكري، ثم بتهمة اتصال.. في اليوم الثاني بتهمة اتصال بشبكات إرهابية، في اليوم الثالث بتهمة الفساد في اليوم الرابع إطلاق سراحهم، فإذاً المسألة غير جادة. يعني المسألة تقوم على تقارير أمنية لا تمتلك تقاليد عمل صحيحة، لم تمتلك بعد تقاليد عمل صحيحة مع ذلك تحول إلى إجرائيات تنفيذية، فهذا نوع من العسكرة يجب التوقف عنده لأن هذا هو الذي يشجع عقلية المؤامرة والانقلاب العسكري وسطوة العسكري على الحياة المدنية وغير ذلك، رغم كل التضحيات التي قامت بها القوات المسلحة وهذا عمل يجب أن يُمجد ويجب أن يفتخر به، لكن دفع الأمور أكثر من اللازم هو إفساد، كما أن الأم التي تدلل ولدها وتحن عليه أكثر من اللازم قد تفسده، يعني الأمومة عمل صالح وصحيح وجيد في مكانه، لكن عندما تتمادى ما يزيد عن حده يصبح ضده كما يقول المثل، فيجب الوقوف عندها. فإذاً لدينا هناك مخاطر نظرياً لا إشكال، الكل يتكلم عن الفردنة ويحارب الفردنة، الكل يتكلم عن العسكرة. الفاصل بين هذا وذاك هو من يعمل لإيقاف العسكرة ومن يعمل لإيقاف الفردنة، الفردنة يتم إيقافها عبر بناء المؤسسات واحترام الدستور والقوانين، والعسكرة يتم إيقافها بالحفاظ بالدور الأمني والعسكري في مجالاته المحدودة، وعدم استخدام الجيش أو الشرطة أو قوى الأمن والاستخبارات والمخابرات في القضايا السياسية خصوصاً الكيدية، خصوصاً ذلك النوع من التقارير الذي لا يقوم على أسس صحيحة.سهير القيسي: نعم دكتور على ذكر الدستور وربما من الأمور المهمة في هذه السنة 2009 موضوع كركوك وستُسلم ربما اللجنة المختصة بدراسة الوضع في كركوك تقريرها، هل فعلاً ما زال هناك احترام للفقرة 140 بالدستور؟ أم أن حل القضية سيكون خارج هذه الفقرة؟د. عادل عبد المهدي: لا المادة 140 مادة دستورية يجب احترامها، لكن هذا لا يعني أن حل قضية الدستور يكون حل مفروض، حل قضية كركوك يكون حل مفروض.. حل كركوك يجب أن يكون حل توافقي لا مجال إلا للحل التوافقي، أي حل يفرض الرأي على أطراف أخرى مآله الفشل.
https://telegram.me/buratha