جدد بناء مدينة النجف الاشرف العهد مع سماحة السيد الحكيم بالبقاء على نهج المرجعية الدينية وخط شهيد المحراب الذي اختطه بدمه الطاهر . والقى سماحة السيد الحكيم في الحشود الجماهيرية التي تجمعت للقائه
وتجديد البيعة معه القى كلمة حيا فيها ابناء هذه المحافظة على صبرهم وصمودهم وجهادهم ضد الظلم والطغيان على مر الازمان ، وفيما يل نص الكلمة :
بسم اله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسليتن محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.السلام عليك ياأمير المؤمنين، يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده، السلام عليك وعلى أبنائك الأئمة المعصومين الطيبين الطاهرين ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليك مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اصحاب الحسين.
السلام عليكم أيها الأحبة الأعزّاء الكرام، يا أبناء مدينة النجف الاشرف، ويا أبناء محافظة النجف الاشرف السلام عليكم رجالاً ونساءً شيباً وشّباناً، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انها من النعم العظيمة ان اقف اليوم بينكم لاجدد العهد بكم، ولاتحدث معكم حديث القلب الى القلب، مع ابناء هذه المدينة العظيمة التي كان عنوان عظمتها انها احتوت على جسد بطل الاسلام، وسيف الله المسلول، وصي رسول الله "صلى الله علي وآله وسلم"، الامام علي بن أبي طالب "عليه السلام"، وكان من عنوان كرامتها وقدسيتها إنها كانت مهبط الانبياء ومدفن العديد منهم، يا ضجيع أدم ونوح ومهبط الأولياء والصالحين. وكان من عنوان عظمتها انها كانت ولا زالت مقر المرجعية الدينية العليا عبر القرون الماضية، بكل ما اختزنه عنوان المرجعية الدينية من الامتداد والتواصل الطبيعي مع علوم أهل البيت "عليهم السلام" وسيرتهم، وبكل ما اختزنه هذا العنوان من الجهاد الطويل ضد الظلم والطغيان،وماقدّمه هذا العنوان من الشهداء تلو الشهداء في كل العصور.أقف اليوم معكم على صعيد هذه المحافظة الشريفة المقدّسة، لاُعبّر لكم عن كل احترامي وتقديري واعتزازي بكم، وبتاريخ آبائكم وأجدادكم، وهو تاريخ مشرقٌ، يدعو الى الفخر والاعتزاز.
فمن هذه المدينة المقّدسة، انطلقت أول صرخة علنية موضحة لحقيقة النظام البائد وضرورة مقاومته ، أطلقها المرجع الأعلى في حينه الإمام السيد محسن الحكيم "رضوان الله عليه"، في الاجتماع الكبير الحاشد الذي حضره الكثير من العراقيين ومن مناطقهم المختلفة الذي عقد في الصحن الحيدري الشريف وذلك في ليلة وفاة النبي محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" في صفر 1969 ومنها أيضاً انطلقت أول انتفاضة شعبية حسينية ضد النظام عام 1970م، وهي انتفاضة الحرم العلوي الشريف في عاشوراء حين رفض أباءكم واخوانكم وتضييق النظام على الشعائر الحسينية ومحاولة منعها وهي أول مواجهة حقيقية بين الحسينيون والنظام البائد.
وإلى هذه وتلك هناك شريط من الأحداث والوقائع التي خرجت فيها النجف الاشرف منتصرة لكرامتها وعنوان أِبائها الذي لم تتنازل عنه طيلة كل العهود. هذه النجف، ذاقت كما هي مدن جنوب بغداد الويلات تلو الويلات، وتعرّضت للإهمال والإستهتار، والتهميش، والإقصاء، والقتل الجماعي، وتشريد العلماء والمفكرين وملاحقتهم وقتلهم، والتعتيم عليهم، لكنها بقيت مقاومة تستمّدُ عنوان اصرارها واِبائها من أمير المؤمنين "عليه السلام".
والنجف أيها الأخوة والأخوات، ليست مدينة تاريخ مشرق فحسب، بل هي ملتقى حضارات، ففي احضانها وبيئتها أنصهرت حضارات الشرق من العرب وغيرهم، وانتجت نسيجاً ثقافياً واجتماعياً متميزاً، ومن أهم ما تميّزت به، هو القدرة على الإنفتاح والتعايش، التعايش بين الثقافات والأقوام، في إطار الإسلام ، وهذ الإنفتاح والقدرة على التعايش والنسيج الثقافي والإجتماعي الخاص، هو الذي انتج ظاهرة العلماء الشعراء، والشعراء العلماء، وظاهرة الإيمان بالمرجعية الدينية المتسامي على الإنتماء العرقي والقومي، وظاهرة العلماء المهاجرين إلى النجف من غير العراقيين الذين قاتلوا واستشهدوا من أجل العراق ودفاعاً عنه في مختلف الأدوار والعصور.
لقد كانت النجف وإلى العهد القريب كعبة القُصّاد من كل الآفاق، وكانت مهبط العلم والفقه، يقصدها القاصي والداني من أجل التزود بالعلم والمعرفة ومن ثم الإنتشار في اصقاع العالم لنشر علوم أهل البيت، كانت النجف معهداً عالمياً طالما أثار اهتمام الدارسين في العالم، حتى وصل الأمر في بعض الازمنة ان العالِم في البلاد الإسلامية ما كان يعترف له الناس بالفضيلة العلمية ان لم يبرز وثيقة تخرجه من النجف الاشرف.
إننا ننظر إلى النجف من زاويتين ، زاوية كونها مدينة مقدسّة تحظى بالاحترام والتقديس من قبل كل مسلمي العالم، وزاوية أخرى وهي كونها مقر المرجعية الدينية العليا لأتباع أهل البيت في كل العالم وهي بذلك تستحق لقب الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية. ومن خلال كلا الزاويتين لابد ان تحظى النجف الاشرف بالرعاية الخاصة من قبل الحكومة الاتحادية ومن قبل الحكومة المحلية، وَمِن قِبَلِ سُكاّن هذه المدينة وأهلها النجباء بأُسرها العلمية ووجوهها ووجهائها وعشائرها.
أيها الأخوة والأخوات..
نحن مقبلون خلال الأيام القريبة القادمة على حلول شهر صفر المظفر، وللمدينة ذكريات مع هذا الشهر، وهي ذكريات شعيرة السير مشياً على الاقدام الى كربلاء، ولكم مع هذه الشعيرة ذكرى عظيمة وهي انتفاضة صفر الخالدة عام 1977م، تلك الانتفاضة التي مرّغت انف النظام السابق بالوحل واثبتّم من خلال تحديكم واصراركم على أداء الشعائر ان ارادتكم اقوى من القمع والارهاب،وقدمتم من خلالها الشهداء الابرار.من امثال كامل ناجي مالو، وصاحب ابو كلل ، ومحمد سعيد البلاغي، وغازي خوير الاسدي، والسيد وهاب الطالقاني ، والسيد محمد الميالي، وناجح محمد كريم وغيرهم من الشهداء الأبرار وعدد آخر ممن حكم عليهم بالحكم المؤبد في مقدمتهم شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكي"قدس سره" الأخ اسعد الكلل محافظ النجف الاشرف الفعلي.
ان استذكار هذه الاحداث والوقائع والشهداء يزيدنا اصراراً على صحة المنهج الذي اتبعناه، وهو منهج المقاومة ضد الطغيان والفداء للعقيدة مستلهمين من مدرسة الامام الحسين عليه السلام اعظم الدروس والعِبر.إننا أيها الأخوة الكرام نعتقد ان الشعائر الحسينية يجب ان تبقى عنوان كرامتنا وعزّنا، ولذلك نعتقد ان رعايتها والإصرار عليها هو جزءٌ من هويتنا لا يمكن التخلي عنه مطلقاً، لإننا لا ننظر إلى هذه الشعائر مجردة عن بعدها العقائدي والتربوي، بل هي مدرسة نتعلم من خلالها ونعلّم ابناءنا معاني حبّنا لإهل البيت "عليهم السلام"، ونعلّمهم القيم الإسلامية ومعنى المقاومة ضد الطغيان والجور، ومعنى احترام كرامة الانسان، واحترام ارادته وحريته في التعبير.
ولذلك ادعوكم الى الاهتمام بهذه الشعائر ايمّا اهتمام، واني يشهدُ الله عليَّ لأتوقُ ايمّا توقٍ لاكون بينكم ومعكم في مسيراتكم الراجلة الى الامام الحسين عليهم السلام لنحظى بشرف زيارته في يوم الاربعين وفضل زيارته في ذلك اليوم المسنون المعروف، وأسال الله تعالى ان يوفقنا الى ذلك.
أيها الجمهور الكريم..
لقد كنّا معكم في كل المراحل والظروف الصعبة التي مرّت علينا جميعاً في هذه المدينة الشريفة، وقدّمنا معكم التضحيات من اجل خلاص العراق، وها نحن الى اليوم لا نعرف قبور شهداءنا من اُسرة الامام الحكيم "قدس سره" الذين قتلهم النظام السابق بالجملة، مثلما لا يعرف الكثير منكم قبور آبائهم أو ابنائهم إلى اليوم.لقد اختلطت دماؤنا مع دماءكم، واشتركنا معاً في ذات المعاناة، في السجون والمعتقلات، وفي المطاردة والملاحقة، وفي الهجرة وترك البلاد وفي مقاومة النظام، واليوم في العراق الجديد عاهدناكم منذ البداية ان نكون معكم معكم، حين اطلقها شهيد المحراب الخالد مردداً كلمته لكل العراقيين معكم معكم لا مع عدوكم، ونحن اليوم نؤكد ذلك بالشعار والعمل.
فقد عايشتم بانفسكم ولاحظتم كيف استطاعت النجف بادارتها المنتخبة من قبلكم ان تنهض بهذه المدينة المقدسة، وتحقق الانجازات الكبيرة رغم قلة الامكانات الممنوحة للمحافظات ورغم للاوضاع الأمنية السيئة، ونحن نعتقد ان ذلك ما كان يمكن ان يتحقق لولا مساعدتكم واخلاص القائمين على إدارة المحافظة، مع ذلك نعتقد ان ما تحقق لا يمثل إلاّ القليل مما يجب ان يتحقق.
ان طموحنا ان تتحول النجف الاشرف ومدننا المقدسة إلى مصدر مهم للدخل القومي العراقي من خلال السياحة الدينية التي ان تطورت بالشكل المطلوب وحسب المواصفات العالمية فأن مدخولات العراق من هذه السياحة ستكون كبيرة جّداً مما يشكل رديفاً قوياً لايرادات النفط.إننا نطمح إلى توسيع أعمال الإستثمار في المحافظة للنهوض بواقعها الخدمي والسياحي وتحويل المدينة إلى مدينة عالمية تستوعب الزائرين من كل الجنسيات.
كما نطمح إلى تطوير النجف لتعود إلى سابق عهدها مدينة العلم الجامعة وتطوير وتوسيع المدارس الدينية التي تستوعب الاعداد المتزايدة من طلبة العلوم الإسلامية الذين يفدون سنويا إلى المدينة المقدسة.ان وجود المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف لهي من النِعم العظيمة التي منّ الله بها على أهل هذه المدينة بفضل الثاوي فيها أمير المؤمنين "عليه السلام"، ولذلك أدعوكم جميعاً، إلى تقدير هذه النعمة الالهية والمحافظة عليها، كما أدعوكم إلى التزام توجيهاتها واطاعة اوامرها.
أيها المؤمنون الكرام..
إننا مقبلون في الأيام القريبة القادمة على أجراء انتخابات مجالس المحافظات، وهي كما تعلمون انتخابات مهمة، ولابد لي من الإشارة إلى عدة أمور بهذا الصدد:
1ـ ان الاشتراك بالعملية الانتخابية واجب شرعي ووطني، وكما ظهر من بيانات مكتب المرجعية العليا الإمام السيد السيستاني "ادام الله وجوده الشريف"، ولذلك لابد من اقناع الجميع للاشتراك في هذه الانتخابات المهمة.إننا نؤمن بالشراكة الحقيقية في ادارة البلاد سواء في الحكومة الاتحادية أو الحكومات المحلية، وهذه جزء من عقيدتنا السياسية ورؤيتنا لادارة العراق، ومن هذا المنطلق نؤكد مجدداً إننا سنمدّ أيدي التعاون مع كل القوائم الفائزة في كل المحافظات لنشكل معهم فريق عمل واحد متجانس من أجل خدمة المواطنين.
2ـ كما نؤكد على ضرورة انتخاب العناصر الكفوءة والنزيهة والقادرة على تقديم الخدمة للناس، والحذر كل الحذر من الانحياز العاطفي لهذا المرشح أو ذاك، لأن اختيار الإنسان لموقع المسؤولية هو تكليف وليس تشريف، ومن لم يكن أهلاً لتولي المسؤلية لا يمكن ان يقدّم الخدمة المطلوبة، وهي خدمة تتطلب أولاً توفر الإمكانت والخبرة، وثانياً تتطلب توفر الإرادة الحقيقية على تقديم الخدمة للناس.
3ـ كما أدعو كل الكيانات السياسية في هذه المحافظة والمحافظات الأخرى إلى التأكيد على مراقبيها بضرورة الحضور الفعال في مراكز الاقتراع لمراقبة أِجراء كلّ العمليات المتعلقة بالانتخابات لضمان إجراء انتخابات حرة نزيهة وبعيدة عن التزوير.
وفي الختام أحييكم وأشكركم على هذا الحضور الكبير، واُحيي من خلالكم كل العراقيين في كل مكان. وأسأل الله "سبحانه وتعالى" ان يحفظكم ويرعاكم، ويوفقكم لكل خير، كما أسأله "سبحانه وتعالى" ان يحفظ حوزاتنا العلمية ومراجعنا العظام وفي مقدمتهم سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني "دام ظله العالي"، وأن يتغمد شهداءنا الأبرار مراجع الدين والعلماء والمفكرين وعموم المؤمنين برحمته الواسعة، وأن يمّنَ على شعبنا بالخير والأمن والسلام والازدهار.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السيد عبد العزيز الحكيم
https://telegram.me/buratha