في سابقة تعد الأولى من نوعها في بلد مثل العراق، كشف وزير الصحة صالح مهدي الحسناوي عن "ان العراق يواجه تحديا خطيرا بعد ان اصبح ممرا للمخدرات القادمة من ايران وافغانستان مرورا بدول الخليج واوربا". ويؤكد الاعتراف الرسمي من خلال وزير الصحة، أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملا آخر يضاف إلى طرق الموت العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم وتنذر بتخلي العراق عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية، ودمارا آخر يزيد من أعباء الحكومة المرتقبة.وقال الحسناوي في دراسة اعدتها وزارة الصحة عن واقع المخدرات في العراق"ان الادمان على المخدرات مشكلة عالمية تستنزف الارواح والاموال وتفتك بالاسر وترابطها وتسبب الحوادث المؤلمة وتؤجج الجريمة"، مشيرا الى "ان العراق اصبح ممرا للمخدرات القادمة من افغانستان وايران باتجاه دول الخليج واوربا، فهو يواجه تحديا خطيرا باستمرار،وعلى الجميع بذل الجهود الحثيثة لمنع انتشار المخدرات،اذ ان وزارة الصحة لن تتمكن بمفردها من حل هذه المشكلة".واوضح انه "تم تشكيل لجنة سميت (الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات) برئاسة وزير الصحة وبالتنسيق مع وزارات الداخلية والعدل والتجارة والتعليم العالي والعمل والشؤون الاجتماعية وبمشاركة ديواني الوقفين الشيعي والسني"، مؤكدا "ان الستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات تركز على اهمية جمع المعلومات عن حجم المشكلة باستمرار وبشكل علمي ونعمل الآن على انشاء مركز للمعلومات في وزارة الصحة ليكون مصدرا للمعلومات الواردة من المؤسسات الصحية ومن الوزارات المعنية لتكون امام انظار الهيئة الوطنية لتتخذ القرارات المناسبة".
واضاف الحسناوي انه "تم وضع قانون مكافحة المخدرات وهو بانتظار مصادقة البرلمان الجديد عليه ليصبح نافذا وسيمثل نقلة نوعية في التعامل مع هذه المشكلة وباسلوب علمي وعصري ونعمل الآن من اجل التوعية بأضرار المخدرات على جميع المستويات ابتداء من المدارس مرورا بالجامعات واماكن العبادة وانتهاء بوسائل الاعلام المختلفة،وان الوزارة ملتزمة بتقديم الخدمات العلاجية والتأهيلية للمدمنين انطلاقا من كونهم مرضى لا مجرمين وان النظر اليهم على انهم مجرمون لن يفيد في حل المشكلة لأنها لا تنحصر بهم فقط وانما تمتد الى المجتمع بأسره".المستشار الوطني للصحة النفسية عماد عبدالرزاق يقول ان"العراق عانى ويلات الحروب ما انعكس على واقع الصحة النفسية للمجتمع وبدأت بالظهور على ارض الواقع من خلال مجموعة من السلوكيات والاضطرابات النفسية منها غير المقبولة اجتماعيا ودينيا واخلاقيا مثل ظاهرة الادمان على العقاقير الطبية والمخدرات خاصة عند فئة الشباب لذا يجب تضافر الجهود من اجل الوقاية والحد من انتشار هذه الظاهرة بين الشباب،والمسؤولية مشتركة بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني"، مبينا انه "تجب مراقبة الحدود والقضاء على المتاجرين والمهربين والمروجين للمخدرات وتثقيف وتوعية المجتمع خاصة الشباب باضرار المخدرات مع توفير الحلول السريعة المسببة كالبطالة وغيرها".
لغة الأرقام في مسح اجرته وزارة الصحة عام 2008 وشمل عشر محافظات تم تسجيل (1462) حالة ادمان، بلغ عدد الذكور منهم (1410) فيما بلغ عدد النساء (52) وقد وزعت الحالات بواقع (61) حالة ادمان تحت عمر 17 سنة و1401 فوق عمر 17 سنة فيما بلغت حالات الرقود 180 حالة فقط". وسجلت محافظة بغداد اعلى نسبة حيث بلغ عدد المدمنين 468 حالة منها 26 حالة من الاناث تلتها ثانيا محافظة البصرة 329 حالة ادمان والنجف ثالثا 249 تلتها المحافظات الباقية". ويعد الادمان الدوائي هو المشكلة الاكبر في العراق،حيث بلغت 74% يليه الادمان الكحولي بواقع 24% والحشيش بواقع 1.4% .لكن مدير برنامج مكافحة المخدرات، د. سيروان كامل، الذي أكد حدوث العديد من حالات الوفاة الناجمة عن تعاطي المخدرات، وأغلبها وقعت في محافظة كربلاء، بعدها تأتي محافظات ميسان وبغداد وبابل وواسط، يقدم إحصائيات وارقاماً اخرى، تشير الى وجود أكثر من 6037 متعاطيا للمخدرات وبنوعيات مختلفة في المحافظات كافة، تأتي في مقدمتها محافظتا بغداد وكربلاء، التي سجلت 679 متعاطيا، وميسان 286، وفي بغداد وصل عدد المدمنين على المخدرات إلى 717، فيما سجلت مدينة كركوك 240، مؤكدا أن مثل هذه الإحصائيات ما زالت غير دقيقة لاعتمادها مقارنة بالدول الأخرى.وعن أسباب تورط العراق مع المافيا العالمية المروجة للمخدرات، قال د. فلاح المحنة، أحد أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق إن ما خلفته الحرب من فوضى وانفلات أمني مريع، هيأ فرصة ذهبيه لتجارة المخدرات الداخلية والخارجية مستفيدة من كثرة العصابات والجماعات المسلحة لتنشط حركة مافيا المخدرات وتجعل العراق محطة ترانزيت نحو دول الخليج ودول إقليمية أخرى، إضافة إلى تكوين سوق حرة داخلية نجم عنها تحويل مشكلة الإدمان من المسكرات والعقاقير المهدئة إلى المخدرات، وهناك دلائل تم الحصول عليها عن طريق استجواب عدد من المتاجرين بالمخدرات بعد إلقاء القبض عليهم في مناطق متفرقة من العراق، وهم من جنسيات مختلفة، تشير إلى تحول طريق الحرير القادم من شرق آسيا والمار عبر العراق، إلى طريق للمتاجرة بالمخدرات والسلاح والآثار العراقية وتهريب النفط المسروق، من قبل عصابات منظمة تخصصت في هذه الأعمال ولها ارتباطات واسعة مع العالم، بما في ذلك حكومات بعض الدول.وأوردت تقارير حديثة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة، أن هناك ممرين رئيسيين نحو العراق، الذي تحول إلى مخزن تصدير تستخدمه مافيا المخدرات، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة، فالعصابات الإيرانية والأفغانية تستخدم الممر الأول عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق وإيران. أما مافيا تهريب المخدرات من منطقة وسط آسيا فتستخدم الممر الثاني الذي يسير عبر إقليم كردستان وصولا إلى أوروبا الشرقية إضافة إلى ذلك هناك الممرات البحرية الواقعة على الخليج العربي الذي يربط دول الخليج مع بعضها.وأضافت التقارير أن العراق لم يعد محطة ترانزيت للمخدرات فحسب، وإنما تحول إلى منطقة توزيع وتهريب، وأصبح معظم تجار المخدرات في شرق آسيا يوجهون بضاعتهم نحو العراق، ومن ثم يتم شحنها إلى الشمال، حيث تركيا والبلقان وأوروبا الشرقية، وإلى الجنوب والغرب، حيث دول الخليج وشمال أفريقيا.وشدد رمضان الجبوري استاذ الارشاد النفسي في كلية التربية على وزارة الداخلية العراقية في ضبط الحدود مع دول الجوار في محاولة للسيطرة على دخول وتعاطي المخدرات وعد فلسفة الدولة والمجتمع والجانب الديني والاسرة والمدرسة من اهم العوامل المساهمة في التصدي لهذه الآفة الخطيرة. وحذّر تقرير لليونيسيف بأن مشكلة الإدمان على المخدرات تتجه لتصبح ظاهرة متعاظمة ومتفاقمة بين أطفال العراق. وبالعلاقة مع تقرير المنظمة، فمنذ العام الماضي، زاد عدد مدمني المخدرات بين الأطفال بحدود 10%.
https://telegram.me/buratha