أعرب خبير غربي في الشأن العراقي، عن اعتقاده بأن البرلمان العراقي كان فاعلا في جلسة السبت الماضي، بإلغائه وزارات لا ضرورة لها، وتعيق عملية صناعة القرار في الحكومة، الا انه لفت الى ان القرارات التي اتخذها النواب شكلت مخالفات دستورية واضحة، داعيا الى التمسك بالدستور، لانه هو الذي يرسي الاعراف والممارسات الديمقراطية شعبيا ورسميا.
وقال الباحث الدنماركي ريدر فسر، إن البرلمان العراقي كان فاعلا يوم الثلاثين من تموز، على غير ما هو معتاد. فعلى الرغم من ان اعضاء المجلس بالكاد بلغوا مستوى النصاب (اذ نقل ان 183 نائبا فقط كانوا حاضرين)، الا ان الذين حضروا جلسة السبت، التي تضمنت مساءلة رئيس الوزراء، نوري المالكي، بصدد خططه لتقليص حجم حكومته، كانوا فاعلين كفاية.
وفي حين انتهت الجلسة السابقة باتفاق ضعيف "على تقليص حجم الحكومة مبدائيا"، الا ان جلسة السبت ألغت وبأغلبية الاصوات كل وزارات الدولة باستثناء 3 منها هي شؤون الاقاليم، شؤون المراة، والشؤون البرلمانية.
ويرى فسر ان هذه الامر يمثل من جهة تطورا ايجابيا، لأن المشكلة الرئيسة في الحكومة التي شكلها نوري المالكي في كانون الاول 2010، كانت تحديدا كبر حجمها وتوسعها ولا عمليتها.
وتابع أن النقد، الذي وجه الى المناصب الحكومية غير الضرورية والرمزية، التي لا تخدم اساسا الا اصحابها وزيادة منافعهم، كان جزءا لا يتجزأ من "ربيع العرب" المحدود الذي ظهر في العراق، على مدى ما مضى من نصف العام. فبوجود عدد قليل من الوزراء، من شان صناعة القرار في مجلس الوزراء ان تكون أيسر، ومبدئيا في الاقل، فإن احدى العقبات الرئيسة في طريق حكومة اكثر فاعلية، قد ازيلت بقرار البرلمان يوم السبت.
في الوقت نفسه، كما يتابع الخبير الدنمركي، ينبغي ان يكون واضحا ان كل شيء جرى يوم السبت، يمثل انتهاكا صارخا للدستور العراقي، ذلك لان الدستور لا يميز بين الوزراء الاعتياديين (اي الذين لديهم حقيبة) ووزراء الدولة (اي الذين من دون حقيبة)، بقدر ما يتعلق الامر بإقالتهم.
لذا ينبغي ان يتمتعوا بالحق نفسه بالضبط، في ان يخضعوا الى المساءلة الفردية، قبل ان يعمد البرلمان الى التصويت على حجب الثقة عنهم، وهذا يعني ان جلسة السبت التي ألغت نحو 10 وزارات، تمثل خرقا دستوريا واضحا.
ولزيادة الطين بلة، قال المالكي للبرلمان أن "لا مشكلة قانونية" في عملية تقليص حجم الحكومة، واعربت القائمة العراقية عن قناعتها بهذا الاجراء. وكانت هناك محاولات غير واضحة لإقامة تمييز بين الوزارات التي صدرت لها قوانين منفصلة، والوزارات التي تفتقر الى مثل تلك القوانين، ومن بينها وزارات الدولة.
وعلى الرغم من هذا، ليس في ذلك ما يلغي أحكاما دستورية، لكن يبدو حتى الان أن سياسيين افرادا مثل وائل عبد اللطيف وعالية نصيف، اشارا الى المخالفات الدستورية التي انطوت عليها قرارات جلسة السبت. وطبعا، ليست هذه هي المرة الاولى التي يخالف فيها البرلمان العراقي الدستور العراقي، لكن ما حدث السبت يثير سؤالا عن دور الدساتير في الدول التي انتقلت مؤخرا من الحكم الاستبدادي: هل الدساتير فيها لمجرد التسلية؟ هل يمكن انتهاك مبادئها العليا بهكذا طريقة صارخة، من دون إلحاق ضرر بالمخيلة الديمقراطية وسيادة القانون؟
اما في ما يخص الجوانب السياسية في قرارات جلسة السبت، فيظهر ان الكثير من الوزارات التي ألغيت، تعود لأحزاب شيعية أصغر، بما فيهم التيار الصدري (عبد المهدي المطيري وضياء الاسدي)، والفضيلة (بشرى حسين) والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي (حسن راضي وربما ياسين حسن محمد احمد). ويظهر ان دولة القانون بصدد التخلي عن وزارتين (علي الدباغ وربما امير الخزاعي، الذي يوصف منصبه للمصالحة الوطنية كـ"وزارة دولة" في اكثر من موضع)، والعراقية عن اثنين (استنادا الى كيفية اجراء ذلك، فبالاضافة الى صلاح الجبوري، يمكن ذكر علي الصجري، الذي هو اصلا من قائمة وحدة العراق ودخل في العراقية، وجمال البطيخ الذي انفصلت قائمته العراقية البيضاء عن العراقية في اذار". وخسر الاكراد وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، وكذلك وزير دولة لشؤون الفيليين. اما الوزارات التي لم تلغ في جلسة السبت، فهي اثنتان بقيتا لدى دولة القانون (شؤون المرأة والشؤون البرلمانية) وواحدة لدى التركمان (تورهان المفتي)، الذي ينظر الى حزبه بوصفه مقربا من العراقية؛ لكن خطابه السياسي غالبا ما يكون تركمانيا. وقرار المالكي بالتمسك بحليفه المحاصر صفاء الدين الصافي، الذي يعاني اتهامات بالفساد، قرار لافت، وقد يشير الى انه يشعر بتهديد العزلة وسط مجلس وزراءه.
اما في مستوى الاشخاص، واستنادا الى احصاء تقريبي، كما يقول فسر، فان مجلس الوزراء المتبقي يضم 7 من دولة القانون، و5 من الصدريين (الذين زادوا حصتهم خلال النصف الاول من العام 2011، من خلال تعيينات اضافية جرت في شباط، ونيسان)، و2 من مجموعتين شيعيتين صغيرتين (المجلس الاعلى والفضيلة، حيث لكل منهما وزير واحد)، و4 من التحالف الكردستاني، وأخيرا 7 من القائمة العراقية فضلا عن سعدون الدليمي (الذي يعد وحدة العراق؛ الائتلاف الذي ينتمي اليه، جزءا من العراقية)، فضلا عن تورهان المفتي الذي سبقت الاشارة اليه. وهذا يعني بالمقابل ان القرارات العالقة بشأن حقيبتي الدفاع والداخلية، يمكن أن تصبح عاملا أكثر اهمية في تقرير التوازن السياسي، في الحكومة العراقية في المدة المقبلة.
https://telegram.me/buratha

