تعتبر قضية تغيير المركز السياسي والإداري في إيران من القضايا المثيرة للجدل والتي طرحت مرارًا عبر الحكومات الإيرانية المتعاقبة، حيث اقترح العديد من الرؤساء سابقًا نقل العاصمة، لكن لم تُتخذ أي خطوة عملية حيال ذلك حتى الآن.
ومن خلال التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونائبه الأول محمد رضا عارف، عاد الحديث مجددًا عن احتمال نقل العاصمة من طهران إلى مدينة مكران التابعة لمحافظة سيستان وبلوشستان الواقعة في جنوب شرق إيران، لتصبح القضية مثار اهتمام واسع في البلاد.
في تصريحات له الأسبوع الماضي، أشار بزشكيان إلى أزمة نقص المياه التي تعاني منها إيران، واصفًا إياها بـ "المشكلة الوطنية"، وأوضح أن السبب الرئيس وراء التفكير في نقل العاصمة هو "عدم التوازن في توزيع موارد المياه والاستهلاك"، معتبرًا أن العاصمة يجب أن تكون "في مدينة تطل على البحر" لمواجهة هذه المشكلة بشكل أكثر فعالية، كما لفت إلى أن مكران، الواقعة في جنوب إيران، يمكن أن تكون خيارًا مناسبًا لهذا الغرض.
لكن في خطوة مفاجئة، تراجع بزشكيان في اليومين التاليين عن تصريحاته السابقة، مؤكدًا أنه "يجب تحديد ما إذا كان تحلية المياه ونقلها هو الحل الأنسب، أم تقارب السكان مع الموارد المائية، أم أن هناك حلولًا أخرى".
ويعكس هذا التراجع عدم الاستقرار في الموقف الرسمي، خاصة بعد الانتقادات التي طالت فكرة نقل العاصمة من قبل الخبراء وبعض وسائل الإعلام.
رفض العديد من المنتقدين لمشروع نقل العاصمة فكرة تنفيذه، معتبرين إياه غير عملي وغير ضروري في الوقت الراهن، مشيرين إلى أن الحكومة تعاني من أزمة مالية خانقة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ما يجعل من الصعب تنفيذ مشروع بهذا الحجم، كما شككوا في جدوى مثل هذا التغيير الكبير وسط التحديات المعيشية التي تواجهها البلاد.
وفي تعليق له على هذا الموضوع، قال محمد جعفر قائم بناه، النائب التنفيذي للرئاسة الإيرانية، إن فكرة نقل العاصمة إلى مكران هي "مجرد فكرة"، مشيرًا إلى أن "توقيت النقل غير واضح على الإطلاق"، وهو ما يعكس حالة من الغموض حول هذا الملف.
وفي ذات الصدد، ذكر محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني، في حديثه عن "النقاش الجدي" حول إعادة تنظيم المركز السياسي للإدارة، أن من بين المواضيع المطروحة هو نقل العاصمة إلى مكران، وأكد أن الظروف الحالية في طهران، بما في ذلك صعوبة تقديم الخدمات للسكان، هي التي دفعت إلى التفكير الجاد في هذا الخيار.
وفي تصريح لافت، قالت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني في مؤتمر صحفي، إن الحكومة قررت نقل العاصمة إلى مكران، مؤكدة أن اختيار هذه المنطقة لم يُحسم بعد، لكن من المؤكد أن العاصمة الجديدة ستكون في جنوب البلاد.
ومكران منطقة ساحلية تمتد على طول بحر عمان في جنوب شرق إيران، وتشمل سواحل محافظة هرمزغان ومحافظة سيستان وبلوشستان، حيث تمتد من مدينة جاسك إلى السواحل الحدودية الإيرانية مع باكستان.
تُعد مدينة تشابهار الواقعة في منطقة مكران هي الميناء البحري الوحيد في إيران، وتتمتع هذه المنطقة بقدرة على الوصول إلى المياه المفتوحة، ما يتيح لها إمكانات كبيرة في مجال التجارة العالمية والصناعات التي تحتاج إلى طاقة ومياه.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع مكران باحتياطيات غنية من النفط والغاز، ما يعزز من قدرتها على خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية، في وقت تعاني فيه العديد من المناطق الإيرانية من بطالة مرتفعة.
رغم الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدمها منطقة مكران، يواجه هذا المشروع تحديات ضخمة، لعل أبرزها هو الكثافة السكانية العالية في طهران، فالعاصمة الإيرانية تحتضن أكثر من 20% من إجمالي سكان البلاد، بينما تمثل منطقة مكران أقل من 1.5% من إجمالي السكان، ما يعني أن نقل العاصمة إلى هذه المنطقة سيستلزم تغييرًا جذريًّا في هيكل السكان والتوزيع السكاني في البلاد.
كما أن نقل العاصمة إلى مكران سيكون له تأثيرات عميقة على الاقتصاد الوطني، خاصة أن طهران تمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي لإيران.
إضافة إلى ذلك، تمثل مشكلة نقص المياه تحديًا كبيرًا لمشروع نقل العاصمة، حيث يعاني الجزء الأكبر من سيستان وبلوشستان من جفاف شديد يهدد القطاعات الزراعية والصناعية في المنطقة، وهذا يجعل من نقل العاصمة إلى مكران، التي تواجه المشكلة نفسها، مسألة معقدة للغاية.
من ناحية أخرى، لا تقتصر المشاكل في طهران على نقص المياه فقط، بل تتنوع بين تزايد حدة الزلازل في المنطقة، والتلوث البيئي، والزحام المروري، والنمو السكاني السريع، وارتفاع أسعار الإسكان.
وبالنظر إلى هذه التحديات، يرى بعضهم أن نقل العاصمة قد يكون حلًا لمشاكل كثيرة، لكنه سيخلق تحديات بيئية واقتصادية جديدة، خاصة في مناطق مثل مكران التي تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستيعاب هذا التحول الكبير.
بالمقابل، أكد محافظ طهران محمد صادق معتمديان أن مسألة نقل العاصمة "التزام قانوني"، مشيرًا إلى أن الدراسات المتعلقة بالموضوع جارية، وأن مجموعة عمل نشطة تعمل على هذا الملف، وقال معتمديان إن الاجتماعات جرت بحضور كبار المسؤولين، بما في ذلك النائب الأول للرئيس، محمد رضا عارف، بهدف اتخاذ قرارات مدروسة بشأن هذا الملف المهم.
وتبقى قضية نقل العاصمة معلقة بين التصريحات الرسمية والانتقادات الشعبية، مع غموض حول مدى جديتها وأوقاتها، في حين يترقب الكثيرون ما ستسفر عنه النقاشات والمداولات الحكومية حول هذا المشروع، تبقى احتمالات التنفيذ مشوبة بالتحديات التي قد يصعب تنفيذها في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تشهدها البلاد.
https://telegram.me/buratha