مع تخلص ترامب من مستشاره للأمن القومي، هربرت مكماستر، وتعيين، جون بولتون، أحد صقور الدفاع والمبعوث السابق في الأمم المتحدة إبان حكم الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، ثارت مخاوف عديدة مصدرها التشدد الذي أصبحت تتسم به الإدارة الأمريكية الجديدة حول ترامب.
نشرت مجلة "نيويوركر" تقريرا للكاتبة روبن رايت، تتحدث فيه عن التطورات الأخيرة في البيت الأبيض، والرحيل المستمر للشخصيات البارزة.
ويشير التقرير، إلى أنه في يوم الخميس رحل أولا المحامي الشخصي للرئيس دونالد ترامب، جون داود، ثم تبعه مستشار الأمن القومي أتش آر ماكماستر، الذي انتشرت تقارير عن قرب رحيله منذ أسابيع، ما جعل قرار خروجه أقل خطورة، حيث عين ماكماستر في شهر شباط/ فبراير العام الماضي، وفي أعقاب استقالة الخيار الأول لترامب مايكل فلين؛ بسبب اتصالاته مع السفير الروسي في واشنطن.
وتفيد الكاتبة بأن ماكماستر يحظى بسجل عسكري حافل، وله كتاب عن فشل القيادة العسكرية في مواجهة الحكومة المدنية أثناء حرب فيتنام، مستدركة بأنه لم يستطع البقاء سوى 13 شهرا في منصبه، حيث سيحل محله السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة والمعلق البارز على قناة "فوكس نيوز" جون بولتون.
وتنقل المجلة عن آدم إنتوس، الذي يكتب عن شؤون الأمن القومي، قوله: "تم تعيين ماكماستر لتحقيق الاستقرار في البيت الأبيض، ويشير رحيله إلى أن الرئيس يبحث عن مستشارين يقبلون قراراته القائمة على الحدس"، ويضيف: "اختار ترامب ماكماستر وجلبه إلى الإدارة، لكنه لم يعقد معه أبدا علاقة قوية"، فاختلف ترامب وماكماستر في عدد من القضايا، بينها أفغانستان، حيث وقف ماكماستر مع البنتاغون، التي طالبت بزيادة عدد القوات الأمريكية هناك، وهي فكرة رفضها ترامب في البداية.
ويلفت التقرير إلى أنه فيما يتعلق بإيران، فإن ماكماستر حذر الرئيس من تمزيق الاتفاقية النووية، التي يصفها الرئيس بـ"العار"، ويعلق إنتوس قائلا إنه بخروج ماكماستر، ودخول بولتون، ووصول مايك بومبيو عضو الكونغرس السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية إلى الخارجية، بدلا من ريكس تيلرسون، فـ"سيكون لدى ترامب فريق موحد للأمن القومي"، باستثناء وزير الدفاع جيمس ماتيس، ويضيف إنتوس أن على الشخص النظر إلى وزارة الدفاع، خاصة أن ماتيس دعا للحذر في قضايا الأمن القومي، ولهذا فموقعه مهم، ويجب مراقبة ما سيحدث له.
وتعلق رايت قائلة إن "الصقور يقتربون من إحكام السيطرة على البيت الأبيض، ويعد جون بولتون من أكثر الدبلوماسيين الأمريكيين وقاحة في القرن الحادي والعشرين، وسيتولى قريبا منصب مستشار الأمن القومي، الذي يعد أهم منصب للسياسة في البيت الأبيض، وأعلن ترامب عن تعيينه في تغريدة في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، حيث أبعد الجنرال ماكماستر، الذي لم يستطع الحفاظ على علاقة متوترة مع الرئيس، رغم تاريخه العسكري الحافل، بالإضافة إلى ثلاث نجوم يحملها على كتفيه".
وتقول المجلة إن بولتون، الذي اختاره ترامب، تحول إلى معلق دائم على قناة "فوكس نيوز"، ويحمل مواقف أكثر تطرفا من الرئيس، بما في ذلك حملات عسكرية وحروب وتغيير أنظمة، مشيرة إلى أن عناوين الأخبار المتأخرة، التي لمعت على شاشات التلفزة، أحدثت رعبا بين عدد من الجمهوريين، وبوجود مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه" مايك بومبيو، الذي سيتولى منصب وزير الخارجية، بدلا من ريكس تيلرسون، الذي عزله ترامب الأسبوع الماضي.
ويجد التقرير أن "تحركات أمريكا حول العالم سيتم تقريرها عبر فريق من المتشددين ودعاة الحروب، ولم يتبق سوى وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي يعد أكثر براغماتية، والسؤال هو هل سيظل في الوزارة، وقد شوهد يوم الثلاثاء يتناول العشاء مع تيلرسون".
وتنوه رايت إلى أن "بولتون درس في جامعة ييل، ويعرف بشاربه المعقوف، وقد دعم حرب العراق عام 2003، التي أدت إلى الفوضى، وفتحت المجال أمام فوضى عنف وتطرف في المنطقة، ودعم الإطاحة بنظام بشار الأسد، ودعا بشكل متكرر لضرب إيران وكوريا الشمالية، اللتين أسماهما (وجهان لعملة واحدة)".
وتذكر المجلة أن بولتون هاجم في مقال رأي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الاتفاقية الإيرانية الموقعة عام 2015، ووصفها "بالخطأ الاستراتيجي الهائل"، وكتب قائلا إنه "يجب إنهاء إيران الثورة الإسلامية عام 1979 قبل مرور 40 عاما عليها" العام المقبل، وأضاف: "الاعتراف بأن النظام الإيراني الجديد عام 2019 سيقوم بوقف العار الذي رأيناه عندما احتجز دبلوماسيونا لـ 440 يوما، وسيقوم الرهائن السابقون بقص شريط السفارة الأمريكية في طهران".
ويورد التقرير أن بولتون كتب قبل توقيع الاتفاقية بين إيران وست دول أخرى، مقالا في "نيويورك تايمز"، قال فيه إنه من أجل "وقف القنبلة الإيرانية فإنه يجب قصف إيران"، وتنبأ فيه بأن "إيران لن تتفاوض بشان مشروعها النووي، ولن توقفها العقوبات عن بناء منشآت عسكرية واسعة وعميقة.. والحقيقة غير المريحة هي أن العمل العسكري، مثل الهجوم عام 1981 على مفاعل صدام، أوزيراك، ومفاعل سوريا عام 2007، الذي بنته كوريا الشمالية، هو الذي سيحقق المطلوب، والوقت قصير، إلا أن الهجوم لا تزال أمامه فرص نجاح".
وتبين الكاتبة أنه بعد ثلاثة أشهر قبلت إيران الاتفاقية النووية، التي تعد من أهم الاتفاقيات في محاولة منع انتشار السلاح النووي منذ أكثر من ربع قرن، وصادق مجلس الأمن على الاتفاقية بالإجماع، فيما تعهد ترامب بالخروج منها في منتصف أيار/ مايو، وهو قرار يدعمه بولتون، لافتة إلى أن بولتون دعم حركة مجاهدي خلق الإيرانية، المسؤولة عن مقتل أعداد من الجنود الأمريكيين، ومحاولة اختطاف السفير الأمريكي، وأعمال عنف أخرى في إيران قبل ثورة عام 1979، وظلت حركة مجاهدي خلق في العراق أثناء فترة صدام، الذي قدم لها الدعم العسكري والمالي والسياسي، وفي عام 1997 كانت على قائمة الجماعات الإرهابية لدى الخارجية، ولم تحذف منها إلا عام 2012، وتحدث بولتون في تظاهرة للحركة في باريس، حيث قيل إنه دفع للمتحدثين عشرات الآلاف من الدولارات للظهور.
وتشير المجلة إلى أن بولتون علق على رغبة الرئيس ترامب بمقابلة الرئيس الكوري كيم جونغ- أون قائلا إنها مضيعة للوقت، وكتب في آب/ أغسطس في موقع "ذا هيل"، إن "المفاوضات تمنح الديكتاتورية الشرعية، وتوفر لها وقتا أفضل لتطوير أسلحتها الباليستية، واليوم لم يبق إلا حل دبلوماسي واحد، ولا يحتاج التحادث مع بيونغ يانغ، ويجب على الرئيس ترامب إقناع الرئيس الصيني شي جينيبنغ بأن إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية من مصلحة الصين الوطنية"، ودعا إلى تفكيك النظام الكوري الشمالي، والسماح للجزء الجنوبي بالسيطرة عليه.
ويستدرك التقرير بأن الخلاف الأكبر بين ترامب وبولتون يتعلق بروسيا، فكتب في بداية تموز/ يوليو أن محاولة تقويض الدستور هو فعل أكبر من عملية سرية، "بل هو سبب للحرب وحرب حقيقية، التي لا يمكن أن تتسامح معها واشنطن"، واتهم ترامب بأنه خدع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء قمة العشرين.
وتلفت رايت إلى أن بولتون خدم مع إدارة ريغان وبوش الأب والابن، وعرف بمواقفه الصقورية، وعينه بوش الابن مساعدا لوزير التحكم بالسلاح والأمن الدولي، وفشل عندما عينه عام 2005 لتولي منصب سفير واشنطن في الأمم المتحدة في الحصول على موافقة الكونغرس، ولهذا استغل بوش عطلة الكونغرس وعينه، مشيرة إلى أنه كان في الأمم المتحدة شخصية غريبة، وكتب في عام 1994: "لا توجد هناك أمم متحدة، بل مجتمع دولي تقوده الدولة الأعظم الباقية وهي الولايات المتحدة، بحسب ما يخدم مصالحنا ويتبعنا الآخرون"، وقال لاحقا إن السكرتارية العامة في نيويورك هي بناية من 30 طابقا فلو خسرت 10 منها فلن يكون هناك فرق.
وتقول الكاتبة إنها عندما قامت بتغطية أخبار إدارة بوش فإنها سمعت الكثير من التذمر حول بولتون، الذي كان مثيرا للجدل، ولم يتفق مع وزير الخارجية كولن باول، وبعده كوندوليزا رايس، وبعدها اختلف مع الرئيس، الذي نقلت ما قاله صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2008: "دعوني اعترف بأنني لا اعتبر بولتون ذا مصداقية"، ورد بولتون في مقال في "وول ستريت جورنال"، قائلا إن "لا شيء يمكن أن يمحو الحزن الذي لا يوصف حول هذه الرئاسة، والانهيار الفكري الكامل الذي تعاني منه".
وتفيد المجلة بأن مؤيديه يدافعون عن خبرته، حيث يقول جون بيلنجر، الذي عمل في مجلس الأمن القومي والخارجية، وعمل مع بولتون، إنه "الوحيد في البيت الأبيض الذي يتمتع بخبرة في العلاقات الثنائية والمتعددة"، ويضيف أنه تفاوض مع عدد من حكومات العالم، وخبرته مفيدة لترامب، مشيرا إلى أنه ساهم في التفاوض مع كوريا الشمالية عندما كان في الأمم المتحدة، وقرع الموقعين على معاهدة روما لإنشاء محكمة الجنايات الدولية، ويقول بيلنجر إنه "ليس من مشجعي القانون الدولي أو المؤسسات الدولية التي قد تؤثر على سيادة أمريكا".
وبحسب التقرير، فإن ترشيح بولتون لمجلس الأمن القومي أثار موجة من ردود الفعل، وكتب جون سولتز، وهو أحد المحاربين في العراق ومسؤول جماعة "فوت فيتز"، وهي أكبر مجموعة للمحاربين السابقين، أن تعيين بولتون "مثير للخوف".
وتختم "نيويوركر" تقريرها بالإشارة إلى قول سولتز في تصريح: "الرجل الذي أدى دورا محوريا في إرسالي وآلاف الآلاف إلى العراق, أصبح الآن مستشار ترامب للأمن القومي، ويجب ألا نكون مخطئين، فلا توجد حرب لتغيير النظام لم يكن فيها بولتون، فهو لا ينظر للجنود على أنهم بشر لديهم عائلات، بل مصدر يمكن التخلص منه في لعبة المخاطرة التي يقوم بها، ونحن اليوم أقرب للحرب مع كوريا وإيران"، واتهم ترامب بالكذب على الناخبين، حيث سيتم إرسال الجنود للحرب الآن.
العميد اللبناني هشام جابر الخبير العسكري والاستراتيجي ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات أكد هذه المخاوف قائلاً: إنه بدا واضحا أن الرئيس الأمريكي الجديد ولم تمض السنة علي ولايته بدأ بتغيير في إدارته علي نحو دراماتيكي لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة، فمنصب وزير الخارجية في عهود كل الرؤساء وكذلك مستشار الأمن القومي لم يكن يتغير إلا لأسباب قاهرة؛ وليس لهذا تفسير إلا غرام ترامب بالبحث عن المتطرفين.
غير أن جابر أوضح أن هناك ما يطمئن من هذه المخاوف: الأول هو رأي البنتاجون الذي عادة ما يكون محسوبا بدقة قبل أي خطوة عسكرية، والثاني هو الكابح الروسي في المنطقة فروسيا ليست علي استعداد لأن تغامر بمصالحها وبما أنجزته في سوريا علي مدي سبع سنوات من الحرب.
من جانبه قلل مهدي عفيفي العضو السابق في الحزب الديمقراطي الأمريكي من مخاوف تلك التغييرات علي الإدارة الأمريكية وقرارتها في المنطقة قائلاً إن ترامب وإدارته ليسوا طليقي اليد كما يتصور البعض فالسلطة التشريعية (الكونجرس) والسلطة القضائية لهما اليد العليا فيما يتعلق بالقرارات المصيرية للولايات المتحدة وهناك شواهد كثيرة علي ذلك منذ أن تسلم ترامب مقاليد الحكم.
إسرائيل: ترحيب بـ"الصديق القوي" بولتون مستشاراً للأمن القومي
هذا ورحب وزراء اسرائيليون الجمعة بتعيين الرئيس الاميركي دونالد ترامب جون بولتون المحافظ المتشدد مستشاراً للامن القومي واصفين اياه بانه صديق مؤيد لاسرائيل.
وقالت وزيرة العدل الاسرائيلية اليمينية المتشددة وهي من حزب البيت اليهودي في بيان "يواصل الرئيس الاميركي ترامب تعيين أصدقاء حقيقيين لاسرائيل في مناصب عليا، جون بولتون احد البارزين منهم، ويتمتع بخبرة واسعة ولديه تفكير أصيل استثنائي".
واضافت "هذا تعيين ممتاز... لقد اتضح ان ادارة ترامب هي الاكثر ودية لاسرائيل على الاطلاق".
اما وزير التعليم نفتالي بينيت فوصف على حسابه على تويتر هذا التعيين بانه "عظيم ".
وقال بينيت وهو رئيس حزب اليهودي "ان بولتون خبير أمني استثنائي ودبولوماسي متمرس وصديق قوي لإسرائيل".
اما وزير البيئة زئيف الكين من حزب الليكود الحاكم فقال لاحدى محطات التلفزة الاسرائيلية "هو بلا شك صديق مقرا لاسرائيل منذ سنوات عديدة، بما فيها سنوات عمله في منصب سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة. ليس لدي اي شك في أننا سنكون مرتاحين للعمل معه".
جون بولتون المخضرم في إدارة الرئيس الاسبق جورج دبليو بوش وأحد قادة "الصقور" في صفوف الجمهوريين يمثل جزءاً من أولئك الذين يدعون إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته الدول الكبرى مع طهران في 2015 من أجل الحؤول دون حيازتها السلاح النووي.
وهو موقف يتناسب مع وعود ترامب الانتخابية الذي هدد بالانسحاب من الاتفاق في حال عدم تعديله لجهة تشديده، ومع المواقف الاسرائيلية.
ويؤيد بولتون كذلك الحروب الاستباقية اذ كان أحد مهندسي غزو العراق في 2003. وهو موقف يتخذ أبعاداً مدوية مع اقتراب القمة التاريخية المرتقبة بين دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون.
https://telegram.me/buratha