«لم يكن جسرا، بل هو جزء من تاريخ بغداد وتراثها القديم».. بهذه الكلمات ابتدأ الحاج حسين العزاوي كلامه مع «الشرق الاوسط» وهو يقف مع مجموعة كبيرة من أهالي المناطق المجاورة على بعد 100 متر تقريبا من موقع جسر الصرافية الذي تم تدمير أجزاء كبيرة منه في ساعات الصباح الاولى أول من امس بفعل شاحنة مفخخة وضعت في وسطه بالتحديد.
وقف الجميع ليشاهدوا الدمار والخراب الذي لحق بالجسر الذي يربط جانبي العاصمة (الرصافة والكرخ)، وتعود بعضهم على السير فيه وعبوره يوميا بحكم عملهم، وسالت الدموع من أعينهم كلما رفعوا رؤوسهم ونظروا الى الجسر المدمر.
قال العزاوي، 72 عاما، بلهجة بطيئة «ان هذا العمل لا يدل إلا على شيء وحيد وقاطع ان العراق وشعبه وحضارته وتاريخه وثقافته هو المستهدف الرئيسي من وراء مثل هذه العمليات وليست جهة او طرف معين، كذلك فهو دليل آخر على ان من يقوم بعمليات التفجير واستهداف البنى التحتية للعراق ومؤسساته، هو عدوا لهذا الوطن وشعبه مهما كانت جنسيته او الاسباب التي دفعته للقيام بهذه الأعمال الاجرامية غير البشرية».
وأضاف الحاج حسين الذي تملكته حالة من الغضب «الغاية من تفجير الجسور ووضع الخطوط الحمراء أمام المواطنين ومنعهم من دخول بعض الأحياء في مدينة بغداد، هو رسالة واضحة يريد الإرهابيون إيصالها الى العالم بأن هناك تمزقا في النسيج الاجتماعي بين سكان العاصمة وحالة من التحارب الطائفي ونوعا من عدم التعايش بين المذاهب والأقليات المتعايشة منذ مئات السنيين؛ وهي رسالة خاطئة وغير صحيحة، وعلى الجميع الانتباه لها ووضع حدود لكل من يريد خلق هذه الحالة والوقوف بكل قوة بوجه هؤلاء المرتزقة الغرباء عن العراق وأهله».
وأوضح العزاوي أن جسر الصرافية له ذكريات جميلة مع البغداديين وخصوصا أهالي مناطق العطيفية والكسرة والصرافية والكرنتينة والرحمانية، وهي مناطق تقع بعضها بمحاذاة الجسر او قريبة منه؛ ففي السابق كان أهالي هذه المناطق وجلهم من الفقراء والبسطاء يعبرون الجسر مشيا على الاقدام لزيارة أقاربهم أو ذويهم الذين يسكنون في المناطق في الطرف الآخر من الجسر، كما هو الحال بالنسبة لأهالي منطقة الكسرة التي تقع بجانب الرصافة وأهالي منطقة العطيفية الأولى التي تقع في الطرف الآخر من الجسر بجانب الكرخ، والأمر نفسه ينطبق على أهالي الكرنتينة والصرافية من جهة وأهالي الرحمانية والعطيفية الثانية من جهة اخرى، كما انهم تعودوا على السير فيه ايام الصيف الحار وبالتحديد في أوقات المساء للتخفيف من معاناتهم من جراء الحر الشديد الذي يعانون منه في هذه الايام الحارة من خلال الاستمتاع بالمرور فوق نهر دجلة الذي تكون فيه نسمات الهواء باردة نوعا ما، كما وانه يربط بين منطقتين تكثر فيها البساتين والأشجار والمتنزهات والمقاهي والكازينوهات التي تقع على نهر دجلة مباشرة.
من جهته، قال عبد الوهاب العزاوي، 33 عاما، وهو أحد أحفاد الحاج حسين «لم أرغب بالمجيء الى هنا والنظر الى الجسر لأني تألمت كثيرا عند سماعي للخبر، لكن وبعد الحاح جدي للذهاب ومشاهدة ما لحق بالجسر من أضرار بالرغم مما يعانيه، قمت باصطحابه مشيا على الاقدام لكي ينظر الى ما جرى للجسر الذي كان متعودا على اجتيازه يوميا بحكم عمله في منطقة العطيفية بالقرب من مستشفى الكرخ العام، ونحن نسكن في الجهة المقابلة وبالتحديد في منطقة العيواضية، وبعد أن رأينا ما حل بالجسر من دمار لم يستطع جدي تحمل ذلك وأغمي عليه فورا وسقط على الارض وبعدها بدأ بالبكاء كأنما فقد أحد أبنائه». وأضاف «بعد ان طلبت من رجال الشرطة الذين تعج بهم المنطقة حمله في احدى السيارات لكي اعود به الى البيت، رفض ذلك وطلب مني البقاء لفترة اطول، وبقيت جالسا معه لمدة ثلاث ساعات تقريبا وهو ينظر للجسر ويبكي بعدها، وليس جدي فقط الذي بكى فأغلب الذين حضروا عند الجسر رأيت دموعهم تنهمر على خدودهم من دون إدراك، وهذا هو معدن العراقي الأصيل يتألم لو شاهد الدمار والخراب والقتل يعصف بأبناء جلدته وتراثهم وحضارتهم».
أما مناف هاشم، 36 عاما، وهو من أهالي منطقة الكسرة، فقال «انتابتني حالة من الهستيريا عند رؤيتي للجسر، فلم أستطيع مقاومة البكاء وكأنما بيتي قد هدم وليس الجسر، وأصبحت أسيرا بدون وعي في الشوارع لحين وصولي الى البيت الذي لم أدخله كلما وصلت اليه، وانما أعود أدراجي لأسير مجددا في الشوارع والطرقات لعلي أنسى ما حل بالجسر، لكن من دون فائدة، فلم تفارق مخيلتي مشاهد الدمار والخراب الذي لحق بجسر الصرافية».
وأوضح هاشم وهو موظف حكومي أن لهذا الجسر ذكريات جميلة تربط شباب المنطقة به من خلال السباحة تحت ظله والاختباء من شمس الصيف الحارقة في وقت الظهيرة، وكذلك سير العائلات عليه للترفيه وقضاء الأوقات الجميلة بعد مشاهدة لنهر دجلة والمناظر الجميلة التي تنتشر على ضفاف النهر من فوق الجسر.
الشرق الاوسط
https://telegram.me/buratha