كان يوم الاحد الموافق 30 كانون الثاني 2005 منعطفا تاريخيا في حياة العراقيين اذ توجه العراقيون باندفاع كبير نحو صناديق الاقتراع للادلاء باصواتهم في اول انتخابات تشريعية في البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لاختيار ممثليهم الشرعيين في الجمعية الوطنية والحكومة الانتقالية.لقد مر العراق بعد سقوط النظام السابق في 9 نيسان 2003 بمرحلة مخاض عسيرة تسلمت الادارة المدنية لسلطة الائتلاف ومجلس الحكم ادارة البلاد لمحاولة وقف التدهور الذي عم جميع مرافق البلاد وتفشي ظاهرة نهب المال العام وتراجع الاقتصاد اثر افراغه من جميع مكوناته, معامل, اليات ,اجهزة, طائرات وحتى قضبان السكك الحديدية كانت تسرق بشكل منظم وتهرب الى دول الجوار من دون رقيب فضلا عن انفتاح الحدود لعبور مافيات القتل والفتن في ظل آليات مرنة للتعامل مع خروقات القانون المستشرية.لقد سلمت سلطة الائتلاف ومجلس الحكم المؤلف من 25 شخصية عراقية مهام عملهما لحكومة انتقالية مؤقتة رأسها اياد علاوي في 28 نيسان 2004 وعين الشيخ غازي عجيل الياور رئيسا للجمهورية والدكتور فؤاد معصوم رئيسا للجمعية الوطنية الانتقالية باعتبارها الجهة التشريعية التي ستهيئ لتأسيس حكومة ومجلس برلماني عبر انتخابات ديمقراطية.وسعت الحكومة المؤقتة لتوفير جميع سبل انجاح الانتخابات في وقتها المحدد على وفق قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي يقضي باجراء انتخابات في 30 كانون الثاني من عام 2005 لانتخاب ممثلين عن الشعب لكتابة دستور دائم للبلاد يتم الاستفتاء عليه منتصف تشرين الاول من العام نفسه ثم تجري انتخابات جديدة نهاية كانون الاول من العام نفسه. وشهدت الانتخابات الاولى تخلف الكتل السياسية التي تمثل العرب السنة، فيما شاركت المكونات الاخرى من العرب الشيعة والكرد والتركمان والكلدو اشوريين اضافة الى الاحزاب الليبرالية وشخصيات وطنية بضمنها شخصيات سنية مستقلة واخرى مرتبطة باحزابها وهيئاتها السياسية.وخلال عملية ديمقراطية قادتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبمراقبة من منظمات دولية محايدة جرت عملية الانتخابات في عموم العراق بنسب مشاركة جيدة اثمرت عن حصول قائمة الائتلاف العراقي الموحد برئاسة السيد عبد العزيز الحكيم على 131 مقعدا و قائمة التحالف الكردستاني بزعامة السيد مسعود البارزاني بـ 70 مقعدا فيما حصلت القائمة العراقية برئاسة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي على 38 مقعدا تلتها قائمة عراقيون التي حصلت على خمسة مقاعد وهي بزعامة رئيس الجمهورية السابق الشيخ غازي الياور وحصلت جبهة تركمان العراق على ثلاثة مقاعد وحصلت كل من قائمة النخب المستقلة واتحاد الشعب على مقعدين لكل منهما فيما توزعت باقي المقاعد بين كتل وشخصيات اخرى.وبعد مدة ليست بالقصيرة جرت خلالها مشاورات ومداولات بين شتى الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات والكتل التي لم يحالفها الحظ بالحصول على تمثيل برلماني اجتمعت الجمعية الوطنية وانتخبت الدكتور حاجم الحسني رئيسا لها فيما تمت الموافقة على ان يكون السيد جلال الطالباني رئيسا للجمهورية وعلى تشكيل الحكومة برئاسة الدكتور ابراهيم الجعفري شرط ان تمثل جميع الاطياف العراقية برغم عدم مشاركتها في الانتخابات.لم يخل يوم الانتخابات من المشهد اليومي المألوف في ذلك الوقت، فقد دفع العراق نحو 90 ضحية من ابنائه بين شهيد وجريح، عندما نفس اعداء الديمقراطية عن غيظهم وحقدهم في الاعتراض على ارادة الشعب، عن طريق استهداف الناس الابرياء بشكل عشوائي بعملياتهم الارهابية التي كان حصيلتها 36 شهيدا عراقياً وجرح نحو خمسين آخرين في احد المراكز الانتخابية في بغداد فيما احتضن احد افراد حماية المراكز الانتخابية واسمه عبد الامير محمد كاظم احد الارهابيين المفخخين ليمنعه من ارتكاب مذبحة جماعية في منطقة الشهداء في بغداد، ولم يتركه حتى فجر الارهابي نفسه ليستشهد ويمنعه من الحاق الاذى بالمواطنين.وفي ذلك اليوم بادر المواطن عادل ناصر عليخ البهادلي بسحب احد المشبوهين الذي دخل في غفلة من الزمن الى المركز الانتخابي في مدرسة الشهباء في بغداد وتفجر معه ومنع كارثة اخرى كادت تتسبب باضرار في عدد من المواطنين المشاركين في الانتخابات.ولقد تمكنت الجمعية الوطنية العربية من تشكيل لجنة لكتابة الدستور واستعانت بممثلين عن الكتل السياسية التي لم تشارك في الانتخابات بحيث اصبحوا اعضاء فيها وقدمت الدستور في موعده المحدد اذ جرى الاستفتاء عليه مع تأجيل عدد من النقاط العالقة لحين الانتخابات التي جرت نهاية 2005 والتي انبثق عنها مجلس النواب والحكومة الدائمية والتي تستمر دورتها لاربع سنوات.ان نجاح الانتخابات الاولى فتح الطريق امام العملية الديمقراطية بكل ابعادها واسس تاريخاً جديداً للمواطن اشعره انه جزء من العملية السياسية وله صوت يمكن ان يسمعه الجميع ووضع جميع المواطنين امام القانون بشكل متساو وجعل لغة الحوار الطريق الاسمى لحل النزاعات ومناقشة الاختلافات واظهر ذلك نجاحا في المرحلة التالية حيث شاركت الكتل السياسية السنية بالانتخابات بقوة ومثلتها قوائم متعددة وحصلت على 44 مقعدا في مجلس النواب الحالي عبر مشاركتها في انتخابات كانون الاول 2005 واعرب اكثر من ممثل للسنة العرب عن اسفهم لعدم المشاركة في الانتخابات الاولى ما يشير الى نجاح الخطوة الاولى رغم الصعاب التي رافقتها.واثرت الانتخابات بشكل مباشر في نظرة دول الجوار الى العراق التي يراهن بعضها على فشل تجربته في الوقت الذي يسمح عدد منها للارهابيين باستخدام اراضيها للتدريب وتمرير السلاح والاموال التي تفتك بالابرياء من المواطنين ما جعلها تعيد النظر في تصرفاتها تجاه مغذيات الارهاب ومنعت في مرحلة لاحقة عبور المتسللين فيما ابدت دول اخرى تعاونا ملحوظا في هذا الجانب ما اثر بشكل كبير على نجاح الخطط الامنية في بغداد ومدن اخرى في الوقت الذي جرى تنسيق مع عدد من دول الجوار لاحتضان مؤتمرات بين شخصيات برلمانية وحكومية عراقية وشخصيات من المعارضة السياسية المقيمة في الخارج.من جانب اخر غير نجاح الانتخابات سياسات الدول الكبرى اذ انها اصبحت امام حكومة منتخبة معترف بها وعليها ان تعيد علاقاتها معها وتنسى الحجج التي اختلقتها لوقف التمثيل الدبلوماسي فبفضل الانتخابات الاولى اعاد العراق تمثيله الدبلوماسي مع عدد كبير من الدول وشارك في عدد من مؤتمرات الجامعة العربية والمؤتمرات الدولية.
https://telegram.me/buratha