تروي مراسلة صحيفة "الاوبزرفر" قصة بيداء عبد الكريم الشمري، وهي عراقية من منطقة بعقوبة الجديدة تحولت بفعل الظروف المحيطة بها إلى انتحارية، واعتقلت العام الماضي، ومنذ ذلك الحين لم تر أي أحد من أفراد عائلاتها التي قتل خمسة منهم بسبب تصنيعهم للمتفجرات.
بيداء، واحدة من 16 انتحارية ألقت شرطة محافظة ديالي القبض عليهن منذ أوائل عام 2008. وكان عدد مماثل تقريبا من الانتحاريات فجرن أنفسهن في عمليات سابقة. وتقول المراسلة البريطانية اليسا روبن في صحيفة "الاوبزرفر" إنها عندما التقت بيداء في شباط/فبراير كان قد مضى أكثر من شهرين على سجنها في زنزانة مع فتاة اسمها رانية ضبطت متلبسة وهي في العقد الخامس عشر من عمرها، ترتدي سترة ناسفة، وأمها أيضا في السجن للاشتباه بعلاقتها مع الضالعين في محاولة تدبير موت ابنتها.
لكل فتاة من هؤلاء قصة فريدة، ولكن لرحلاتهن إلى الجهاد سمات مشتركة أيضا. فالعديد منهن فقدن قريبا أو عزيزاً، وبيداء ورانية فقدتا الأبوين واشقاء. والعديد من الفتيات يعشن في قرى معزولة يسيطر عليها المتطرفون حيث التأويل الراديكالي للاسلام هو القاعدة.
وفي مثل هذه الاماكن كثيرا ما تكون المرأة عاجزة عن تقرير الشيء الكثير من حياتها. فهي مثلا لا تستطيع ان تختار زوجها أو عدد الاطفال الذين تريد انجابهم أو مواصلة تعليمها بعد المرحلة الابتدائية. وتكون العمليات الانتحارية خيارا من نوع ما يمنح بعض النساء إحساسا بكونهن صاحبات خصوصية ومصير متميز.
ولكن الرائد هشام التميمي مدير مكتب التحقيقات الجنائية وقت زيارة الصحفية البريطانية ينصح بعدم التعميم وهو يقول إن كل هذه القضايا تختلف عن بعضها البعض. فهناك نساء كبيرات وهناك فتيات شابات وهناك مجرمات عاديات وبعضهن مؤمنات. ويضيف ان لدى هؤلاء النساء اسبابا مختلفة.
بيداء فتاة لها وجه مكشوف وبشرة شاحبة، ذات قوام متوسط وسلوك متواضع. حجابها الأسود بسيط تخرج منه بضع خصلات من شعرها الكستنائي في اشارة الى انها محافظة لكنها ليست متزمتة. بدت متعلمة وروت قصتها بطريقة بسيطة مباشرة. بدأت قصتها بصوت خافت: "اسمي بيداء عبد الكريم الشمري، وأنا من منطقة بعقوبة الجديدة قرب المستشفى العام. أنا واحدة من ثمانية، خمسة منهم قُتلوا. الشرطة دهمت منزلنا، قبل نصف ساعة على بزوغ الفجر خلال شهر رمضان. وكان الاميركيون معهم".
اضافت بيداء بنبرة اعتزاز: "كان اخوتي مجاهدين يصنعون عبوات ناسفة". وقالت إنها كانت تساعدهم في صنع هذه العبوات بالذهاب الى السوق لشراء الاسلاك ومكونات اخرى والعمل على تركيب العبوات. ويُدفع عادة أجر للرجال الذين يقومون بهذا العمل وكذلك للنساء ولكن أجرهن اقل. بيداء كانت فخورة بالتطوع لهذا العمل وقالت "كنا نقاتل ضد الأميركيين، وهم الاحتلال. نحن نفعل ذلك في سبيل الله، ونفعل ذلك للجهاد".
وبيداء كانت في السابعة عشرة عندما توفيت والدتها وبعد اشهر قليلة تزوجت بناء على مشيئة والدها. وعلى الفور تقريبا أدركت خطأها. فبعد اسبوع على الزفاف رماها زوجها بصحن من القيمر على رأسها وسرعان ما اصبح ضربها عملية روتينية. ابتسمت بيداء وهزت كتفيها قائلة: "إن يده اعتادت على ضربي".
بعد مقتل اشقائها ووالدها بدأت بيداء تعمل مع عدد من ابناء عمومتها. كانوا ايضا مقاتلين وأشد تطرفا من اشقائها. احدهم قتل في عمالية انتحارية ولكنه قبل ذلك قدمها الى مجموعة تُدار من سوريا، وعلى ارتباط بجماعة "دولة العراق الاسلامية". ومن اهداف الجماعة اعداد رجال ونساء لتنفيذ عمليات انتحارية. وقالت بيداء للصحفية البريطانية إنها يمكن أن تعرِّفها عليهم مضيفة: "تستطيعين ان تلتقيهم لأنهم طلقاء".
لم تخطط بيداء للتحول الى انتحارية. وكانت رفيقاتها في الزنزانة اعلن استعدادهن لتنفيذ مهمات انتحارية امام الجماعة في تعهد علني يشير الى قبولهن فكرة الموت المحتوم الذي يحقق عضويتهن في جماعة مختارة. خيار بيداء أن تصبح انتحارية لم يكن بارادتها تماما. فأن الستر الناسفة التي تُعطى الى المشاركات كانت ترتبط بصواعق تعمل بالتحكم عن بعد بحيث يمكن لشخص آخر ان يفجر الانتحارية إذا لم تتمكن هي من تفجير نفسها.
وكان هذا جانبا جديدا نسبيا في التفجيرات الانتحارية في العراق. وكان شخص ثان يرتدي سترة ناسفة يخرج في مهمة انتحارية كضمانة في حال تعدل الانتحارية الاولى عن قرارها. وقالت بيداء: "ذات يوم جاءت هذه المرأة، اسمها شيماء، وقالت "أنا جاهزة". رأيت شيماء عندما ألبسوها السترة. كانت ثقيلة جدا. في حالة شيماء هم الذين فجروها، لم تفجر نفسها. وقتل خمسة أو ستة اشخاص".
تقول الصحفية البريطانية اليسا روبن إنها يوم التقت بيداء كانت متلهفة لمواصلة مهمتها، تنتظر اليوم الذي يُطلق سراحها من السجن كي تتمكن من أخذ سترتها التي قالت انها محفوظة لها. (لم توجه تهمة بارتكاب اي جريمة الى بيداء). بدا ان بيداء قطعت صلتها بكل الاشياء الدنيوية. لم تر ولديها وابنتها منذ القاء القبض عليها العام الماضي. وعندما سُئلت إن كانت مشتاقة اليهم قالت بلهجة تكاد تكون غير مبالية "الله يرعاهم".
قالت بيداء إنها ستنقل إلى مستشفى للإمراض النفسية في بغداد وانها خائفة. وعندما سألتها الصحفية البريطانية كيف يمكن ان تتصل بها اتضح انها هرَّبت هاتفا محمولا الى داخل السجن وأخفت الشريحة الالكترونية (السيم كارت) في ملابسها الداخلية. وذات مرة اكتُشف أمر الهاتف المحمول ـ مخفيا في تأسيسات الانارة في سقف الزنزانة ـ وصودر لكنها تمكنت بطريقة ما من الحصول على هاتف آخر. وقالت بيداء بصوت خافت "انهم لا يعرفون" مشيرة برأسها الى افراد الشرطة الذين كانوا يشاهدون شريط فيديو غنائي. وتقول الصحفية اليسا روبن انها شعرت بموجة قلق تنتابها فان بيداء هذه "لم تكن مبتدئة".
https://telegram.me/buratha