اكثر من حكومة وأكثر من قانون يحكم المدينة الجامعة التي كانت رمزاً علمياً مميزاً اصبحت مغلقة قومياً وطائفياً وتخسر كوادرها بالجملة صراع على السلطة والنفوذ وتخلخل في النسيج الاجتماعي التجارة معطلة والحركة الثقافية والرياضية جزء من الماضي
سامان نوح/ الموصللم تكن جامعة الموصل منذ تاسيسها قبل قرابة النصف قرن جامعة مغلقة (قومياً او طائفياً او فكرياً) تستقطب فئة واحدة من فئات الشعب العراقي المتعدد القوميات والمذاهب والاديان، ولم تشهد طوال عمرها حالة الخوف التي تشهدها اليوم، ولم يكن الطلبة الكرد او الشيعة يعرفون التفريق على اساس القومية او الطائفة الذي يعانون منه اليوم، كما لم يكن العرب السنة الذين يشكلون اغلبية طلاب الجامعة منغلقين على انفسهم خاضعين لاتجاه (سياسي ديني فكري) ومستسلمين لاوامره ونواهيه كما هو الحال اليوم ، حيث تحكم الجامعة عملياً جهات تحترف القتل والخطف والتهديد باسم الدين وتطبيق الشريعة.تلك المؤسسة العلمية والثقافية التي تفتخر بمستواها العلمي والتي خرجت آلاف الكوادر المميزة الذين ساهموا في تطوير البلاد في فترات تاريخية محددة والذين نجحوا في جعل مدينة الموصل واحدة من اكثر المدن العراقية تطوراً عمرانياً وخدمياً، فقدت دورها ولم تعد قادرة حتى على حماية نفسها، فالمؤسسة التي كانت تخطط للنهوض بشكل اكبر بعد سقوط النظام السابق وتحسن الاوضاع الاقتصادية مستفيدة من عودة عشرات من اساتذتها المهاجرين، وقعت فريسة للفوضى وفقدان الامن الذي زرعته عمليات وتوجهات الجماعات المسلحة التي سيطرة على مدينة الموصل.
جامعة تفقد كل يوم كفاءاتها
فبعد فترة الانتعاش الاولى التي اعقبت نيسان 2003 والتي بشرت بانفتاح افاق جديدة امام الجامعة العريقة التي استقبلت الاف الطلاب الجدد القادمين من مدن اقليم كردستان واستعادت عشرات من اساتذتها المهاجرين، تبدلت الاوضاع مع موجة الجماعات المسلحة التي ظهرت مطلع 2004 وهي تحمل شعارات تحرير البلاد من المحتلين الامريكان وتحرير المدينة من سطوة الكفار ومن خطط الطامعين والدخلاء، فتحولت المدينة بعد سنتين من سيطرة الجماعات المسلحة الى واحدة من اكثر مدن العراق تخلفاً وفوضى وضعفا في الخدمات، وصار آلاف المثقفين والكفاءات والاساتذة والاطباء يتركونها في موجات هجرة بعد ان اصبحوا متهمين ومطاردين واهداف سهلة للجماعات الباحثة عن اثارة الفوضى والانتقام او الباحثة عن المال، فلم يغب دورهم في قيادة المدينة فقط بل فقدوا حتى فرصة للاستمرار والحياة هناك فلم يعد لهم مكان وسط الخراب والرعب ومع انتصار لغة السلاح التي ترتفع لتقتل وتذبح باسم نصرة الدين مرة وباسم حفظ القومية مرة اخرى وباسم اعلاء شأن العروبة والبعث مرة ثالثة.
يقول شفان احمد، من مدينة دهوك، كنت ادرس في كلية القانون بجامعة الموصل وكان هناك عشرات الطلاب الاكراد والعديد من الاساتذة لكنني توقفت عن الدراسة بعد ان وصلتنا تهديدات بالقتل وقتل عدد من زملائنا لمجرد انهم اكراد، ولم يعد هناك اليوم طلاب او اساتذة اكراد في تلك الكلية بل ان الكثير من الاساتذة العرب تركوا الكلية والجامعة متوجهين الى جامعات اقليم كردستان.ويضيف : الطالب الكردي يشعر بخوف دائم من الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة فقد تقتل او تختطف في اي لحظة ودونما سبب واضح وقد تخطف او تقتل داخل الحرم الجامعي او في الاقسام الداخلية، العديد من اصدقائنا تلقوا تهديدات داخل الحرم الجامعي، لذلك فاستمرارنا كان مستحيلا خاصة ان الاجهزة الامنية عاجزة عن فعل اي شيء، وحتى التفتيش الذي كان صارما على ابواب الجامعة صار شكليا ولا معنى له فالارهابيون يسيطرون عبر مناصريهم وعيونهم على الجامعة.ويتابع: والدي شجعني في البداية على الدراسة في الموصل، كون التدريس والمستوى العلمي فيها افضل ، وكنا نسمع عن الروحية التي كانت تعيشها جامعة الموصل في الثمانينات وحتى التسعينات لكن ذلك كله انتهى مع سيطرة العنف والمتشددين والجهلة على المدينة ورحيل الاساتذة والكفاءات عنها.
وكانت تكرر عمليات القتل التي طالت كلية القانون قد ادت الى تعطل الدوام ودفعت الاساتذة والطلاب الى طلب الحماية، كما اكد احد الاساتذة قائلاً :نحن لا نطالب برفع الرواب بل بتوفير الامن لنا فالجامعة هي الاولى في عدد الاغتيالات التي تطال تدريسييها، ونحن لا نعرف لماذا يتم اغتيالنا ..؟ نحن لا نتدخل في السياسة وفي الصراعات الحزبية ونتجنب الخوض في اي شيء خارج الدراسة.لكن توفير الحماية امر مستحيل كما يؤكده بعض الطلبة. حيث وصف (س.ع) الاضراب عن الدوام بانه يمثل انتصارا للجماعات المسلحة وتحقيقا لاحد اهدافها وهو تعطيل الحياة فهذا ما تريده واضاف قائلاً : المطالبة بتوفير الحماية للاساتذة وللطلاب امر شبه مستحيل فاذا كانت حماية الاساتذة ممكنة داخل الجامعة فانها مستحيلة خارجها او عند عودته لبيته. يقول احد الطلاب "ان هناك من يريد خلط الاوراق وتشويه المقاومة عبر اغتيالات مؤذية وبلا هدف واضح ". لكن زميلاً له قال "اية مقاومة .. لم يعد هناك الا مسلحون يقتلون لمصالح سياسية او مالية وهم ارهابيون وصاروا اقوى من الدولة بكثير".فيما وصف طالب اخر ذلك النقاش الذي جرى بين الطالبين بانه كافي لاثارة مشكلة تؤدي الى انهاء حياة احدهما.
المدينة تعيش اسوأ ايامها
في الثمانينات وحتى التسعينات كانت جامعة الموصل تشكل خليطا مميزاً من التنوع الاثني والقومي والطائفي والثقافي بوجود الاف الطلاب الكرد والشيعة والمسيحيين والتركمان. لكن ذلك المزيج انتهى خلال السنوات الاخيرة لتفقد الجامعة واحدة من اجمل وابرز ميزاتها. وذلك التنوع الايجابي كان قد جعل من مدينة الموصل وطوال عقود قبلة للعراقيين الباحثين عن الحياة المتطورة والآمنة سواء للعرب القادمين من مدن الجنوب والوسط او للكرد القادمين من مدن الشمال والطامحين للعمل والتجارة او الاستقرار،
يقول محمد ابراهيم موظف: المدينة تشهد اسوأ أيامها، مثقفوها واساتذتها وتجارها بل وحتى رجال دينها يرحلون عنها بعد ان عمت الفوضى وساد القتل والخطف..ويضيف قائلاً :ترك عشرات الاستاذة وكبار الاطباء والتجار المدينة وخسرنا جهودهم وامكاناتهم بعد ان انتشر القتل على الهوية والتصفية على اسس طائفية، وتوقفت التجارة وحركة البناء وتراجعت الخدمات وانعدمت فرص العمل، وبعد ان كان الناس يأتون الى هنا للعلاج او العمل او التجارة او الاستقرار صار اهالي المدينة هنا يبحثون عن كل ذلك في مدن اخرى.
اكثر من حكومة واكثر من دولةيتفق معظم السكان انه لا توجد جهة واحدة تحكم المدينة ولا توجد حكومة واحدة بل هي اكثر من حكومة وسلطة فهناك الحكومة العراقية وهناك حكومة دولة العراق الاسلامية وهناك سلطات عصابات الجريمة المنظمة ، والكل لديه مساحات من النفوذ والسيطرة هنا وهناك وحسب ما يراه مفيدا له . يعلق الطالب اسامة جاسم على ذلك قائلاً " ان فرمانات ( قرارات ) الجماعات المسلحة مثل جماعة القصاص العادل تعلق الى جانب القرارات العلمية والادارية في لوحات اعلانات جامعة الموصل نهارا وامام المسؤولين في الجامعة ولا احد يستطيع رفعها"، ويؤكد ان القرارات لا تتحدث عن فرض الحجاب مثلا فهذا امر مفروغ منه، بل تحمل قرارات بالتوقف عن الدوام او تهديدات واضحة لبعض الطلاب والاساتذة او دعوات للالتزام باشياء محددة ومن يرفض يكون مصيره الموت.ويؤكد موظف في دائرة البلدية واخر في تربية المدينة ، رفضا الكشف عن اسميهما، ان بيانات الجماعات المسلحة تعلق في لوحة اعلانات دوائرهم كما تعلق على جدران المساجد، وان دولة العراق الاسلامية احياناً تصدر قرارات تتضمن فصل موظفين او تعليمات بالتوقف عن الدوام.وانهم لا يملكون نزع البيانات او عدم تنفيذها.
ذنون خليل، موظف، يقول: الموصل صارت غريبة عن اهلها وغير امنة حتى بالنسب لسكانها العرب، لا تخرج من بيتك الا للضرورات، وحين تخرج عليك ان تحسب حساب كل شيء وتلتفت وراءك الف مرة وتقرأ كل وجه يمر عليه ويصادفك ، فالموت قد يترصدك ، وهذا حالنا كلنا وليس حال الاكراد او الشيعة – الشبك فقط.
علي ابراهيم ، ضابط سابق، يقول : المدينة تسير من سيء الى اسوأ، الحياة فيها مشلولة، والكل خائف، البعثي السابق والمسؤول الحالي، العلماني والمتدين ، الغني والفقير، الضابط والمدني، الكردي والعربي.. الكل خائف ولا احد يعرف من اين ياتي الخطر.ويتابع قائلاً "الحركة الثقافية والرياضية صارت من الماضي وهي في نظر الكثير من المتشددين حرام، والتجارة متوقفة بعد ان هرب معظم التجار والاغنياء، و المدينة التي كانت المركز التجاري والثقافي والعلمي الاول في المنطقة صارت الآن في المؤخرة ... ولا نعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل".
اغتيالات بالجملة والجناة ابطال طلقاء
تشير بعض الاحصاءات الى ان اكثر من 40 مدنيا يسقطون اسبوعيا في مدينة الموصل في عمليات قتل قومية او طائفية او دينية ، اضافة الى مقتل اعداد متفرقة من رجال الشرطة والجيش في اشتباكات مباشرة او نتيجة تفجير عبوات ناسفة، لكن رغم هذه الارقام فانه لا تكاد تسجل عملية واحدة تستهدف القوات الامريكية اسبوعياً رغم احتفاظ الامريكان بقاعدة كبيرة واكثر من موقع ..............في المدينة ومحيطها. وهو امر يثير التساءل حول اهداف من يدعون الجهاد لتحرير العراق من الاحتلال ، ولا احد يكاد يذكر متى وقع اخر هجوم حقيقي على جنود امريكيين في الموصل.يقول الطبيب حسن احمد"الاغتيالات مستمرة ، ولا تعرف من التالي ولا احد يسال عن السبب، وحتى لو عرفت القاتل فلن تستطيع فعل شيء ضده فلا قوة للدولة والقانون مفقود تماماً والقتلة ابطال طلقاء يتحركون ويقتلون امامك دون ان تحرك ساكناً". وكان مصدر أمني في مجلس محافظة نينوى قد اكد في ايار الماضي تزايد معدلات العنف الى الضعف خلال الشهرين الماضيين.واعلن في احصائية له عن تسجيل 366 حادثة اغتيال في المحافظة، وعن مقتل 239 شخصاً بسيارات مفخخة او عبوات ناسفة او هجمات انتحارية.
تهجير 150 عائلة خلال اسبوعين
وتؤكد مصادر الحزب الديمقراطي الكردستاني ان عمليات تهجير الاكراد ارتفعت وتيرتها في الشهرين الماضيين حيث سجل تهجير أكثر من 150 عائلة كردية من المدينة خلال اسبوعين الاولين من شهر ايار الماضي، وهو رقم يشير الى زيادة كبيرة في اعداد المهجرين بعد فترة هدوء استمرت عدة اشهر.وجاءت عمليات التهجير متزامنة مع تزايد العمليات التي استهدف مقرات الاحزاب الكردية في محافظة نينوى ونقاط التفتش المؤدية الى اقليم كردستان، والتي خلفت عشرات القتلى والجرحى، مع تزايد التهديدات التي نشرتها ووزعتها مجاميع مسلحة على الاحياء الكردية في الجانب الايسر من المدينة والتي طالبت فيها الاكراد بالرحيل عن المدينة، بينها تهديدات للجيش الاسلامي ودولة العراق الاسلامية واخرى لسرايا القصاص العادل.وكان نائب محافظ نينوى خسرو كوران قد اكد في يناير الماضي مغادرة اكثر من 40 ألف كوردي مدينة الموصل باتجاه إقليم كوردستان هربا من العنف. واكد ان بينهم آلاف يقيمون الآن في قلاع عسكرية سابقة ومباني متروكة على الطرق الممتدة بين الموصل واربيل ودهوك.ومع تزايد اعداد المهجرين اعلنت حكومة اقليم كردستان في نهاية ايار الماضي فتح مخيمات على الطريق بين الموصل واربيل من اجل استقبال المهجرين الذين يواجهون ظروف صعبة جدا، خاصة مع عدم قدرتهم على جلب اي شيء معهم عند مغادرتهم لمنازاهم.
ابو سعد ، محامي، يقول : في بداية الاحتلال الامريكي ساد نوع من الاستقرار في المدينة وانتعشت التجارة والاسواق وزادت فرص العمل ومع زيادة الرواتب تحسنت الاوضاع اكثر ونشطت حركة بيع العقارات والتجارة مع مدن الاقليم ، ولم تكن هناك الا هجمات ضد القوات الامريكية، لكن بعد سنتين تغيرت الاحوال، ونشطت جماعات مسلحة بتمويل خارجي مادي وبشري ، وهؤلاء زرعوا ثقافة الموت وكفروا الناس حتى صار الموظفون ورجال الشرطة عملاء يستحقون القتل، وهؤلاء ركزوا جهودهم في العامين الاخيرين لطرد الاكراد من المدينة بدعوى التعاون مع الاحتلال وتركوا الاحتلال ومقاومته!! وتساءل قائلاً : هل هناك من يستطيع ان يتذكر اخر مرة قتل فيها جندي امريكي في المدينة في اشباك او هجوم مباشر ... ؟ الجماعات المسلحة والعصابات منهمكة بتهجير وقتل الاكراد والشيعة وتكفير ومطاردة افراد الشرطة والصحفيين واختطاف التجار وجمع الاتاوات واضطهاد المسيحيين ولا نعرف هل هذا هو الجهاد؟ واين هم من قتال الامريكان؟واضاف : في البداية ترك الاساتذة والاطباء الكرد المدينة بسبب تهديدات الجماعات المسلحة او نتيجة تهديدات كيدية من منافسيهم من بقية الاساتذة او بعض العنصرين وقد توجه هؤلاء الى مدن اقليم كردستان الآمنة، وبعدها تطور الامر وخرجت الآف العوائل الشيعية والكردية والمسيحية من المدينة، وبعد ثلاث السنوات من الفوضى والقتل والتهديدات القومية والطائفية والعنصرية لم نفقد فقط الاف الكفاءات الكردية والمسيحية بل ايضا معظم الكفاءات العلمية والطبية العربية وصار الكثير من سكان المدينة يضطرون للتوجه الى باقي المدن للعلاج والعمل والتجارة .
تشير بعض الاحصائيات الى اغتيال 40 طالب واكثر من 20 استاذا اضافة الى هجرة عشرات الاساتذة خلال الاشهر الاربعة الاولى من العام الحالي وحده.ورغم عدم وجود احصاءات دقيقة لكن جامعة الموصل تأتي في مقدمة الجامعات العراقية التي فقدت اساتذتها.وخلال السنوات الثلاثة الماضية وفيما حمل الاف من اصحاب الكفاءات حقائبهم ورحلوا عن المدينة بحثا عن الامن المفقود وعن حياة لا تحكمها لغة التكفير، اضطر مئات اخرون من اساتذة وطلاب العلوم والاداب وخطباء اللغة والمتفقهين في الدين الى الانزواء في بيوتهم والانعزال عن الحياة العامة لتجنب اثارة فرق الموت وتجنب التورط فيما يصفونه بصراعات حزبية وسياسية على النفوذ وصراعات لعصابات مسلحة على المال.وهو ما فتح الباب امام انصاف المتعلمين لقيادة المدينة بالتنسيق مع قادة المسلحين وامراء عصابات الجريمة المنظمة الذين صاروا يحكمون المدينة.
ازدياد حالات الطلاق المذهبيتؤكد مصادر قضائية في من محكمة الاحوال الشخصية في الموصل حصول ارتفاع كبير في نسبة حالات الطلاق ما بين المتزوجين من طوائف وقوميات مختلفة. وتشير المصادر ان ارتفاع حالات الطلاق يتزامن مع ازدياد التهديدات الارهابية للكرد والشيعة وتنامي الصراعات القومية والطائفية بما تخلفه من توتر اجتماعي.وتؤكد العديد من المصادر ان تزايد نفوذ التكفيريين والقوميين العنصريين في المدينة ينعكس سلبياً على اوضاع الاسر التي تتشكل من قوميتين او طائفتين. وقد سجلت رسميا 14 حالة طلاق وقعت بين متزوجين من طوائف مختلفة في الموصل خلال الاشهر الاخيرة، لكن عدد الحالات التي لم تسجل يرجح انها اكبر بكثير، وهذا ما يعتبره بعض المختصين مؤشر مخيف على تزايد حالة الانقسام الاجتماعي.
يقول علي عبدالله : غاب العقل وغلبت الطائفية والقومية والعصبية على المنطق والواقع وانتصر الاميون وحملة الاسلحة على حملة الفكر، فتخلخل النسيج الاجتماعي في المدينة... ترك الاف الاكراد حياتهم هنا ورحلوا هربا من تهديدات الارهابيين وتصفياتهم بحثا عن حياة افضل.واضاف متساءلا : ماذا تتوقع ان يحدث في مدينة تطرد ابناءها، وتنقسم فيه العوائل وتتفتت بسبب اختلاف قومية او مذهب الزوج عن الزوجة ..؟ مدينة يخاف الجار فيها من جاره...؟... لقد تأثرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة وبعدما كانت الموصل افضل مدن البلاد اقتصاديا واكثرها تميزاً بالتعايش الاجتماعي والقومي صارت الاكثر توتراًً وتخلفاً.
تحريم التجارة مع مدن الاقليمولم تقتصر بيانات التكفير التي تصدرها الجماعات المسلحة على من يعمل مع الامريكيين من مترجمين وموظفي خدمات او من يعمل في المنظمات الاجنبية الانسانية حتى لو كانت خدمية او من يعمل في سلك الشرطة العراقية حتى لو كان قد امضى 25 عاماً من عمره شرطياً، بل طالت المدنيين ايضا بما فيهم سواق سيارات الشحن الذين تم تهديدهم بالقتل في حال قاموا بنقل المواد من والى مدن الاقليم .وقد حرمت سرايا القصاص العادل في بيان لها وزع في الجوامع والاسواق التعامل التجاري مع اقليم كردستان.وحذرت تلك المجموعة المتشددة جميع التجار سواء الكرد او العرب من التعامل مع الاقليم في استيراد وتصدير المواد الغذائية والاجهزة الكهربائية، وهددت بقتل كل من يخالف الامر.وشمل ذلك منع ايصال المواد التموينية الى مناطق واسعة غرب الموصل (سنجار وزمار) يعيش فيها الاكراد الايزديون والمسلمون، وهو ما خلق ازمة انسانية في تلك المناطق التي لا تخضع بشكل قانوني الى اقليم كردستان.
بسام وعدالله، سائق نقل يقول : رزقنا كان يعتمد على التجارة والنقل الى مدن الشمال كنا ننقل كل شيء المواد الكهربائية ، الغذائية ، الانشائية.. كانت مدن الاقليم يعتمدون في كل شيء على تجار الموصل لكن ذلك انتهى وصرنا نحن من نعتمد عليهم اليوم.. ورغم كل ذلك فان المتشددين حرمونا من مصدر رزقنا الوحيد وهددونا بالقتل اذا قمنا بنقل البضائع من والى مدن الاقليم.وتساءل قائلاً "لا نعرف في اي شرع يجوز هذا؟".
يشدد احد المثقفين في المدينة والذي رفض ذكر اسمه على القول "ان ربط السياسة والمصالح الحزبية بحياة المدنيين يضر بالمدينة وبسكانها ككل ... وان ذلك يعني في مدينة فيما مئات الآف من الاكراد والمسيحيين والتركمان ومئات اللاف من العرب السنة نشوب صراع لن ينتهي ابدا بانتصار طرف على الاخر.. صراع ليس فيه منتصر فالكل خاسر" .
https://telegram.me/buratha