لا يزال اللاجئون العراقيون في هولندا تحت تأثير الصدمة بسبب الرسائل التي تلقوها من السلطات الهولندية خلال الأيام الماضية. الرسائل التي بعثت بها مصلحة الهجرة في وزارة العدل كانت بتوقيع سكرتيرة الدولة في الوزارة (نائبة الوزير)نباهت البيرق التي أكدت في الرسالة أن الأوضاع الأمنية في العراق قد تحسنت كثيراً. وحسب البيرق فإن قسماً كبيراً من طالبي اللجوء العراقيين الذين لم تـحسم ملفاتهم، والبالغ عددهم نحو ثلاثة الاف شخص، يمكنهم العودة قريباً إلى بلادهم..بصوت متهدج يقرأ زيد الحلي (27 عاما) رسالة سكرتيرة الدولة، ومنذ شهر آذار الماضي، يتابع زيد دورة لتعلم اللغة الهولندية، وقد قطع شوطاً طيباً في ذلك. وبدعم من منظمة دعم الطلبة اللاجئين (UAF) يدرس زيد الحلي في الجامعة التكنولوجية في مدينة دلفت الهولندية. لكن رسالة السيدة نباهت البيرق شتتت ذهنه الآن وأفقدته القدرة على التركيز. يقول زيد: "حسب الرسالة فإن العراق أصبح بلداً آمناً إلى حد كبير. لكن هذا أمر غير صحيح إطلاقاً. لا يزال الناس يموتون في بغداد بسبب التفجيرات. لا تزال هناك الكثير من الجرائم. الأطفال يتعرضون للاختطاف. لو أنني عدتُ فسوف أموت. لا أفهم لماذا أرسلت مصلحة الهجرة هذه الرسالة.ولا يثق أغلب العراقيين المهجرين باستقرار الاوضاع في البلاد، لاسيما خلال العامين الماضيين، اللذين شهدا تحسنا ملموساً بعد خطط الحكومة في فرض الامن ونزع سلاح الميليشيات، والخطط الامنية التي اجهزت على تنظيمات القاعدة والتنظيمات المسلحة الاخرى.وتشير تقارير دولية وأخرى محلية الى ان العراق اجتاز مرحلة الخطر، وانخفضت نسبة اعمال العنف فيه الى مستويات متدنية، كما عادت الحياة الى طبيعتها في المدن التي كانت توصف بالساخنة.واختفت المظاهر المسلحة بشكل كلي في شوارع ومدن العراق، واستطاعت الاجهزة الامنية فرض سيطرتها في جميع المحافظات، بما في ذلك البصرة التي كانت تشهد سابقا سطوة المجاميع المسلحة والاحزاب التي كانت نافذة في جميع المؤسسات الحكومية، مقابل غياب القانون والمحاسبة.جاء زيد الحلي إلى هولندا طالباً للجوء عام 2008. كان يعمل مع شقيقه صحفياً في شبكة الإعلام العراقي، التي تمولها الحكومة. أواخر عام 2006 تعرض هو وشقيقه لإطلاق نار من داخل إحدى السيارات، لكنهما تمكنا من الفرار. وبعد بضعة أسابيع تلقيا رسالة تهديد: "جاء في رسالة التهديد أن علينا أن نغادر منزلنا بسرعة، وإلا فسنتعرض للقتل. لم تكن خطوة سهلة أن اغادر وطني. كنا نفضل البقاء في العراق. كان علينا أن نعتني بوالدينا وجدتنا. لقد كان قراراً صعباً.. لكن لم يكن أمامنا خيار آخر.بشير الملا (38 عاما) استلم هذا الأسبوع أربع رسائل من السيدة نباهت البيرق. نسخة لكل فرد من العائلة، بما في ذلك ابنته (3 سنوات) وابنه (5 سنوات). فـرّ الملا مع أسرته من بغداد قبل ثلاث سنوات: "في أحد الأيام تعرض منزلي لإطلاق النار. قررت مع أسرتي مغادرة المنزل بأسرع وقت. لاحقاً نصحني الجيران بعدم العودة. فقد كتبوا على جدار منزلي أنني جاسوس للأميركان. بعد ذلك جئت إلى هولندا طالباً للجوء وقد حصلت على تصريح بالإقامة.استطاعت أسرة الملا أن تبدأ بشق طريقها في هولندا. لديهم علاقات جيدة بجيرانهم الهولنديين. ويقوم بشير بمساعدة اللاجئين الجدد في المعاملات الإدارية، بينما يذهب ابنه إلى مدرسة هولندية. كانت رسالة سكرتيرة الدولة نباهت البيرق بالنسبة لبشير الملا صدمة حقيقية، يقول: "إنهم يعرفون بالتأكيد ما يحدث هناك.. خاصة في بغداد. أليس كذلك؟ ألا يرون الصور على الشاشات؟ رسالة السيدة البيرق تذكرني بالعبارات التي كـُتبت على جـدار منزلي. يبـدو أن علي أن أغـادر منزلي في هولنـدا كمـا غـادرت منـزلي في بغداد. هنا لا يهـددونني بالقتـل. لكـن النتيجة نفسها في النهاية.هكذا يفكر أغلب العراقيين المقيمين في دول الخارج، والسبب يعود الى وجود جهات اقليمية تمتلك ادوات اعلامية تحاول نقل صورة مغايرة لما يجري في العراق، خوفا من ان تطولها التغييرات على غرار ما حدث في النظام السياسي العراقي الذي انتقل من مرحلة الدكتاتورية والانفراد بالسلطة الى دولة ديمقراطية أصبح فيها الحكم للشعب الذي يقرر عبر صناديق الاقتراع من سيحكمه ويدير ثرواته ويعيد حقوقه التي فقدها طيلة العقود الماضية.وستقوم مصلحة الهجرة الهولندية خلال الشهور الستة المقبلة بالنظر مجدداً في الحالات الفردية لزيد الحلي وبشير الملا وغيرهما من طالبي اللجوء العراقيين. حينها فقط سيعرف كل طالب لجوء بشكل منفرد ما إذا كان سيبقى في هولندا أم لا؟
https://telegram.me/buratha