نشرت صحيفة نيو يورك تايمز، الاحد، تقريرا مفصلا عن علاقة الجماعات الارهابية بسرقة النفط العراقي، وصفت فيه تفاصيل عمليات الاتجار بالمخزون النفطي في مصفى بيجي شمال بغداد. وقالت الصحيفة في عددها الذي صدر الاحد، ان مصافي بيجي، بابراجها التي ترتفع قبالة مرتفعات حمرين، قد تكون الموقع الصناعي الاكثر اهمية في منطقة تقطنها اغلبية من العرب السنة في العراق.
ويقول مراسل الصحيفة الذي اعد التقرير من مدينة بيجي انه شاهد في احد النهارات ما يقارب الـ(500) ناقلة نفط تغادر المصفى، وخزاناتها تمتلئ بوقود تبلغ قيمته (10) ملايين دولار. وتقول الصحيفة ان "بحر النفط الذي يقع تحت العراق يفترض ان يعيد بناء هذه الامة، ثم يجعلها مزدهرة. الا ان ثلث وقود اكبر مصفى عراقي، بل اكثر من ذلك، يتحول الى السوق السوداء، طبقا لما يقوله مسؤولون امريكيون عسكريون. اذ تخطف الناقلات، وتدفع الرشى للسائقين، وتزور الاوراق، ويتم التلاعب بالمقاييس، ويمضي جزء من الواردات الى جماعات تمرد ما زالت الى اليوم تواصل قتل ما يزيد عن (100) عراقي اسبوعيا."
ويقول الكابتن جو دا سيلفا، الذي يتولى قيادة عدة فصائل تستقر في المصفى، "انها خزنة مال التمرد،" في اشارة الى المصفى. وتتابع الصحيفة قولها انه بعد مضي خمس سنوات من بدء حرب العراق، "ما زال التمرد قوة قاتلة، واحد الاسباب في ذلك هو تدفق الاموال المضطرد للجماعات الارهابية المسلحة على الرغم من ان زيادة حجم القوات الاميركية وتجنيد متمردين سابقين ( ارهابيين ) في ميليشيات مدعومة من جانب الاميركيين، قد اسهم في خفض مستويات الهجمات عما كانت عليه في العام (2005)."
وتتابع الصحيفة قولها "ان المال، وهو في الحقيقة اكبر من ايديولوجيا الجهاد، دافع حاسم بالنسبة لغالبية المتمردين السنة ( الارهابيين )، طبقا لضباط اميركيين في بعض المحافظات السنية، ومسؤولين عسكريين اخرين في مناطق من العراق، من الذين اطلعوا على تحقيقات لمحتجزين ومعلومات استخبارية عن التمرد في العراق."وعلى الرغم من ان "الكثير من المسؤولين العسكريين، وسياسيين امريكيين، بل حتى جمهور العراقيين يستخدمون تعبير "القاعدة" كمرادف للتمرد، الا ان بعض الخبراء، يقولون انهم يرون ان عدد الملتزمين بالايديولوجيا الدينية يظل صغيرا بين صفوف جماعات التمرد. ويقولون ان اغلب جماعات التمرد تدير الاموال وتنفقها بنحو مستقل تماما، وما فيها الا القليل من المركزية او التوجيه."
وتقول الصحيفة ان "المال المتأتي من الاحتيال في العراق، ومن ممولين اجانب في المنطقة، كالسعودية، تسمح لخلايا التمرد المنفصلة واللامركزية، بتجنيد اناس ودفع الاموال لهم لتنفيذ هجمات." وتتابع الصحيفة "لكن التركيز على المال هو موضع ضعف التمرد وقوته في الوقت نفسه، وأحد الاسباب التي يمكن المتاجرة بها. فحتى الان، هناك على الاقل (91) الف عراقي، اغلبهم اعداء سابقين للقوات الاميركية، يتلقون اجورا منتظمة من الاميركيين لعملهم في ميليشيات لحماية احيائهم."
ويقول مسؤول رفيع المستوى في الجيش الاميركي ان لامر "يتعلق بالمال اكبر بكثير من تعلقه بايديولوجيا،" مضيفا أن "الدراسات التي خضع لها معتقلون في مراكز احتجاز اميركية، وجدت ان حوالي ثلاثة ارباعهم لا يلتزمون بالايدويولوجيا الجهادية." وقال ان "الاغلبية الساحقة منهم لا يكترثون بالخلافة او بالايديولوجيا المركزية لدى القاعدة."
وتعلق الصحيفة بقولها ان "الفساد الذي يؤدي بالمال الى ايدي التمرد، محصور بشدة في مصفى بيجي، التي زارها احد مراسلي الصحيفة الشهر الماضي. ففي الموصل، على سبيل المثال، يجني المتمردون الاموال من مصانع الصودا والاسمنت، كما قال ضباط اميركيون."
وتواصل الصحيفة ان المتمردين في الموصل "يجمعون الاموال ايضا من اعمال الخطف مقابل فدية، ومن ابتزاز نسبة (5 الى 20%) من قيمة العقود المحلية التي يحصل عليها رجال اعمال من الحكومة، كما يقول خسرو غوران، نائب محافظ نينوى."
كما ان مسؤولا عسكريا مطلع على دراسات بشان الارهاب "قدّر ان نصف اموال الارهاب يأتي من خارج العراق، غالبيتها من اشخاص في السعودية، وهو تدفق لم يبد عليه انخفاض في السنوات الاخيرة."
وتقارن الصحيفة عن وضع ما قبل غزو العراق، فتقول ان "ثمانية محطات للبنزين كانت في المنطقة المحيطة بقضاء الشرقاط، الواقع على بعد ساعة شمال المحافظة التي يتحدر منها صدام حسين، صلاح الدين. والان هناك اكثر من 50 محطة."
وتتساءل الصحيفة: هل هذا دليل على نمو اقتصادي؟ وتجيب ان ليس هذا هو الحال بالضبط. وتفسر ان ذلك هو "احد الخطط الجريئة التي تغذي تجار السوق السوداء بالاموال. فمعظم الناقلات التي تتوجه الى الشرقاط تفرغ حمولاتها في تلك المحطات." وبهذا الصدد يقول طه محمود احمد، المسؤول المشرف على توزيع الوقود في محافظة صلاح الدين، ان الامر "كله خدعة"، مشيرا الى تلك المحطات. ويضيف ان "الوقود لا يذهب الى المحطات، بل يذهب الى السوق السوداء."
وتعلق الصحيفة بقولها ان محطات الوقود غالبا ما تقام للحصول على حق نقل الوقود، والمعونات الحكومية، ليباع مرة اخرى في الاسواق السوداء وباسعار مرتفعة. فبناء محطة جديدة يكلف ما يربو على (100.000) دولار، الا ان ارباح السوق السوداء من ست او سبع شاحنات يغطي تلك التكاليف باكملها، وما سيأتي بعد ذلك فهو محض ارباح." كما يقول مسؤولون درسوا تلك الخطط.
وتتطلب الخطة ايضا، بحسب الصحيفة، "رشوة مسؤولين في المحافظة وفي بغداد." وتنقل الصحيفة عن العقيد محسن عواد حبيب، وهو من اهالي الشرقاط ويتولى الان قيادة شرطة الصينية، بالقرب من بيجي، أن "مالكي محطات البنزين المزيفة ابلغوه انهم دفعوا (20.000) دولار، كرشى لمسؤول في وزارة النفط ببغداد للحصول على اوراق ترخيص، وبعدها يبتز مسؤولون في المحافظة والقضاء حصتهم من المال." ويقول حبيب ان "في كل محطة تجد حصص لمسؤولين عراقيين كبار."
وتواصل الصحيفة قولها ان في بيجي، "هناك العشرات من الجماعات الارهابية الفاعلة التي تتغذى من الفساد المتفشي في المصفى." بحسب ما يذكر الملازم أول علي شاكر، قائد وحدة الشرطة شبه العسكرية، الذي قال لمراسل الصحيفة "لو أمليت عليك الاسماء كلها، لتعبت يداك" من الكتابة.
ويضيف الملازم اول شاكر، ان "اكثر جماعات الارهاب استقطابا هي التي تدفع اموالا اكثر الى مقاتليها." مبديا تذمره من ان القسم الاكبر من ثرائهم "هو انهم يسرقون ولا يُحاكمون." وقال المتحدث ان هناك شبكة اخرى تتضمن شركات نقل "يملكها رجل على علاقة بالارهاب ، وهو ايضا من اقارب رئيس بلدية بيجي." ويشرح كيف ان الناقلات "تأخذ الوقود من المصفى وتفرغه جنوب تكريت." ويقول ان القاء القبض على هؤلاء "ضرب من العبث، لأن مسؤولين في المحافظة سيطلقون سراح الجناة فورا."ويضيف "ماذا بمقدوري ان افعل؟ فبعد نصف ساعة يطلق سراحهم."
وتشير صحيفة نيو يورك تايمز، الى انه في العام الماضي، قدّر البنتاغون ان (70%) تقريبا من انتاج مصفى بيجي، او ما قيمته (2) مليار دولار من الوقود، مثل البنزين، والكيروسين (النفط الابيض)، والديزل (الكاز)، تختفي سنويا في الاسواق السوداء.
https://telegram.me/buratha