أثار قرار رئيس الحكومة العراقية المنصرفة نوري المالكي منح وزير النقل عامر عبد الجبار إجازة إجبارية، الكثير من ردود الأفعال السياسية، ففي حين اعتبر الوزير أن القرار جائر، أكد نائب عن الائتلاف الوطني أن إحلال وزيرين وكالة بدلا عن وزيري الكهرباء والنقل إجراء غير دستوري ومن شأنه "التشجيع" على الفساد، بينما رأى نائب بدولة القانون أن هذه الخطوة طبيعية وتأتي في إطار عملية ترشيق الوزارات، إلا أن محللا سياسيا لفت إلى أن قرارات المالكي تعطي نوعا من الهبات المتمثلة بالوزارات لأشخاص مقربين منه.
وكانت الحكومة العراقية، أعلنت في السابع من الشهر الجاري، منح وزير النقل عامر عبد الجبار إجازة إجبارية بأمر من رئيس الحكومة نوري المالكي، وتعيين وزير الأمن الوطني الحالي شيروان الوائلي وزيرا للنقل بالوكالة، لافتة إلى أن الوزير المجاز متهم بـ"سوء الإدارة"، علماً أن القرار المذكور، هو الثاني من نوعه خلال أسبوعين بعد إقدام وزير الكهرباء كريم وحيد على تقديم استقالته وإسناد مهمة إدارة الوزارة بالوكالة لوزير النفط حسين الشهرستاني.
القرار جائر فأنا الوزير الوحيد الذي حول شركات خاسرة لرابحةويقول وزير النقل العراقي عامر عبد الجبار، في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن قرار وضعه في الإجازة الجبرية من قبل رئاسة الوزراء "جائر واعتبره تجاوزا على البرلمان الذي منح الثقة للوزراء، وأطالب بالنظر بقانونية هذه الإجازة"، متسائلا في الوقت نفسه "لماذا يعطى وزير إجازة ولم يتبق من عمر الحكومة إلا أيام معدودة؟".
ويؤكد عبد الجبار أنه "حصل في الفترة الأخيرة على كتاب شكر وتقدير من رئيس الوزراء نوري المالكي، إضافة إلى أنه قبل صدور القرار بأسبوع طالب وزير المالية (باقر الزبيدي) في اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة الخطة الإستراتيجية للسنوات الثلاث المقبلة، بتقديم الشكر والتقدير لي لأني الوزير العراقي الوحيد الذي حول الشركات الخاسرة إلى رابحة"، وفقاً لقوله.
ويستدرك وزير النقل المجاز "إذا كانت صلاحيات منح الإجازات الإجبارية موجودة لدى رئيس الوزراء، فلماذا يقول دائما إن بعض الوزراء مفروضون عليه؟"، موضحا "بمعنى آخر أن أي وزير يخل بأدائه كان بإمكان رئيس الوزراء أن يعطيه إجازة إجبارية، ولا داعي للرجوع للبرلمان المعني بالتعيين والإقالة، فهذه الإجازة تعني إقالة بدون العودة للبرلمان".
ويعاتب عبد الجبار الوزراء العراقيين بقوله "صحيح أنني لا انتمي لأي حزب من الأحزاب التي ينتمون إليها أي مكشوف الظهر، لكن هذا لا يعني تعرضي لهذه الهجمة والطعن بانجازاتي وأعمالي"، داعيا إياهم إلى "النظر بقانونية الإجازة الإجبارية، لأننا نعلم أن هناك إجازة مرضية واعتيادية، ولم نسمع أي شيء عن إجازة إجبارية".
المالكي يحجز وزارات كـ"رشوة" لأشخاص معينين من جهته، يقول النائب عن الائتلاف الوطني العراقي محمد مهدي البياتي، إن "وضع وزير النقل في إجازة إجبارية، في الأيام الأخيرة من عمر الحكومة، يعد إجراء غير دستوري، ولا يمكن تفسيره إلا بأن المالكي يسعى إلى حجز وزارات لأشخاص معينين، غير آبه باستمرار الفساد"، مبدياً خشيته "من حدوث كارثة في المرحلة المقبلة عندما يتم توزيع المناصب".
ويضيف البياتي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "وزيري النقل والكهرباء إضافة إلى وزير النفط حسين الشهرستاني، كان من المفترض أن يقالوا قبل أكثر من سنة"، متسائلاً حول "الأسباب التي حالت حتى الآن دون إقالة وزير النفط الذي سبق أن علت أصوات كثيرة مطالبة بإقالته".
ويوضح "وبما أن الشهرستاني هو من كتلة المستقلين المنضوية تحت ائتلاف دولة القانون، وشيروان الوائلي من تنظيم العراق المنضوي في الائتلاف نفسه، فإن تسليمهما مناصب بالوكالة هو بمثابة رشوة لهما ومحاولة من المالكي لحجز وزارات لهما منذ الآن"، على حد تعبيره.
دولة القانون: الهدف هو ترشيق الوزاراتبدوره، ينفي القيادي في ائتلاف دولة القانون علي الأديب، ما تردد عن أن إقدام رئيس الحكومة نوري المالكي على "خطوته التطهيرية" هذه جاءت بهدف إرضاء جهات معينة، مؤكدا أن "هذا الأمر غير صحيح".
ويشير الأديب إلى أن "الهدف بالدرجة الأولى من هذه الخطوة هو ترشيق الوزارات التي باتت من المسائل المطروحة على بساط البحث حاليا في حوارات الكتل، إضافة إلى أن الحاجة ملحة لدمج وزارات متشابهة في اختصاصها بعضها مع بعض"، حسب تعبيره.
ويجري الحديث الآن بعد تولي وزير النفط حسين الشهرستاني وزارة الكهرباء وكالة، إلى دمج هاتين الوزارتين تحت مسمى وزارة الطاقة، في حين أكدت الحكومة العراقية أن هذا الأمر متعلق ببعض المسائل منها إكمال البنى التحتية لعقود جولات التراخيص التي تجريها وزارة النفط، إضافة إلى أن أسبابا فنية تتعلق بطبيعة عمل الوزارتين وسوء التنسيق الذي رافقهما خلال الفترة الماضية.
ويؤكد الأديب وهو مقرب من رئيس الحكومة المنصرفة نوري المالكي في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "قرار وضع وزير النقل في إجازة إجبارية قرار نهائي لا عودة عنه، ويعود بشكل أساسي إلى امتناعه عن تطبيق قرار مجلس الوزراء القاضي بإعلان إفلاس شركة الخطوط الجوية العراقية، ولا علاقة له بالملفات السلبية التي تحيط به".
وكانت وزارة النقل العراقية شهدت انتكاسات عدة خلال الفترة الأخيرة، تمثلت أهمها بحل شركة الخطوط الجوية العراقية التابعة للوزارة، والذي جاء على خلفية تقييد حركة الطيران العراقي بسبب إصرار الكويت على المطالبة بديونها عن الأضرار التي لحقت بقطاع الطيران الكويتي إبان حرب صدام على الكويت.
وعُين وزير النقل عامر عبد الجبار، في منصبه بعد مصادقة مجلس النواب العراقي على ترشيحه من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في التاسع عشر من شهر تموز عام 2008، وهو من مواليد مدينة البصرة عام 1962 وحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة البحرية من أكاديمية الخليج العربي عام 1986، وأكمل دراسته فيها وحصل على شهادة رئيس مهندسين بحريين عام 1996، كما عمل في عدة شركات لنقل النفط العراقية والعربية والأجنبية.
محلل: إنها محاولة للاستيلاء على السلطةفي المقابل، يشير المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، إلى أن "اللافت في تعيين الوزيرين البديلين "الشهرستاني والوائلي"، أنهما من الخط المقرب للمالكي، الأمر الذي يفسر بأنها محاولة للاستيلاء على السلطة، كما لا يمكننا الجزم بأن الوزيرين البديلين أكثر كفاءة من سلفيهما"، على حد تعبيره.
ويضيف في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "الحكومة برمتها الآن منتهية الولاية، وبالتالي لا تعتبر خطوة إقالة عامر عبد الجبار، أو كريم وحيد، نافذة"، مشيراً إلى أن "كل ما في الأمر هو أن السلطة التنفيذية تحاول الآن أن تثبت قدرتها على اتخاذ قرارات، والدفاع عن تقديم الخدمات للمواطنين في الوقت الضائع حين لم تعد تنفع مثل تلك التبريرات"، بحسب قوله.
ويوضح الصميدعي أن "الجميع كان يعرف أن عامر عبد الجبار هو الأكثر فشلا في تاريخ وزارة النقل، ومن الطبيعي أن تثار تساؤلات حول توقيت قرار إبعاده، هل هو اختلاف؟ أم تقاطع حزبي؟ أم مصلحة شخصية؟"، مؤكداً أن "القرارات التي اتخذت بتكليف وزراء بالوكالة هي من نوع الهبات، على طريقة إعطاء من لا يملك، لمن لا يستحق"، وفقاً لقوله.
وكانت السفارة الأميركية في بغداد أصدرت خلال صيف 2008 تقريراً عن حكومة المالكي آنذاك وأشارت فيه إلى أن "الحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي يستشري الفساد بها، إضافة إلى أنها تقوم بعرقلة سير التحقيقات حول عمليات الفساد التي تشهدها أغلب الوزارات"، في حين أكد مكتب المحاسبة والشفافية الأميركي أن "أكثر الوزارات العراقية تعرضا للفساد هي وزارة النفط ثم وزارة الداخلية".
ويرى مراقبون أن الوزارات العراقية في حكومة نوري المالكي المنصرفة تدار المسؤولية فيها عن طريق الحزب الحاكم "الدعوة" وبصورة مباشرة، بالرغم من كل التأكيدات التي يطلقها الوزراء والمسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم المالكي بوضع خطط وبرامج لمحاربة الفساد وتحييده.
يذكر أن قضية تولي الوزارة العراقية بالوكالة من قبل وزراء آخرين، تعد السمة الأبرز خلال فترة الحكومة المنتهية ولايتها، حيث تمت إدارة أكثر من خمس وزارات بالوكالة بعد استقالة وزراء جبهة التوافق، والتيار الصدري خلال عامي 2006 و2007، فضلا عن تولي وزير الدولة لشؤون البرلمان منصب وزير التجارة بالوكالة، بعد استقالة وزيرها عبد الفلاح السوداني في حزيران عام 2009، وتدار اغلب المناصب المهمة في الدولة العراقية بالوكالة حيث تم تعيين أغلب وكلاء الوزارات وقادة الفرق والألوية من قبل رئيس الوزراء من دون الرجوع للبرلمان.
https://telegram.me/buratha