حذر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني من "عودة الديكتاتورية" إلى العراق، واصفا حديث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن إعادة كتابة الدستور لتعزيز صلاحيات الحكومة الاتحادية بأنه "محاولة لحصر السلطة في شخص واحد وحزب واحد".
وأنذر البارزاني، في حديث إلى برنامج "ساعة حرة" عبر قناة "الحرة" في أربيل، بمحاكمة الأكراد الذين يلتحقون بمجالس الإسناد التي تشكلها الحكومة "بتهمة الخيانة الوطنية" والعرب بتهمة التعامل معهم "كقوة معادية". واتهم الحكومة بتهميش الأكراد و"عدم استشارتهم في شيء"، رافضاً أي تعديل للدستور "يمس حقوق الشعب الكردي"، داعياً إلى التزام مبدأ التوافق والشراكة في السلطة الذي أقر عقب إسقاط النظام السابق.
التعديلات الدستورية
وفي شأن التعديلات التي طرحها المالكي قال: "لن نوافق على أي تعديلات تمس الحقوق الديموقراطية للشعب الكردي وشعب العراق أيضاً. كل المصائب التي حلت بنا كعراقيين كانت نتيجة الحكومات الديكتاتورية التي تعاقبت على الحكم في بغداد. فكيف يمكن أن نفكر الآن بالعودة إلى الديكتاتورية أو إلى ما يشبه الديكتاتورية؟ توسيع صلاحيات المركز واسترداد الصلاحيات من الأقاليم يعني نشوء ديكتاتورية بصيغة أخرى وتسميات أخرى. لذلك فإن الدستور هو الذي يحدد صلاحيات المركز والأقاليم ويجب الالتزام بالدستور وتطبيقه. أي تعديل يجب أن يمر عبر البرلمان وآلية التعديل واضحة في الدستور. ما معنى تركيز كل الصلاحيات في يد السلطة الاتحادية؟ طبعاً هذه ديكتاتورية".
وعن تحميل الجانب الكردي مسؤولية إفشال تعديلات دستورية قال: "كل الآخرين يحملون الجانب الكردي فشلهم في كل المسائل الأخرى (...) كل من يريد أن يثبت وطنيته رغم الجرائم التي ارتكبها سابقا يقف موقفا معاديا للأكراد. في الواقع الأكراد هم من حموا العراق، وهم الذين يلتزمون الدستور ووحدة العراق وسيبقون كذلك. لكن سنبقى ضد الديكتاتورية إلى الأبد".
وعن وصف المالكي للمكاسب التي حققتها قوى سياسية بعد إسقاط النظام السابق بأنها "حقوق مفروضة" قال البارزاني: "الوضع العراقي الحالي هو وضع توافقي. كل هذه القيادات التي تحكم هي نتيجة حل توافقي بين القوى السياسية المناضلة. وأنا مع احترامي لرئيس الوزراء، الذي هو أخ وصديق وحليف، هذه حقوق مشروعة وليست مفروضة، وقد تحققت بالدماء والنضال ومن ضمنها دماء أعضاء حزبه. السيد رئيس الوزراء هو من المساهمين والمشاركين في صياغة الدستور الذي هو أفضل ما نملكه كعراقيين، وأي تراجع عن الدستور يعني العودة إلى الديكتاتورية. هكذا نفسر الأمر. العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين واتحادنا هو اتحاد اختياري مع ضمان حقوق القوميات والأقليات الأخرى التي تعيش في العراق. لا يمكن أن ينجح أي اتحاد مفروض ولا أي تقسيم مفروض. إذا هم يقيسون إقليم كردستان كأي محافظة ستبرز المشاكل. للإقليم خصوصية وهذا ما وعدونا به أثناء صياغة الدستور ولكن الآن هناك تراجع من بعض الحلفاء الذين أقسموا على الولاء على الدستور".
مصير التحالف الكردي - الشيعي
وهل يعني ذلك أن التحالف الكردي - الشيعي مهدد بالتفكك؟ أجاب: "التحالف يعاني من أزمة حقيقية، ولذلك اتفقنا أثناء زيارتي الأخيرة لبغداد على تشكيل خمس لجان للتوصل إلى الحلول الناجحة والمقبولة لمصلحة العراق أولاً وكل الأحزاب والقوى السياسية. اللجان تشمل إدارة الشراكة مع الحكومة، الجيش والأمن، الاقتصاد، المناطق المتنازع عليها، والسياسة الخارجية".
"شخص ينفرد بالقرار"
ووصف خطاب المالكي عن إعادة كتابة الدستور بأنه "غير موفق ويقلقنا جداً. إنه دعوة صريحة إلى العودة إلى حصر الصلاحيات في يد شخص واحد. وهذا غير مقبول على الإطلاق. شخص واحد وحزب واحد وهذا غير مقبول على الإطلاق". وهل يسمح الوضع السياسي الحالي بمثل هذه الأمر؟ قال: "ما يجري الآن هو هذا: شخص واحد ينفرد باتخاذ القرار ولا يعير اهتماماً لأي مؤسسة أخرى ولا لأي جهة أخرى".
وهل المشكلة أزمة ثقة مع شخص المالكي؟ أجاب: "شخصياً أعتبر الأخ نوري المالكي حليفاً وصديقاً وليست لديّ أي مشكلة شخصية معه. المشكلة مع التوجه الموجود لدى البعض الحقيقة. هناك خلاف على تفسير مواد الدستور وفهم السلطة وممارستها والشراكة فيها. رئيس الوزراء الآن هو نتيجة حالة توافقية. رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، رئاسة البرلمان، هي كلها نتيجة توافق سياسي بين القوى العراقية، لذا على الجميع أن يلتزموا بالدستور والمعاهدات والاتفاقات الموقعة بين هذه الأطراف. لا يجوز لرئيس الوزراء ولا أي مسؤول آخر أن ينفرد بالقرار. هذا لا يعني أننا نريد أن نقيّد رئيس الوزراء أو أي مسؤول آخر، لكن هناك مسائل أساسية يجب أن تمر وفق الدستور وعبر البرلمان ويجب أن يكون هناك تشاور. الوضع غير مستقر حتى الآن. العراق في حاجة إلى فترة توافقية لفترة مقبلة أيضاً، لكن هناك تجاوز على بعض الاتفاقات وعلى الدستور أحياناً".
وعما إذا كان الأكراد مستعدين لتقديم تنازلات في إطار تعزيز الشراكة قال: "بعد سقوط النظام ذهبت وفخامة الرئيس جلال الطالباني إلى بغداد وأثبتنا عملياً أننا مع وحدة العراق، وساهمنا فيها مع الإخوة الآخرين لأنّ وضعنا كان مناسباً أكثر. ساهمنا في صياغة الدستور وفي العملية السياسية والانتخابات. وافقنا على كل المسائل التي تخص كل الشعب العراقي. مثلاً النفط، وافقنا على أن يكون النفط ملكاً لكل الشعب العراقي ونحن نعني ماذا نقول. وافقنا على أن تنضمّ قوات البشمركة إلى الجيش. نحن من مؤسسي الدولة العراقية الحديثة، فما الذي يريدوننا أن نتنازل عنه. نحن كنا شبه دولة مستقلة وقررنا العودة إلى العراق بمحض إرادتنا وعبر برلماننا شرط أن يكون اتحادياً ديموقراطياً. بالعكس، نحن تنازلنا عن كثير من حقوقنا. ربما لم يوفّق الجانب الكردي في عرض مظلوميته. الجانب الكردي مظلوم. كان مظلوماً ولا يزال مظلوماً، وإلا ما معنى هذه الهجمة الشرسة على الأكراد؟ هل هذا هو العراق الجديد؟ مشروعنا مشروع عراقي. نحن ملتزمون حماية البصرة كالتزامنا حماية أربيل، وملتزمون حماية الأنبار كما السليمانية (...)".
"استهداف الأكراد"
وأضاف: "عندما كان هناك صراع دموي طائفي لم نكن طرفاً في هذا الصراع. بالعكس حاولنا أن نكون على مسافة واحدة من الطرفين وبذلنا جهوداً كبيرة لإنهاء هذا الصراع. وأعتقد أنه كان لدورنا تأثير كبير في وقفه، على رغم أنني لست مطمئناً أنه انتهى. لكن هل يجب أن يبقى العراق يعيش في صراع طائفي أو قومي أو مذهبي؟ إلى متى؟ ولماذا؟ هناك مع الأسف الشديد من يفكر، وحسب معلوماتنا، أن الحكومة كونها ضربت قسماً من الشيعة وقسماً من السنّة يجب أن تضرب قسماً من الأكراد حتى تكون هناك عدالة وتوازن في ممارسة السلطة! هذا كلام غير معقول. ما حصل في خانقين كان لهذا الهدف. لأنّ الشيعة ضربوا في البصرة والسنّة ضربوا في بغداد يجب أن يُضرب الأكراد في موقع فاختاروا خانقين. الأكراد شركاء في الحكم ولم يقوموا بأي عمل إرهابي أو تجاوز على القانون. لماذا يُضرَب الأكراد؟".
ورداً على اتهامات للأكراد بمحاولة فرض أمر واقع في المناطق المتنازع عليها قال: "لسنا في حاجة إلى فرض أمر واقع. الأمر الواقع أن هذه مناطق أكثريتها كردية. ثم هناك حل دستوري وفق المادة 140 وبموجبها أبناء هذه المناطق هم من يقرر. لماذا لم ينفذوا المادة 140 حتى تنتهي من كل هذه المشاكل؟ نحن أيضاً لا نوافق على التغيير الديموغرافي في تلك المناطق بالقوة العسكرية. الهدف مما حصل في خانقين هو تغيير التوازن والواقع القومي وهي الإجراءات نفسها التي قام بها النظام السابق. الأهداف نفسها والأساليب نفسها".
مجالس الإسناد
وعن مجالس الإسناد التي تشكلها الحكومة لدعمها في مناطق كالنجف والديوانية قال البارزاني: "مجالس الإسناد في النجف والديوانية ليست مقبولة من أبناء المنطقة. هذه المجالس هي لمصلحة جهة واحدة وتُستغل أموال الدولة وسلطتها لتشكيل هذه المجالس لأهداف انتخابية. هذا أمر واضح جداً. في كركوك والموصل طبعاً هي لإثارة الفتنة. وهذا لا يمكن أن نقبل به. مجالس الإسناد هي لزرع بذور طائفية وقومية وهذا سيدمر البلاد".
وعن وجود عشائر كردية فيها قال: "وجود عشائر كردية يعني إعادة المرتزقة، وكنا نسمّيهم الجحوش. إحياء هذه الفكرة بالنسبة إلينا يعتبر خيانة وطنية. في الانتفاضة عفونا عن هؤلاء بشرط أن لا يعودوا إلى مثل هذه الخيانة. مجالس الإسناد هي إحياء لفكرة الارتزاق التي كانت قائمة سابقاً، إذن سنفتح كل الملفات القديمة أيضاً. سيحاكمون بتهمة الخيانة. لا يمكن أن نقبل للعشائر الكردية أن تنضم إلى هذه المجالس لأن ذلك يعتبر خيانة وطنية".
وكيف ستتعاملون مع المجالس ميدانياً حين تبدأ عملها؟ قال: "سنتعامل معها على أنها ضد مصلحة الوطن وبالنسبة إلى الأكراد سنعتبرهم خونة وسنعاملهم كخونة وبالنسبة إلى العرب سنعتبرهم قوة معادية".
وهل يمكن أن تحدث مواجهة؟ أجاب: "طبعاً ستكون مواجهة. بكل صراحة ستكون مواجهة".
وتساءل: "لماذا الاهتمام بمجالس الإسناد وإهمال مجالس الصحوة في الأنبار وغيرها؟ مجالس الصحوة قامت بدور جيد في منطقة الأنبار بدرجة أساسية وفي بعض ضواحي بغداد. طهّروا مناطقهم من الإرهابيين وقاموا بعمل كبير ومشرّف ويجب أن يقدّروا على ما قاموا به. لكن مجالس الإسناد في الحقيقة لا أفهمها! إذا كانت لدعم الحكومة فالحكومة لديها جيش وشرطة... أنا أحترم العشائر لكن هذه المجالس هي أيضاً لشقّ صفوف العشائر".
واتهم المالكي بالانفراد في قرار تشكيل مجالس الإسناد من دون استشارة حلفائه: "تشكيل مجالس الإسناد من جملة القرارات التي انفرد بها رئيس الوزراء. "المجلس الأعلى" ضدّ هذه المجالس. (جبهة) "التوافق" ضدّ. التيار الصدري ضدّ. (حزب) "الفضيلة" ضدّ. (القائمة) "العراقية" ضدّ. "التحالف الكردستاني" ضد... طبعاً نحن حلفاء، لماذا لا يستشير التحالف الكردستاني والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي؟ إذا كانت هناك فعلاً حاجة إلى دعم جهود الحكومة لماذا لا تكون بالتنسيق مع حلفائه؟ لماذا ينفرد بالقرار؟ لماذا يثير هذه الشكوك؟ (...) فلتكن هذه المسائل بالتشاور. لا نقبل أن ينفرد بالقرار، هو صحيح رئيس وزراء العراق لكنه ليس الحاكم المطلق للعراق".
وعن الديموقراطية والحرية داخل إقليم كردستان قال: "أعتقد أن المواطن الكردي يتمتع بكل حريته. ندعو أي منظمة عربية أو أجنبية أو عراقية، حكومية أم غير حكومية، أن تزور كردستان وتتقصى الحقائق وتتأكد بنفسها".
القواعد الأميركية في كردستان العراق
وفي شأن تصريحاته في واشنطن عن القبول بإقامة قواعد عسكرية في كردستان العراق قال إنها "اجتزئت من سياقها"، وأوضح: "السؤال كان: هل توافقون على إقامة قواعد عسكرية أميركية في كردستان؟ قلت "نعم، ولكن سوف يُطرح الموضوع على برلمان كردستان وأعتقد أنه سيوافق ويرحب به وكذلك الشعب الكردي". لكن في حقيقة الأمر القواعد عندما تقام في كردستان ستكون ضمن اتفاق مع الحكومة الفيدرالية في كل العراق. حتى أميركا غير مستعدة لتقيم قواعد في جزء من العراق وليس في جزء آخر إن لم يكن هناك اتفاق. إنها مجرد إثارة شكوك وتشهير".
وعن الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة الذي أقرته الحكومة وتحفظات بعض القوى حياله وعدم إبداء موقفها قال: "لولا الولايات المتحدة والجيش الأميركي لما كان الإخوة الموجودون في بغداد فيها الآن ولا كنا نحن هنا (أربيل). الاتفاق مع دولة أسقطت نظاماً ديكتاتورياً طبيعي جداً وأي بديل سيكون هو الأسوأ. ليس الموضوع أن المؤيد للاتفاق هو مع أميركا ومن يعارض هو وطني. الجميع في قرارة أنفسهم يؤيدون الاتفاق ولكن هناك إرهاب فكري. يخشون أن يبدوا آراءهم حتى لا يٌُتَّهموا بالولاء لأميركا. وليس في هذا شعور بالمسؤولية. يجب أن تكون هناك جرأة. عندما تعارض يجب أن توضح لشعب لماذا تعارض وعندما تؤيد لماذا تؤيد. حسب ما سمعنا من وزير الدفاع ووزير الداخلية أن قوات الدفاع والجيش غير قادرة على تولّي الأمن في العراق نهاية 2011. وزير المالية أعطى صورة مخيفة جداً بأن العراق عليه دعاوى بتريليون دولار. طبعاً إذا لم يكن هناك اتفاق لن يكون هناك غطاء سياسي ولا عسكري ولا حماية للأموال العراقية. أنا في تصوري من مصلحة العراق أن يوقع الاتفاق".
وعن الموقف الإيراني من الاتفاق قال: "الإيرانيون ضدّ. يتصورون أن الوجود الأميركي هو ضدّهم ويشكل تهديداً لهم. من حق الدول المجاورة وتحديداً إيران أن تطالب العراق بأن لا يكون الاتفاق على حساب إيران أو تهديداً لها. هذا حق لها. لكن أكثر من ذلك لا يحق لإيران أو لأي دولة أخرى أن تتدخل. القرار يجب أن يكون قراراً عراقياً".
https://telegram.me/buratha