حذر وزير المالية باقر جبر الزبيدي من مشاكل مالية تواجه البلاد في حال عدم رفع سقف الانتاج النفطي خلال الأعوام المقبلة، في حين كشف عن ان خسائر الدول العربية من جراء الازمة المالية العالمية بلغت نحو ترليوني دولار، عازياً أسباب الأزمة التي تواجهها دول العالم الى غياب الرقابة المالية.
وأكد الزبيدي ان الوزارة اتخذت تحوطات مناسبة للحيلولة دون تأثر الاقتصاد الوطني بالازمة، داعيا الى اعتماد النظام الاقتصادي الاسلامي كحل وسط بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي.ودعا المواطنين الى ادخار المسكوكات الذهبية والفضية بدلا من الكتل النقدية التي قال انها مهددة بالانهيار.
النفط والأزمة المالية
* هل ستفي الحكومة بالتزاماتها تجاه الموظفين بشأن الرواتب بعد انخفاض أسعار النفط وهل تأثرت موازنة سنة 2009 بهذا الانخفاض؟
ـ أكدت في وقت سابق وأؤكد ثانية أن الحكومة تحترم التزاماتها وتفي بوعودها تجاه المواطنين وأطمئنهم بأننا لا نواجه مشكلة بهذا الشأن في العامين الحالي أو المقبل.. الرواتب لن تتأثر بانخفاض أسعار النفط حتى إذا ما انخفض سعر البرميل إلى أقل من 50 دولارا. اتخذنا احتياطات أثبتت نجاحها بالرغم من الانتقادات الغريبة التي نسمعها بين الحين والآخر من أشخاص أصبحوا الآن يشاطروننا الرأي أن الاقتصاد الوطني بخير.
أنا لست متخوفا على اقتصاد البلاد فلدينا مخزون نفطي هائل، لكنني أتطلع لرفع إنتاجنا النفطي في السنوات المقبلة، نحن الآن نصدر 1,7 مليون برميل يوميا وعلى وزارة النفط أن تعمل جاهدة لإصلاح بناها التحتية ورفع الطاقة الإنتاجية إلى ثلاثة ملايين برميل بالسرعة الممكنة وإلا سنواجه مشكلة كبيرة خلال سنتي 2010 و 2011، كذلك نحن بحاجة للارتقاء بالواقع الصناعي والزراعي بالافادة من التخصيصات الحكومية ومبادرة رئيس الوزراء الزراعية ومخصصات وزارة الموارد المائية.
* ما مدى تأثر الاقتصاد العراقي بالأزمة المالية العالمية وهل اتخذت الوزارة الإجراءات والخطوات الكفيلة بحمايته؟
ـ اعتقد أننا في بدايات الانهيار وليس في نهاياته والمعالجات التي اتخذت بتريليونات الدولارات آنية وليست حقيقية وهي حل لمشكلة السيولة وليس لمشكلة الاقتصاد والنظام الرأسمالي، والصورة المعبرة التي نشرتها أحدى الصحف الأميركية لوزير الخزانة الأميركية وخلفه صورة ستالين بما يمثله من قوة وحزم ودكتاتورية تشير إلى حاجة النظام الرأسمالي لضوابط جديدة ورقابة، الرقابة مفقودة تماما في الدول الرأسمالية وهذا موضوع خطير.. هذه بداية نتائجه ومخاطره كبيرة على مستقبل الاقتصاد العالمي، وأشير هنا إلى كتاب "اقتصادنا" للشهيد محمد باقر الصدر الذي تنبأ فيه بسقوط الاشتراكية ومن بعدها الرأسمالية وطرحه لاعتماد النظام الاقتصادي الإسلامي كحل وسط.
* هل من معالم واضحة للنظرية الاقتصادية الإسلامية غير ما طرحه الشهيد الصدر الذي لا يرى فيه البعض نظرية اقتصادية متكاملة بل نقد وبناء بعض القواعد؟
ـ لا أريد الخوض في هذا الجدال، اعتقد ان النظام الرأسمالي والسوق الحرة بالمطلق يجب أن يتحول إلى نظام منضبط، وهذه دعوات أطلقها كثير من رؤساء الدول وكذلك الرئيس بوش الذي أشار لضرورة معالجة النظام ووضع ضوابط، نحن بحاجة لنظام جديد وضوابط جديدة لمعالجة الخلل الحقيقي. ان الاقتصاد الوهمي ما اسميه بالفقاعات التي حصلت هي نتيجة للنظام ما يؤشر خلله فيه وليس في النتائج، لدينا عدة أزمات منها في بطاقات الائتمان والديون الهائلة وفقدان السيولة وخلل في الائتمانات العقارية والمصرفية والسندات المالية، وانعكاسات ذلك على الاقتصاد الوطني لا تدعو للخوف اذ لم تتجاوز نسبة الانخفاض في سوق الاوراق المالية 4% ذلك لان الأسهم المعروضة في السوق اقل من قيمتها الحقيقية بعكس ما حصل في دول الخليج وغيرها التي تصل فيها قيمة السهم الى أضعاف قيمته الحقيقية. بعض الدول خولت وزراء المالية باعطاء ضمانات للمواطنين على ودائعهم الا اننا لا نفكر بهذا الموضوع فالاحتياطات التي تمتلكها المصارف العراقية اكثر بعشرين ضعفا من ودائع المواطنين، اخطر ازمة واجهت البلاد بشأن حماية اموال المواطنين وودائعهم في المصارف حدثت أثناء سقوط النظام والفوضى التي عمت بعد 2003/4/9 . وبالرغم من ذلك حفظت إيداعات المواطنين ولم تصلها الايدي. بالاضافة الى ان الازمة انعكست ايجابا على المواطن العراقي بانخفاض أسعار المواد الإنشائية كالحديد الذي انخفض الى 400 او 500 دولار للطن بعد ان كان سعره 1600 دولار، وحسبما اعتقد اننا لن نواجه مشكلة على مدى السنتين المقبلتين فالفائض المتوفر لدينا يمكن ان نوظفه في عام 2009 لكنني متخوف على المستقبل.
الاقتصاد الذهبي
* هل تعتقد ان البلاد تجاوزت الازمة لعدم وجود رؤوس أموال ضخمة في المصارف العراقية؟
ـ لم يتأثر العراق بالهلع الذي اصاب رؤوس الاموال في العام الماضي وفي عام 1929 وما نتج عنه من ازمة اقتصادية في ثلاثينيات القرن الماضي والتي من الممكن أن تتكرر، اما حجم المبالغ فلا يغير شيئا من واقع الازمة اذا حصلت سواء كانت وديعة المواطن مائة دولار او مائة مليون دولار.
ما رأيته في واشنطن في زيارتي الأخيرة من هلع كبير وحالات موت مفاجئ بين المواطنين بعد الازمة وذلك نتيجة لعدم تثقيف الشارع على سياسة اقتصادية ناجحة، أنا ادعو المواطن إلى ثقافة المسكوكات الذهبية والفضية بدلا من الاحتفاظ بالكتل النقدية سواء في المصارف او اماكن اخرى وهي ثقافة قديمة ناجحة وآمنة ومعمول بها في اوروبا، وبالرغم من أنني أطمئن المواطن وأضمن له حماية امواله فعلى سبيل المثال ان ما يمتلكه مصرف الرافدين اكثر بتسعة عشر مقدارا من ودائع المواطنين لكنني ادعو ربات البيوت وأصحاب الرواتب المتدنية وذوي الدخل المحدود الى ان يستثمروا ما يتوفر لهم من فائض نقدي وما يتحصلون عليه من مبالغ وفروقات الثلاثة أشهر الاخيرة من العام الحالي التي ستأتيهم مطلع العام المقبل ويلجأوا لشراء سكة الذهب وسكة الفضة بدلا من الاحتفاظ بكتلة نقدية تتأثر بسهولة بمثل هكذا ازمات.
وقد طالبت البنك المركزي بانتاج وتجهيز المسكوكات الذهبية والفضية من فئات 25غم و50غم و100غم وبيعها على المواطن بأسعار تفضيلية لتشجيعه على الادخار وهي سياسة سبق أن عمل بها، وذلك لحماية اقتصاد الدولة والمواطن من التأثر بالانهيارات التي اصابت اليورو والباون وغيرها من العملات.
* تداعيات الأزمة انعكست على العديد من الدول العربية فهل ستؤمن البلاد آثارها؟
ـ خسائر الدول العربية بحدود تريليوني دولار بسبب استثمار أموال صناديقها السيادية وهي بالأساس أموال الشعوب في شراء السندات المالية والمساهمة في البنوك والمؤسسات والصناديق في أميركا وأوروبا، وبالتالي فقدت الصناديق 50% من قيمتها الحقيقية.
المواطن العربي اليوم ينظر لما أصاب الأسواق الكويتية والإماراتية والمصرية من انهيارات في الأسهم والمساهمات المتنوعة ما دفع البعض منهم للانتحار كما سمعت، والانهيار لازال مستمرا في بورصة الخليج وجنوب شرق اسيا والولايات المتحدة وأوروبا ذلك لأن الاقتصاد العالمي أصبح اقتصادا واحدا وما يحدث في دولة أو سوق معينة يؤثر في غيره. العراق لم يتضرر بالمطلق لحد الآن لأننا لم نوظف أموال الشعب في الصناديق والسندات والأسهم بالرغم من الأرباح المغرية ونصائح الخبراء الاقتصاديين بهذا الشأن في اجتماعاتي معهم، ليس لأننا لم نمتلك أموالا لاستثمارها فلدى البنك المركزي بحدود 40 مليار دولار ووزارة المالية لديها من 22 إلى 25 مليار دولار لكننا انتهجنا سياسة حكيمة بالاستثمار بسندات الخزينة التي لم ولن تتضرر، اما الآخرون استثمروا بالسندات الأخرى والأسهم وشراء حصص في المصارف لذا تعرضوا لخسائر مخيفة إذ أصبحت المائة مليار دولار 50 مليارا وهي معرضة للخطر أيضا.
النظام المصرفي
* البعض يرى أن النظام المصرفي في البلاد متخلف، كما أن المصارف الأهلية تودع أموالها لدى البنك المركزي للحصول على الفوائد بدلا من استثمارها ما يحمل الدولة خسائر كبيرة؟
ـ نعم، وهذا ما ذكرته في اجتماعاتي مع صندوق البنك الدولي، نحن ورثنا نظاما" متخلفا من النظام السابق وهو التداول بالدينار حيث لجأ المواطن بعد أن فقد الثقة بالمصارف إلى سحب أمواله ووضعها في الخزنة الخاصة، لكن الوضع اختلف الآن، كما أن المصارف الحكومية رصينة أكثر من اللازم بحيث وصلني مؤخرا كتاب من ديوان الرقابة المالية ينتقدها فيه لأنها لا توظف أموالها في الاستثمار أو دعم القطاع الخاص ومنح السلف وأننا أؤيد ما طرحه الديوان، لكن هذه سياسة البنك المركزي فهو الذي يحدد السياسة المصرفية ويمتلك الاحتياطي النقدي العراقي لدعم العملة والتدخل في حالة حصول أي انهيار أو أزمة معينة والمسؤول عن معالجة التضخم وذلك برفع الفائدة لسحب السيولة من الشارع، وكلما ارتفعت الفائدة توجهت بنوك القطاع الخاص والحكومية للإيداع في البنك المركزي الذي يمنح أموالاً طائلة لمكافحة التضخم والتخفيف عن كاهل المواطن، وبهذه السياسة الناجحة ساهم البنك ووزارة المالية بخفض التضخم من 60% إلى 14% وهو ما أشاد به صندوق النقد الدولي في اجتماعنا الأخير معهم.وألفت هنا إلى أن البنك المركزي مستقل استقلالا تاما عن الحكومة ومجلس إدارته هو الذي يحدد سياسته وسياسة البلاد المصرفية والنقدية.
* أحد المسؤولين في صندوق النقد الدولي أشار إلى مشاورات رسمية لضخ 250 مليار دولار متاحة للصندوق لمساعدة دول في أوروبا الوسطى والدول الفقيرة في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية لدعم اقتصاداتها فهل للعراق نصيب منها؟
ـ هذه الأموال ليست منحا بل ديون تترتب عليها فوائد والعراق ليس بحاجة لديون جديدة، هناك دول عربية وغير عربية على حافة الانهيار واعتقد أن الصندوق يريد إيقاف انهيارها الذي سنشاهده بعد سنة أو اثنتين أو أربع سنوات إذا استمرت الأزمة ولم توضع حلولا لها، حجم الأزمة كبير وإذا لم يتم اصلاح النظام فلن نجد حلا حقيقيا يوقف تداعياتها.
العراق سيتأثر بعاملين أساسيين الأول انخفاض أسعار النفط والمواد الإنشائية والمواد الغذائية، والثاني التغير المفاجئ في أسعار العملات وفي ذلك جانب إيجابي وهو ارتفاع سعر الدولار الذي نتعامل به أمام العملات الأخرى وهذا في صالحنا إذ لدينا سلة عملات، أما الجانب السلبي فهو الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وضعنا ثلاث موازنات معقدة جدا لعام 2009 الواحدة منها تزيد على 300 صفحة لما تتضمنه من أرقام وقوانين وغير ذلك، أعددنا الأولى عندما كان سعر البرميل 147 دولارا وبعد انخفاضه إلى 120 دولارا وضعنا الثانية وبعد الانخفاض الأخير وضعنا موازنة ثالثة، نحن اليوم نبيع نفطنا بأقل من 50 دولارا.
الموازنة الأخيرة التي وضعناها للعام المقبل 80 مليار دولار وقد نضطر إلى اتخاذ إجراءات في الأيام القليلة المقبلة ونخفضها إلى اقل من ذلك بكثير، هذا ما ستحدده أسعار النفط، لدينا اجتماع متفق عليه ضمن الاتفاقية الساندة مع صندوق النقد الدولي أنا ووزير النفط ومحافظ البنك المركزي في عمان خلال الأيام المقبلة، وحتى إن لم يكن متفقاً عليه نحن بحاجة لاجتماع مع خبراء الصندوق لإجراء مباحثات تقنية حول الموازنة العراقية بعد انهيار أسعار النفط إلى الثلث والاطلاع على وجهة نظرهم وبعدها نقرر ماذا سنفعل، لذلك أنا اعتقد أننا سنضطر لترشيد حقيقي في جميع مصارف الدولة وهذا هو الشيء الوحيد الذي ستظهر أضراره على العراق.
هناك توقعات متفائلة بارتفاع سعر البرميل إلى 70 أو 90 دولارا وأخرى تتوقع انخفاضه إلى 45 أو 40 دولارا، والقرار الأخير لمنظمة أوبك غير حكيم فمخازن دول المنظمة ممتلئة بالنفط الخام وما من مشتر بسبب الأزمة المالية فالمواطن الذي كان يزود سيارته بالوقود ثلاث مرات في الشهر اكتفى بواحدة مضطرا وهذا ما لمسته في واشنطن، هناك كساد حقيقي في الصناعة إذ بلغ عدد العاطلين في إحدى الدول بحدود المليونين بعد توقف عدد من المصانع عن العمل ومن كان يعمل ثلاث وجبات أصبح يعمل وجبة واحدة ما يقلل الطلب على النفط
https://telegram.me/buratha