بغداد/ اور نيوز
لا أحد من المتابعين، حتى هذه اللحظة، يعلم دوافع وأسباب منح وزير النقل عامر عبد الجبار اجازة اجبارية، فالرجل عاد إلى ممارسة مهامه في الوزارة بعض انقضاء الإجازة الجبرية التي وضع فيها من قبل مجلس الوزراء، بينما مجلس الوزراء لم يوضح الأسباب التي منح الوزير بسببها الإجازة.
وقال مدير إعلام الوزارة عقيل كوثر إن "وزير النقل عامر عبد الجبار عاد، صباح اليوم الخميس، الى ممارسة مهامه في الوزارة بعد انتهاء فترة الإجازة الإجبارية التي وضع فيها مطلع تموز الماضي، بأمر من رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي"، مبينا أن "عبد الجبار حضر إلى مكتبه في الوزارة وعاد لتولي مهامه بشكل رسمي وبكامل صلاحياته".
وكانت الحكومة العراقية وعلى لسان المتحدث باسمها علي الدباغ، أعلنت في السابع من تموز الماضي وضع وزير النقل عامر عبد الجبار في إجازة إجبارية بأمر من رئيس الحكومة نوري المالكي، وتعيين وزير الأمن الوطني الحالي شيروان الوائلي وزيرا للنقل بالوكالة، لافتة إلى أن الوزير المجاز متهم بـ"سوء الإدارة، وهو ما تسبب بمشاكل كثيرة في وزارته"، كما أكد الدباغ حينها أن الوزير عبد الجبار لن يعود إلى منصبه بعد انتهاء الإجازة. لكن مصادر مطلعة قالت أن هناك "صفقات" مالية، وأسباب سياسية أخرى تقف وراء "مؤامرة" تنحيته.
عندما أصدر الرئيس الوزراء نوري المالكي قراره في السابع من تموز الماضي، بـ"منح إجازة إجبارية" لوزير النقل عامر عبد الجبار، وتعيين وزير الأمن الوطني الحالي شيروان الوائلي وزيرا بالوكالة، أثار القرار استغرابا من جانب شريحة واسعة من العراقيين.
فالقرار مثل من الناحية العملية عملية "إقالة" للوزير، إذ أتى في الفترة المتبقية من عمر الحكومة، والتي تستعد فيها لتسليم مهامها لرئيس الحكومة الجديدة.
الحكومة أوضحت وقتئذ، أن القرار "نهائي ولا رجعة فيه". وأنه اتخذ بناءً على "وجود مشكلات كثيرة في الوزارة" على حد قول المتحدث باسمها علي الدباغ الذي أعرب عن أسفه "لعدم إعطاء (الوزير) الشركات المحلية الخاصة في مجال الطيران الفرصة لتطوير إمكاناتها خلال الفترة الماضية".
وبينما يقول القاضي وائل عبد اللطيف عضو البرلمان السابق ان "قضايا فساد مالي واداري كانت السبب الرئيسي وراء تعليق مهمة الوزير"، نفت النائبة عالية نصيف مقرر لجنة النزاهة في البرلمان السابق الامر جملة وتفصيلاً.
لكن عبد اللطيف يقول "قدمت أدلة ضد الوزير لهيئة رئاسة البرلمان السابق، تتعلق بشركة الخطوط الجوية والكثير من المناقصات الخاصة بهذا الشركة التي شابها عدم الوضوح".
هذه الاتهامات التي ساقها عبد اللطيف بالعموم، تنفيها جملة وتفصيلا، النائب عالية نصيف "انا اؤكد بأنه لا توجد ملفات فساد مالي ضد الوزير كما أن (وزير النقل) عبد الجبار لم يواجه بأية أدلة".
نصيف أشارت أيضا إلى أن "الأسباب الخفية وراء قرار عزل الوزير عن منصبه هي مواقفه المعارضة لبعض الاجراءات المتخذة في مجلس الوزراء، خصوصا المتعلقة بتصفية الخطوط الجوية العراقية".
ويقول نائب في قائمة العراقية التابعة لرئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، مطلع على ملف الوزير، أن "السّبب الحقيقي" وراء قرار الإقالة، ليس سوء الإدارة، إنما "موقف الوزير الرافض للإجراء الذي اتخذته حكومة نوري المالكي القاضي بحلّ شركة الخطوط الجوية العراقية، وخصخة قطاع النقل الجوي العراقي".
النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه، لكي لا يدخل في دوامة الصراع مع ما وصفها بـ "مفرمة المالكي" قال ان وزير النقل اثار "حفيظة المالكي وحلفائه الذين يسعون لوضع يدهم على قطاع النقل الجوي عبر تأسيس شركات طيران خاصة مرتبطة بهم، بعد معارضة وزير النقل لهذا التوجه، في ظل تصفية شركة الخطوط الجوية".
الوزير عبد الجبار، الذي مضى على تعيينه في منصبه قرابة العامين وهو نصف عمر الحكومة الحالية، كان قد اعترض على سلوك الحكومة حيال "أزمة الطائرة العراقية". تلك الطائرة التي احتجزتها السلطات البريطانية في مطار جاتويك في لندن اثناء تدشين خط الرحلات الأول بين بغداد ولندن نهاية نيسان الماضي.
وكان احتجاز الطائرة قد جرى بناءا على دعوى قضائية رفعتها الكويت على شركة الخطوط الجوية العراقية، كجزء من التعويض عن أسطولها الجوي الذي دمر ونهب بعد غزو نظام صدام حسين الكويت في آب عام 1990.
حكومة المالكي، لجأت حينها إلى إعلان إفلاس وتصفية الشركة، وقتها ذكر المتحدث باسم وزارة النقل، عقيل كوثر إن "قرار حل الشركة اتخذ بعد إحتساب المبالغ التي يطالب بها الجانب الكويتي كديون مفترضة على الموازنة العامة للشركة، وبذلك تصبح الشركة خاسرة وهو ما يفضي تلقائيا الى إعلان إفلاسها".
وفسرت دائرة المفتش العام للوزارة، الامر بأن الحكومة العراقية لجأت إلى "مناورة قانونية" تتمكن من خلالها من تجنب تقييد حركة الطيران الجوي العراقي إذ إن الشركة لم تعد موجودة، وانشاء شركات طيران خاصة جديدة، في حين تبقى مسألة التعويضات في عهدة المحاكم الدولية. وبحسب دائرة المفتش العام فإن الوزير "تحفظ على قرار حل الشركة الوطنية، ورأى فيه استعجالا، وهو كان مدركا للدوافع الحقيقية لهذا القرار".
وتقول مصادر مطلعة من داخل الوزارة "لقد سبق وأوقف (وزير النقل) شركات طيران غير كفؤة وعقود مكاتب لشركات طيران خاصة، تابعة لجهات سياسية وبرلمانية متنفذة، كان هدفها منذ البداية تصفية الشركة الوطنية".
واوضحت المصادر ان "شركة جوبتير الاماراتية، التي كان وراء السماح لها بالعمل في العراق مسؤول كبير في الحكومة الحالية، كان ولا يزال مقيما في دولة الامارات العربية المتحدة، وشركة اجنحة الشام السورية، وكرفن الكويتية للطيران، وشركتي سكاي لينك عربية وسكاي لينك افيشنز البريطانيتين، على اعتبار ان هذه الشركات لاتمثل ناقل رسمي لبلدانها"، مؤكدا ان "قرار الايقاف بحق تلك الشركات تم اصداره قبل ثلاثة اشهر تقريبا".
وشددت المصادر على "وقوف شخصيات حكومية ذات مصالح مالية وراء قرار المالكي"، وبيّنت أن بعض تلك الشركات عاودت العمل بعد أسبوع من تعليق مهمة الوزير.
وقال أحد العاملين في المطار إن "شركة جوبتير للطيران عاودت العمل باسم جديد هو غلوبل جت، وكذلك شركة اجنحة الشام السورية تعمل هي الاخرى، وسكاي لينك العربية عاودت العمل بشكل مشترك مع شركة الناصر للطيران وهي شركة طيران عراقية خاصة يمتلكها رجال اعمال عراقيون".
وطيلة فترة اجازته، لم يدخل الوزير عبد الجبار في معرض الدفاع عن نفسه في حيثيات القضية من الناحية المالية، مكتفيا بالقول أن "أبعادا سياسية" وقفت وراء حل الشركة.
وقال عبد الجبار "مما يؤسف له أن تكون المواقف (الحكومية) محكومة بالحسابات السياسية دون الالتفات إلى الابعاد الوطنية والمصالح العليا، الامر الذي أصبح سمة لغالبية السياسيين في مجمل مواضيع الساحة العراقية"، غامزا من قناة رئيس الوزراء المالكي.
في المقابل يرى مراقبون أن هناك دوافع "سياسية محضة" تقف وراء إزاحة عبد الجبار عن منصبه، لا علاقة لها بصفقات المال. وزارة النقل كانت قد تعرضت لانتكاسات حادة طيلة السنوات السبع الماضية. وقد عهد بها الى الكتلة الصدرية في حكومة المالكي.
لكن وبعد انسحاب الوزراء الصدريين من الحكومة، خول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الرئيس المالكي اختيار وزراء مستقلين نيابة عن الوزراء المنسحبين، فوقع اختيار المالي على المستقل عامر عبد الجبار كوزير للنقل في التاسع عشر من شهر تموز عام 2008، قبل ان يلتحق الأخير بكتلة ائتلاف دولة القانون ليخوص الانتخابات البرلمانية في 7 آذار مارس الفائت.
ويرى المحلل السياسي، والأستاذ الجامعي في جامعة السليمانية، الناصر دريد أن "المالكي يحاول ترشيق أعضاء كتلته والتخلص من الحمل الزائد وتحديدا الأعضاء المستقلين الذين لم يفلحوا في الانتخابات الماضية".
دريد اوضح أن "عدم وجود كتلة سياسية تدافع عن الوزير جعلته بمثابة كبش فداء، نيابة عن الحكومة المنتهية ولايتها، مثلما كان عليه الحال مع وزير الكهرباء المستقل كريم وحيد، الذي وافق المالكي على استقالته تجنبا للتظاهرات الشعبية والمحاولات المتكررة لإسقاط حكومته بحجب الثقة عنها في البرلمان".
ويرى مراقبون أن الوزارات العراقية في حكومة نوري المالكي المنصرفة تدار المسؤولية فيها عن طريق الحزب الحاكم (الدعوة) وبصورة مباشرة، بالرغم من كل التأكيدات التي يطلقها الوزراء والمسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم المالكي بوضع خطط وبرامج لمحاربة الفساد وتحييده.
يذكر أن قضية تولي الوزارة العراقية بالوكالة من قبل وزراء آخرين، تعد السمة الأبرز خلال فترة الحكومة المنتهية ولايتها، حيث تمت إدارة أكثر من خمس وزارات بالوكالة بعد استقالة وزراء جبهة التوافق، والتيار الصدري خلال عامي 2006 و2007، فضلا عن تولي وزير الدولة لشؤون البرلمان منصب وزير التجارة بالوكالة، بعد استقالة وزيرها عبد الفلاح السوداني في حزيران عام 2009، وتدار اغلب المناصب المهمة في الدولة العراقية بالوكالة حيث تم تعيين أغلب وكلاء الوزارات وقادة الفرق والألوية من قبل رئيس الوزراء من دون الرجوع للبرلمان.
https://telegram.me/buratha