اعرب مفكرون واكاديميون عن مخاوفهم من ان ينتهي ما يمر به العراق من جمود في طريقة ادارة البلد "بداية لتكون دكتاتورية جديدة" تعتمد على سلطة المال والدولة في ظل غياب معارضة سياسية حقيقية، ودعوا الى "حركة احتجاج واعية" تسلك كل الطرق المشروعة بما فيها المطالبة باسقاط الحكومة لترسيخ اسس النظام الديموقراطي، وقالوا ان على الجماعات الشبابية مواصلة التظاهر وادراك أن مستقبل حركة الاحتجاج يكمن في قوة التنسيق بين الجميع.
وشهدت محافظات العراق امس الاول (الجمعة) عودة موجة التظاهرات في الساحات الرئيسة لا سيما ساحة التحرير في بغداد. ولاول مرة طالب المحتجون باسقاط الحكومة واعادة الانتخابات، ما اعتبره مراقبون انعطافة جديدة في حركة الاحتجاج التي بدأت في 25 شباط الماضي. وسبقت تظاهرات "جمعة البقاء" في بغداد، اغتيال الاعلامي والمخرج المسرحي هادي المهدي، احد ابرز النشطاء في حركة الاحتجاجات الاخيرة، مساء الخميس، وتعرض تشييع رمزي اقيم للمهدي لمضايقات الاجهزة الامنية التي حالت دون وصوله الى مكان التظاهر الاخير. وفي حديث مع "العالم" امس قال الدكتور فالح عبدالجبار، المفكر والاكاديمي العراقي المقيم في بيروت، ان "حركات الاحتجاج مطلوبة في العالم بشكل عام، لكن الحاجة اليها في العراق تتأكد بشكل خاص لغياب معارضة منظمة في البرلمان، ولاننا بحاجة لقطب نقدي للسلطة يعمل نوعا من التوازن بين السلطة والمجتمع".
ويضيف عبدالجبار "الاحتجاجات التي عمت العالم العربي اندلعت في نظم سياسية مغلقة لم يكن لها مستقبل ما لم يتم تفكيكها واسقاطها". ويتطرق المفكر العراقي الى الاحتجاجات العراقية بالقول "فيما يتعلق بالاحتجاجات التي شهدها العراق ينبغي ان تهدف الى المطالبة بالاصلاح لا اسقاط النظام، لان كل النظم الديمقراطية المعارضة فيها تعمل لاسقاط الحكومة لا الدولة والنظام".
وحول مستقبل حركة الاحتجاج الشبابي ومظاهر العنف المادي والمعنوي الذي تتعرض له، يقول عبدالجبار "المطلوب الاستمرار بالاحتجاج بعمق ووعي المفاهيم". ويضيف "العنف بات فولكلورا عراقيا، وهو نتيجة اسباب سياسية اولا وفنية وادارية على المستوى الثاني، اذ لا وزير دفاع ولا داخلية لحد الان، والتعيينات مبنية على المحاصصة والفساد لا الكفاءة والمهنية".
ويتابع "العراق يشهد نزعة لاحتكار السياسة والقرار"، مشيرا الى ان "ذلك يولد فجوة بين قمة القرار والاجهزة التنفيذية، لان القوى العنفية انتهازية بطبعها وتستغل اي ثغرة اجتماعية او قانونية لممارسة العنف، وكلما اتسعت الفجوة زادت ممارسة العنف".
ويطالب عبدالجبار ان "تتجه حركة الشباب باتجاه بنائي لا تدميري"، ويحذر الحكومة "من مصير النظم العربية التي سقطت"، اذا ما واصلت العنف "لان ذلك يعني عدم فهمها لتحولات المجتمع ولا الدستور ولا الديمقراطية".
ولا يخفي المفكر العراقي مخاوفه من تشكل دكتاتورية جديدة في العراق، ويقول "لدي قلق من اختلال العلاقة في النظام السياسي لان السلطة التنفيذية تنمو بشكل سرطاني في ظل سبات برلماني وانشغال السياسيين بالمناصب والامتيازات"، ويضيف "لم نشاهد من الزعماء السياسيين دفاعا امام هذا النمو السرطاني، ولا دفاعا ضد الفساد المستشري في مؤسسات الدولة". ويخلص الى ان "هذه مؤشرات مرعبة، لان الحكومة العراقية تجمع سلطة المال الى جانب السلطة السياسية"، ويرى ان "تركز السلطات ينطوي على بذور الاستبداد الاخذ بالتشكل حاليا، فالحكومة التي تمتلك سلطة المال سيكون من السهل عليها استغلال اموال النفط لشراء الشرعية الشعبية عبر صناديق الانتخابات". بدوره يؤكد حيدر سعيد، الكاتب والاكاديمي البارز، ان جو التخويف الذي تواجهه حركة احتجاج الشباب تنذر بعودة جمهورية الخوف، ويطالب بالسعي لاسقاط حكومة المالكي من خلال نزع الشرعية الشعبية عنها.
وفي مقابلة مع "العالم" امس، يقول سعيد ان "منطق السلطة بات واضحا، فهي تريد اعادة صناعة جمهورية الخوف ضد حركة الاحتجاج بدءا من الاعتقالات وجو الرعب وصولا لاغتيال بعض رموز الاحتجاجات".
ويضيف "اغتيال هادي المهدي يعتبر رسالة تهديد لانه كان عنصرا فاعلا داخل حركة الاحتجاج وشارك في جهود التنسيق داخل العراق وخارجه". ويتابع الاكاديمي العراقي المقيم في العاصمة الاردنية عمان "صناعة الرعب في المجتمع هو احد اولويات السلطة واقوى الفرضيات في اغتيال المهدي، لان السلطة لا ترى غير الهيمنة ورفض الاصوات المعارضة".
ويشدد على ان "العراق يشهد عودة نفس جو التخويف الذي ساد حقبة سبعينات القرن الماضي ابان صعود دكتاتورية البعث".
وبشأن مستقبل الاحتجاجات في ظل الضغوطات التي تواجهها، يقول حيدر سعيد "التظاهر احد اشكال الاحتجاج، يجب التفكير والبحث عن وسائل اخرى، من الممكن الحديث عن نزع الشرعية عن حكومة المالكي على المستوى الشعبي لا الدستوري"، ويوضح "بالامكان جمع مليون توقيع تطالب باسقاط حكومة المالكي، وهذه وسيلة اكثر واقعية من المطالبة باسقاطها عبر الوسائل السياسية". ويتابع "من الخطأ الانزلاق نحو السعي لنزع الشرعية الدستورية، لصعوبة هذا المطلب لانه يتعلق بالتوازنات السياسية والاقليمية، وآثاره السيئة على حركة الاحتجاج لو فشل المسعى السياسي لاسقاط حكومة المالكي".
لكن حيدر سعيد ينتقد من وصفهم بـ"المتظاهرين لاجل التظاهر"، ويؤكد ان "التظاهر في ساحة التحرير والظهور امام الاعلام بات رأسمال بعض المشاركين في الاحتجاجات، وهؤلاء لا يفكرون بوسائل اخرى، لان العامل الشخصي اصبح له تأثير واضح في الساحة". واعتبر المفكر والاكاديمي العراقي "اغتيال هادي المهدي وجه ضربة موجعة لحركة الاحتجاج التي انبثقت خلال شباط الماضي"، واضاف "يجب ان يعطي اغتيال المهدي قوة دفع وزخم لحركة الشباب، ونتوقع له ان يقضي على تناقضات على حركة الاحتجاج"، ويشدد على ان "مستقبل الاحتجاجات في العراق رهن التنسيق المتواصل بين جميع الاطراف".
ويختم سعيد بالقول ان "هادي المهدي قدم رؤية جديدة للمثقف العراقي الجالس وراء المكتب، وادخل مفهوم الشهادة الحديث على الثقافة العراقية المنزوية والنخبوية".
https://telegram.me/buratha

