لم يصدق عبد الله العيساوي عيناه عندما مر بجوار شرطي مرور يقف مكان الإشارة الضوئية التي اختفت من مدن الانبار، ويلوح بصفيحة معدنية ذات ذراع طويلة، مكتوب على جانبيها "قف" و"أسرع"، وسط ازدراء بعض المواطنين والسائقين واتهامهم لتلك الصفائح بالتسبب بالحوادث المرورية.
ويقول العيساوي (45 سنة) وهو من سكنة الرمادي، لـ"السومرية نيوز"، "شاهدت شرطي المرور وهو يحمل صفيحة معدنية كتب عليها باللون الأحمر، قف، وعلى الوجه الأخر كلمة، أسرع، باللون الأخضر، فأشحت ببصري عن الشارع وبقيت مذهولا بالتقنية الجديدة التي أُدخلت إلى مدينتنا".
تقدم ..إلى الوراءويضيف العيساوي "ظللت أركز على تلك الصفيحة ومعاناة شرطي المرور بحملها وفركها بيديه المتعرقة بين تقاطع الطريق، حتى صدمني شخص من الخلف، أفقت من ذهولي وسرحان فكري على إثر اهتزاز السيارة لأتيقن ان الموضوع حقيقة وان العراق الجديد قرر العودة في النظام المروري المعمول به في حقبة الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي".
ويبدي العيساوي خشيته من أن "يدخل زائر أجنبي إلى المدينة ويرى تلك الصفائح فيضحك علينا لأن أفقر بلدان العالم لا تتعامل بها"، داعيا إلى "رمي تلك الصفائح في المزابل لأنها ظاهرة غير حضارية ومعيبة"، وفقا لتعبيره.
وبعد سرد العيساوي لقصته وذهوله مما وصفه بـ"التقنية البدائية"، يخرج عدد من الشبان المراهقين رؤوسهم من نافذة السيارة التي كانوا يستقلونها ويصيحون بوجه شرطي المرور، "أسرع قف قف.. أسرع قف قف.. أسرع قف"، وسط ضحكات استهزاء وازدراء.
من جهته، يقول شرطي المرور احمد الدليمي لـ"السومرية نيوز"، إنه "منذ 20 عاما وأنا اعمل في المرور في عدة مدن عراقية، وكان والدي شرطي مرور معروف في بغداد أيضا، ومنذ تخرجي وأنا أقف بجوار إشارات مرورية حديثة، فمعظم المدن العراقية كانت في السابق تحوي على تلك الإشارات".
الإشارات لا تعمل في الليل وتسبب حوادث للاميينويضيف شرطي المرور "كنا نأمل من العراق الحديث إدخال تقنيات أكثر حداثة على عملنا، لكن الحكومة قررت التقدم إلى الوراء، ووضع صفائح حادة بكفوف أيدينا نلوح بها للسيارات"، مستدركا "لكني اعتبر تلك الصفائح، أفضل المتاح، فالإشارات توقفت وتقاعدت عن الخدمة، منذ الاحتلال".
ويشير الدليمي إلى مشكلة في استخدام تلك الشارات، ويوضح "فعندما يحل الليل لا يرى السائق أيدينا ما يشكل صعوبة بالغة في عملنا ويؤدي إلى حوادث مرورية، لذا هي نافعة في بعض الأحيان ونتجرعها كالذي يتجرع دواء مرا من اجل الشفاء".
من جانبه، يقول المواطن عمار علي من أهالي الفلوجة "منذ بدء العمل بنظام الإشارات المرورية اليدوية في الأنبار، شاهدت بعضها قد انكسر ووضع بجانب الطريق بجوار شرطي المرور بسبب كثرة الاستعمال"، معتبرا أن ذلك "أمرا مخجلا لأنه يعني أن نتراجع لثلاثين أو أربعين عاما إلى الوراء".
بينما يتهم سائق أجرة يدعى أبو محمود (67 سنة) تلك الإشارات بالتسبب بحوادث مرورية للسائقين من أمثاله الذين "لا يجيدون القراءة".
ويقول أبو محمود لـ"السومرية نيوز"، "أنا لا أجيد القراءة وهم يحملون إشارات كتب عليها قف وأسرع، فكيف لي أن افهم متى أقف ومتى امشي، فبالأمس اصطدمت بسيارة حديثة بسبب ذلك وكانت مروءة سائق تلك السيارة كبيرة حيث سامحني، ولو طلب تعويضا مني لبعت سيارتي وما تمكنت من إصلاحها له".
ويعرب السائق عن أمله في أن يترك شرطة المرور "تلك الخردة" كما يصف الصفائح "ويعودوا إلى التلويح بأيديهم والصراخ علينا كما في السابق، في انتظار وصول إشارات مرورية ملونة نفهم عليها أكثر".
الصفائح أفضل البدائل بانتظار الإشارات الحديثةمن جانبه، يعتبر المهندس بهاء العاني من بلدية الانبار أن الزحام الشديد في المحافظة كان "السبب الذي دفع بمرور الانبار إلى استخدام بدائل قديمة لتنظيم السير بعد انقطاع الأمل من الحكومة بالالتفات إلى إعادة إحياء أو إصلاح العلامات المرورية".
ويقول العاني لـ"السومرية نيوز"، "أن العام الماضي شهد ارتفاعا في الحوادث المرورية بالمحافظة بسبب الزحام وانعدام الإشارات المرورية مع قلة عناصر المرور في الشارع، ما دفع بالسلطات المحلية مع مديرية المرور إلى العمل بالممكن من اجل وضع حد للمشكلة"، مؤكدا أن "تلك الإشارات المرورية اليدوية أفضل الحلول لدينا في الوقت الحاضر والإرباك الذي تسببه مسألة وقت فسرعان ما سيعتاد عليها الناس".
ويقول معاون مدير مرور الانبار العميد ليث محمود الراوي لـ"السومرية نيوز"، إن "استخدام تلك الإشارات إجراء وقتي بانتظار وصول إشارات حديثة".
ويضيف الراوي "في الانبار هناك سيارات كثيرة وبعض الإشارات المرورية القديمة دمرتها العمليات العسكرية، والصالح منها لا يعمل بسبب عدم توفر الطاقة الكهربائية الوطنية المطلوبة، وإذا ما أردنا أن ندخل قسم منها إلى الخدمة فإننا سنحتاج إلى مولد كهربائي بجوار كل واحدة وهذا أمر مستحيل وغير منطقي".
ويتابع الراوي بقوله "قبل أيام بعثنا بكتاب رسمي إلى محافظ الانبار نطالبه بإرسال مهندس مختص في مجال الطرق إلى مدينة الموصل للإطلاع على تجربة الإشارات التي تعمل بالطاقة الشمسية التي تصنعها شركة الكندي العامة أملا بشراء قسم كبير منها ونصبه في التقاطعات المرورية والأماكن المزدحمة".
وكانت شركة الكندي العامة في نينوى التابعة لوزارة الصناعة والمعادن العراقية، والتي تأسست في العام 1987 كإحدى تشكيلات التصنيع العسكري السابق، قد توصلت إلى تصميم منظومة للإشارات المرورية تعمل بالطاقة الشمسية، إضافة إلى تصميم محطة ضخ للمياه تعمل بالطاقة الشمسية أيضا.
https://telegram.me/buratha