استذكر العراقيون اليوم الذكرى الحادية والثلاثين لاستشهاد المفكر الاسلامي الكبير آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر «قدس» على ايدي جلاوزة نظام صدام
والتي تزامنت مع الذكرى السابعة للاطاحة برأس النظام وحزبه الفاشستي. واحد وثلاثون عاما مرت على واحدة من ابشع الجرائم التي اقترفها رأس النظام المباد، تمثلت في اعدام احد اهم اعلام الفكر الاسلامي في العصر الحديث، ونموذج فريد في الصلابة والتمسك بالعقيدة والثورة على الظلم والطغيان ورفض اطاعة الطاغوت. وفي اليوم ذاته الذي امتدت فيه ايادي النظام البغيض لتنال من حياة الشهيد السعيد الصدر «قدس» سقط نظام صدام وتحققت نبوءة الشهيد الذي عاد للشارع العراقي مفكراً مضيئاً تسري افكاره واخلاقياته بين تلاميذه ومريديه وطلاب المدارس الفكرية والسياسية، لقد سقط الدكتاتور ونهض الشهداء وافكارهم وعادت صورهم ودروسهم تتجسد في الحياة العراقية.
ولد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر ذا منزلة كبيرة، وقد حمل لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول، وكان عابداً زاهداً عالماً عاملا، ومن علماء الإسلام البارزين.
تعلم الشهيد الصدر الاول القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية من دون أستاذ. بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي المدة نفسها كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية. أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي «قدس». وكان للشهيد الصدر الاول مواقف مشرفة كثيرة ضد النظام الصدامي، ففي عام 1969، وفي إطار عدائها للإسلام، حاولت زمرة البعث توجيه ضربة لمرجعية المرحوم آية العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره) من خلال توجيه تهمة التجسس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم، الذي كان يمثل مفصلا مهماً لتحرك المرجعية ونشاطها، فكان للسيد الشهيد الموقف المشرف في دعم المرجعية الكبرى من جانب، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر، فأخذ ينسق مع المرجع السيد الحكيم (قدس سره) لإقامة اجتماع جماهيري حاشد، ويعبر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية وامتدادها في أوساط الأمة، وقوتها وقدرتها الشعبية وحصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان حاشداً ومهيباً ضمّ كل طبقات المجتمع العراقي وأصنافه.
ولم يقف دعمه عند هذا الحد، بل سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثفة دفاعاً عن المرجعية، اذ قام بإلقاء خطاب استنكر فيه ما يجري على المرجعية في العراق، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي ألصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت. كما تصدى إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث، حتى لو كان الانتماء صورياً، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد، فكان هو المرجع الوحيد الذي أفتى بذلك، وحزب البعث في أوج طغيانه وكان ذلك جزءاً من العلة وأحد الأسباب التي أدت إلى استشهاده.
وبعد مضي عشرة اشهر على فرض نظام صدام الاقامة الجبرية عليه تم اعتقاله في 19 / جمادى الأولى / 1400 هـ الموافق 5 / 4 / 1980 م. وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال الأخير استشهد السيد الصدر بنحو فجيع مع أخته العلوية الطاهرة «بنت الهدى».
وفي مساء يوم 9 / 4 / 1980، وفي زهاء الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً، قطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف، وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم حجة الإسلام السيد محمد صادق الصدر ـ أحد أقربائه ـ وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة النجف، وكان بانتظاره هناك مدير أمن النجف، فقال له: هذه جنازة الصدر وأخته، قد تم إعدامهما، وطلب منه أن يذهب معهم لدفنهما، فأمر مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد السيد محمد صادق الشهيد الصدر (رضوان الله عليه). مضرجاً بدمائه، آثار التعذيب على كل مكان من وجهه، وكذلك كانت الشهيدة بنت الهدى «رحمهما الله». وتم دفنهما في مقبرة وادي السلام، المجاورة لمرقد الإمام علي «عليه السلام» في النجف الأشرف.
https://telegram.me/buratha