مع اقترابها من موعد الانتخابات التشريعية المقررة في السابع من مارس تنفتح الساحة العراقية على توقعات وسجالات، يشكل موضوع الاصطفافات التي ستعقب النتائج الانتخابية محورها الأساس الذي يشغل بال السياسيين والمتابعين على حد سواء.. وكلهم يقرون بأن هذه المعركة ستكون فاصلة بين الفرقاء المتنافسين الذين يحشدون كل امكاناتهم اللوجستية من دون هوادة.
كان للصدفة دور في ملامسة «القبس» لكثير من حيثيات العملية الانتخابية وأوراقها الخفية، اذ دعانا الرئيس جلال طالباني إلى رفقته في السفر إلى محافظة السليمانية لنحل ضيوفا عليه هناك بعد أن وصلنا على متن الطائرة الخاصة التي أقلته مع عدد من مساعديه وعناصر حمايته الخاصة.
وعقب أربعة أيام من انشغاله في لقاءاته الحزبية الخاصة بالاتحاد الوطني الكردستاني بصفته أمينا عاما للحزب، ومباحثاته المكثفة مع المسؤولين الكرد حول اعداد مرشحي القائمة الكردستانية، استقبلنا في مكتبه الكائن في «قلا جولان» على بعد نحو 20 كيلو مترا عن مركز المحافظة. وتبدو سلسلة جبال أزمر قريبة من هذا المكان الذي كان - في زمن النظام السابق - مقرا لاحدى الفرق العسكرية فيما شيده الاتحاد الوطني الكردستاني ليكون مجمعا لاعداد الكادر الحزبي، ومقرا لأمينه العام، بالاضافة إلى كونه يضم الكلية العسكرية، وكلية الشرطة.
دلفنا إلى هذا المكان وبلا مقدمات استقبلنا الرئيس وهو منهمك بالحديث إلى عدد من أعضاء الكادر الحزبي. بعدها قطع حديثه المتواصل معهم باللغة الكردية ليتوجه الينا بالعربية مازحا كعادته مع ضيوفه بمقولة «اذا حضر الطعام بطل الكلام»، داعيا الجميع إلى التوجه معه لتناول الغداء.
عقب الانتهاء اصطحبني معه إلى مكتبه ولم يكن حاضرا بيننا سوى مستشاره الاعلامي المهذب جدا ماكوك شيخ محمد، لنبدأ معه الحوار التالي:
• الانتخابات البرلمانية المقبلة ذات حساسية مختلفة.. كيف ينظر اليها فخامة الرئيس؟ هل تنتهي المحاصصة على سبيل المثال؟
-الانتخابات مهمة ومصيرية وستحدد مصير العملية الديموقراطية ما اذا كانت ستتقدم أم ستتراجع، كما أنها لا تواجه أي عقبة تحول دون تحقيق الارادة الشعبية الحرة باستثناء الارهاب.
هناك قوائم أساسية فاعلة هي (الائتلاف الوطني العراقي، ائتلاف دولة القانون، والقائمة الوطنية العراقية، وقائمة الحزب الاسلامي).
ونتائج الانتخابات كما هو معلوم ستحدد الرئاسات الثلاث، فاذا استطاع الحزب الاسلامي ايصال عدد مناسب من اعضائه للقبة البرلمانية فسيكون الرئيس الحالي للسلطة التشريعية اياد السامرائي أقوى المرشحين لهذا الموقع، كما أن الائتلاف الوطني العراقي اذا فاز فسيكون له مرشحه طبعا، كما أن ائتلاف دولة القانون في حال فوزه سيرشح نوري المالكي لرئاسة الوزراء، أما بشأن انتخاب رئيس الجمهورية فان جميع هذه القوائم الأساسية تقول انها تريد الرئيس الحالي، أي جلال طالباني، لموقع ولكن علينا أن ننتظر النتائج.
كما أن الساحة الانتخابية في كردستان تتألف من الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديموقراطي الكردستاني ومعهما في هذا التحالف الحزب الاشتراكي، وحزب الكادحين، وثمة كيانات أخرى متنافسة من قبيل الجماعة الاسلامية، الحركة الاسلامية في كردستان، والتغيير بقيادة نوشيروان مصطفى، وأنا أتوقع لهذه الكيانات حصولها على 15او 20 مقعدا كحد أعلى، لأن أغلبية المقاعد في إقليم كردستان سيحصدها الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني.
سيكون لنا برلمان وحكومة منسجمان وقويان
والمهم أيضا في هذه الانتخابات انها ستنتج حكومة وحدة وطنية متجانسة وقوية، لان الحكومة الحالية صحيح انها تمثل حكومة وحدة وطنية لكنها غير متجانسة ولذا لا يمكننا ان نلقي اللوم كله على رئيس الوزراء السيد المالكي ازاء الكثير من الامور التي حصلت.كما نأمل ان يكون لنا برلمان قوي ومتجانس لمساندة الحكومة الائتلافية المتجانسة والقوية المقبلة.
توزيع المناصب والمسؤوليات في ظل الحكومة الائتلافية
• ونسأل الرئيس الطالباني عن المحاصصة، يجيب على الفور:
-أنا بصراحة لا أفهم ما المقصود بالمحاصصة، فاذا كان القصد هو توزيع المناصب في اطار حكومة ائتلافية فهذا أمر طبيعي في كل ائتلاف حكومي كما حصل في لبنان مثلا او في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، كما في المانيا ايضا حين تتنافس حتى احزاب اليمين يحصل ذلك، وبالتالي فان هذا الموضوع طبيعي في العراق الذي يملي تنوعه وتركيبته حالة ادارة البلاد بشكل ائتلافي في ظل الديموقراطية ما دام لا يمكن - حاليا - لأي قوة سياسية فرض مرشحيها من خلال الحصول على أغلبية تؤهلها لذلك.
أما اذا كان المقصود بالمحاصصة هو ان يكون هذا المنصب أو ذاك لكردي او عربي او سني او شيعي او ما إلى ذلك فهذا خطر، فان ذلك لم يكن مطروحا في دستورنا على الاطلاق.
فالكتلة الأكبر لها حق ترشيح رئيس الحكومة، كما ان رئاسة الجمهورية من حق السني العربي مثلا ان يتنافس عليها.. وبالتالي فأن التقسيمات على اسس طائفية او قومية غير موجودة عمليا.
المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء
• سيادة الرئيس، هناك حالة ملتبسة ظلت ترافق العملية السياسية بخصوص التداخل في صلاحيات المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء؟
-هذا الالتباس يحل بالتفسير الحقيقي للدستور فهو الذي يحدد الصلاحيات كافة. هناك مادة دستورية تقول «ان السلطة التنفيذية تتألف من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء». وهنا يجب أن نفسر هذا النص بشكل قانوني علمي.
• لماذا لم يتم التفسير اذاً؟
-هناك اختلاف في التفسير لكن في المرحلة المقبلة سيتم حل هذا الالتباس برلمانيا او قضائيا.
• في كثير من القضايا المهمة تلجأون إلى التوافقات رغم انها ليست دستورية؟
-دعني اضرب لك مثلا تشكيل «المجلس السياسي للأمن الوطني» هو غير دستوري وقراراته غير ملزمة دستوريا لكنها ملزمة من الناحية العملية، لأنه حين يجتمع رئيس الجمهورية ونائباه، ورئيس الوزراء ونائباه، ورئيس البرلمان ونائباه إلى جانب رؤساء الكتل ويتخذون قرارا مشتركا فكيف لا يكون ملزما؟ ان لم يكن أكثر من ملزم.
• هل يتفق سيادتكم مع القول في أن الرئاسات الثلاث المقبلة لا تحددها أصابع الناخبين وحدها، بل التوافقات ستلعب دورها الفاعل بين الكتل السياسية الفائزة؟
-بالتأكيد.
• فأين صوت الناخب العراقي في مثل هذه الحال؟
-صوت الناخب ممثل في هذه الكتل التي انتخبها بارادته الحرة.
الانفصال لا يخدم الشعب الكردي
• هل ما زال فخامة الرئيس عند وصفه لانفصال كردستان بأنه أقرب إلى خيال الشعراء منه إلى الواقع؟
-نعم، لأن الانفصالية لا تخدم الشعب الكردي وغير واقعية، أقول لك بصراحة انا ناضلت من أجل حق الشعب الكردي في تحقيق مصيره بنفسه، وهذا الهدف أو الحق يمكن تحقيقه اما من خلال الانفصال، أو من خلال الاتحاد الفدرالي، أو الكونفدرالي أو بالحكم الذاتي، نحن هنا في كردستان أجرينا استفتاء عاما للشعب الكردي فكانت النتيجة أن 95% من الأصوات مع العراق الفدرالي الديموقراطي.
مستقبل العلاقة العراقية - الكويتية
• كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقة العراقية - الكويتية؟هل لديكم رؤية أو خارطة محددة لهذه العلاقة؟
-نعم لدي رؤية وخارطة، أولا أنا من المؤمنين بحق الشعب الكويتي في تقرير مصيره وقد اختار دولته الكويت لذا ينبغي احترام هذا الاختيار، ويكفي أن اقول انه حتى البعثيون الكويتيون كانوا قد وقفوا ضد الغزو الصدامي لبلدهم. ودعني أكن أكثر صراحة: هناك اختلافات في بعض الأمور وهي قائمة في كل الدنيا تقريبا. نحن لدينا اختلافات حدودية مع ايران والأردن والكويت لكن ينبغي حلها من خلال المودة والحوار البناء والأخوي، والمصالح المشتركة.
هناك حالة خاصة بالنسبة للكويت..فمنذ العهد الملكي لدينا من يطمع في ضم الكويت إلى العراق. كان الملك غازي يدعو إلى ضم الكويت في اذاعته التي كانت تبث في قصر الزهور هناك، كما أن نوري السعيد كان يدعو إلى ضمها للاتحاد الهاشمي.و كان الرئيس عبد السلام عارف يقول «اذا لم ترغب الكويت بالانضمام الينا فنحن سننضم اليها»! وما زالت بعض القوى القومية العربية التي لا تعترف بالديموقراطية تعيش هذا التوجه. ولو أن أيا من القوميين، لا سيما البعثيين فتح لك قلبه لوجدت فيه هذا الهاجس ويعتبر ما قام به صدام ضد الكويت عملا تاريخيا.
نحن من جهتنا وجميع القوى المؤمنة بالعملية الديموقراطية نؤمن أن الكويت كويت.
مواقف الضباط والجنود الكرد
• ما الذي تقصده بالقوى المؤمنة بالديموقراطية؟
-بصراحة نحن الكرد وغالبية الشيعة نؤمن ايمانا راسخا باستقلال دولة الكويت وسيادتها، لذا أتمنى على الأخوان المسؤولين في الكويت أن يعززوا هذه القناعة لدى غالبية الشعب العراقي.
أنا اعتبر نفسي صديقا للكويت وقد طلبت من الضباط والجنود الكرد الذين كانوا ضمن الجيش العراقي ابان الغزو الصدامي أن يساعدوا الكويت وأهلها ويمكنك أن تسأل الأخوة الكويتيين عن مواقف الضباط والجنود الكرد آنذاك.
الذي أطلبه من أعزائنا الكويتيين أن يراعوا مشاعر العراقيين، ولا يستفزوهم، ان كل دول العالم أو أكثرها قد أطفأت ديونها على العراق أفليس من حق الأخوّة العراقية - الكويتية أن تكون الكويت هي المبادر إلى مثل هذه الخطوة وهم يعلمون ان الشعب العراقي لاذنب له في العدوان على الكويت لذا انا ارفض تسمية «الغزو العراقي»، لأنه في الواقع «غزو صدامي لم يرغب فيه أغلب العراقيين».
وأتساءل أيضا: أليس من حق العراقيين أن يعتبوا على أخوانهم الكويتيين لعدم استثمارهم التعويضات في الساحة العراقية - على الأقل - والتي ندفعها من ثروة العراقيين الذين لا علاقة لهم بجرائم صدام التي دفع الشعب العراقي قبل غيره ثمنها الباهض من التضحيات؟.
أنا من رواة شعر الجواهري
• سيادة الرئيس، دعنا ننتقل إلى علاقتك بشاعر العرب الأكبر الجواهري. هل أنت معجب بشاعريته أم بسبب العلاقة بينك وبينه؟
-انا أعجبت بشاعرية الجواهري قبيل التعرف اليه وحفظت له مذ كنت في المرحلة الابتدائية فقد القى رثائيته بمناسبة اربعينية جعفر ابو التمن: «طالت ولو قصرت يد الأعمار» عام 1953وقد حفظت بعض ابياتها اثناء القائه لها. ولما دخلت في كلية الحقوق توجهت مع صديق كردي لي يسكن في اربيل الآن كان هو الآخر معجبا به، توجهنا إلى مكتبه في منطقة (الحيدر خانة) بشارع الرشيد عام 1958 والتقيناه هناك معبرين له عن اعجابنا بشاعريته الفذة. ومنذ ذلك التاريخ قد تواصلت العلاقة بيننا حتى بات يعتبرني واحدا من رواة شعره لكثرة ما حفظت له.. وقد ضمن ذلك في قصيدة خصني بها ومنشورة في ديوانه.
مام جلال وحلم التفاحة
«مام» التي تعني باللغة الكردية «عم» ظلت لصيقة في مخاطبة الكثير من اصدقاء الرئيس جلال والشعب الكردي بنحو واسع حيث يقولون «مام جلال».
وكنت قد سألت كرديا عن سبب وصف الطالباني بالعم فقال لأنه كان في المدرسة الابتدائية ذكيا جدا وقد خلع عليه المعلمون هذا الوصف للتحبب، بيد أن الرئيس حين التقيته وذكرت له هذا التعليل قد نفاه بشدة، موضحا بالقول: «كان لوالدي عم عزيز عليه يدعى مام جلال وقد توفي وهو لما يزل شابا، وعقب وفاته بفترة رأى والدي عمه في الحلم وهو يناوله تفاحة، فتوجه إلى شيخ القرية ليفسر له حلمه فقال له الشيخ: سيأتيك ولد، وبالفعل فقد ولدت أنا فأسماني أبي «مام جلال» تيمنا باسم عمه.
https://telegram.me/buratha