دخلت اتفاقية تمديد بقاء القوات الأميركية مرحلتها الأخيرة حسب مصدر دبلوماسي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه . المصدر نفسه قال إن الاتفاقية المزمع إبرامها جاءت حصيلة مباحثات بين مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي والسفارة الأميركية، وإنها استمرت منذ الشهر العاشر من العام الماضي .
وأضاف إن الاتفاقية تتضمن إقامة تسع قواعد في خمس محافظات، وان كلا من هذه القواعد سيكون قريباً من المطارات والمنشآت الحيوية، وذلك لضمان تطبيق العقيدة العسكرية الأميركية القائمة على أساس التدخل والحسم عبر الذراع الجوي بكل ما تتضمنه الترسانة الجوية الأميركية من طائرات الشبح والطائرات بدون طيار، وهو ما اتسمت به عمليات التدخل العسكري الأميركي ضد المناوئين والتي كان آخرها تصفية أسامة بن لادن .
كما يتيح هذا الترتيب والحديث للمصدر، إمكانية تدخل واشنطن لدعم انقلاب عسكري والاستمرار بمنهج التدخل ضد دول الجوار العراقي كإيران وسوريا والأردن وبقية دول المنطقة . وبين إن مواقع القواعد التسع تتراوح مساحتها بين 40هكتاراً و 250هكتاراً ، وان القاعدة التي ستقام في بغداد ستكون بمساحة 250 هكتاراً، أي بمساحة مليونين وخمسمائة ألف متر مربع، وستكون الأكبر حجماً لأهمية بغداد كونها العاصمة السياسية للعراق .
وأكد المصدر إن الشروط التي نصت عليها الاتفاقية تضمنت امتيازات غير محدودة للجانب الأميركي وهي لا تماثل الاتفاقات التي أبرمتها أميركا مع كوريا واليابان وألمانيا .
وأوضح المصدر إن وثيقة الاتفاقية نقلت من مكتب رئيس الوزراء إلى وزارة الخارجية ثم إلى وزارة الدفاع، وان تصريحات بابكر زيباري عن عدم جهوزية القوات العراقية لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي كان يشبه إلى حد بعيد القصف المدفعي التمهيدي في تفعيل السيناريو الذي سيدخل به رئيس الوزراء على البرلمان والحكومة .
ويتساءل المصدر إذا كان العراق قد انفق 40 مليار دولار على برامج التسليح، وهو يمتلك الآن مليوني جندي ورجل امن على الأرض، وثم شراء دبابات وأسلحة وكاشفات وكلاب بوليسية وطائرات سمتية، فضلاً عن تصريح المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين الاميركان على قدرة الجيش العراقي على حماية الوطن، فما هي الجدوى من تمديد أو تجديد اتفاقية بقاء قوات الأميركية في العراق.
ويوضح إن من بين الشروط المرجحة لكنة واشنطن في الاتفاقية الجديدة، إن رسم إيجار كل من المواقع التسعة مهما كبرت مساحته أو قلت سيكون ألف دينار عراقي، وان تتعهد الخارجية العراقية بتسليم المواقع التي حددتها واشنطن، والمشار إليها في الملاحق المرفقة إلى الجانب الأميركي خالية من الشواغل ايا كان نوعها ( مزارع ، بيوت ، مدارس، ) وخالصة من التبعات القانونية وخارج الضوابط والقوانين والتعليمات، بعد استحصال موافقة جهات حكومية متعددة منها النفط والكهرباء والاتصالات والسياحة والآثار ،وان اعتراض أيا من هذه الجهات يوقف العمل بالمشروع أيا كان هذا المشروع.
وهذا يعني إن وزارة المالية ملزمة بالقفز على كل تلك التعليمات وتسليم المواقع إلى الجانب الأمريكي, وان كان أيا من هذه المواقع يحوي مكمناً نفطياً أو موقعاً اثرياً يضم جزءاً من تراث وتأريخ العراق المزدحم بالحضارات على مدى عمره الحضاري الموغل في القدم.
وأشار المصدر إلى إن مدة الاتفاقية هي خمس سنوات قابلة للتمديد إلى ما لا نهاية من التمديدات, وان تمريرها يحمل بين طياته الكثير من الاستخفاف بالشعب, إذ سيصار إلى توقيعها بين ممثل عن الخارجية العراقية وممثل عن السفارة الأمريكية, لضمان عدم عرضها على البرلمان.
وبين المصدر إن الجانب الأمريكي سيقيم منشآت حسبما تتطلبه وظيفة كل قاعدة في كل مدينة, كما إن بنود الاتفاقية تعطيه الحق بتدمير المنشآت المقامة في كل قاعدة حين يتركها, بدون أية مطالبة من الحكومة العراقية, في حين ستكون الأجواء العراقية تحت تصرف القواعد الأميركية طبقاً لبنود الاتفاقية.
والمح المصدر إلى أن الإشارات الأولى لطرح الاتفاقية للنقاش العام جاءت خلال اجتماع دعا إليه نائب رئيس الوزراء وممثل القيادة الكردستانية في بغداد روز نوري شاويس, وكان الاجتماع مكرساً لبحث استكمال التشكيلة الحكومية وما تبقى من بنود توافقات اربيل, لكن المؤتمرين فوجئوا بشاويس وهو يطرح موضوع الاتفاقية, وقد مارس شاويس خلال هذا الاجتماع دوراً مزدوجاً فهو يمثل رئيس الوزراء باعتباره احد نوابه, كما انه يمثل مسعود بارزاني بوصفه ممثله في بغداد,
المجتمعون رفضوا مناقشة هذا الموضوع باعتباره من اختصاص الحكومة العراقية, باستثناء ممثلي دولة القانون الذين أيدوا مناقشة موضوع الاتفاقية واعتباره من الأولويات, وقد التف السيد شاويس على الموضوع بالمطالبة باستدعاء قادة القوى الأمنية في الدفاع والداخلية لاستمزاج آرائهم, لكن بقية ممثلي الكتل رفضوا الخوض في هذا الملف باعتباره من اختصاص الحكومة لا من اختصاص اجتماع الكتل,
ويؤكد المصدر إن ما دار في هذا الاجتماع يفسر التصريحات التي أدلى بها رئيس الأركان الفريق أول بابكر زيباري والتي جاءت بإيحاء من السيد مسعود بارزاني وبتنسيق مع رئيس الحكومة السيد المالكي, الذي كان ممثلو كتلته خلال الاجتماع متطابقين تماماً مع دعوة السيد شاويس.ويبدو أن هذه الدائرة الطويلة من الالتفافات جاءت بسبب ردود الفعل الشعبية والمزاج العام الرافض لبقاء القوات الأميركية في العراق,
وما دعوة السيد المالكي لطرح موضوع البقاء الأميركي في اجتماع لرؤساء الكتل السياسية, إلا واحد من التدابير لتمرير الاتفاقية الجديدة, إذ تزامنت هذه الدعوة مع تصريحات لوجوه قيادية في ائتلاف دولة القانون تتضمن الموافقة على بقاء القوات مثلما ذهب إلى ذلك تصريح النائب كمال الساعدي, أو التسويغ للبقاء على أساس مهمات التدريب كما صرح الناب العبادي, في حين أن النصوص المبرمة تتضمن واجبات الإشراف والمراقبة والتدخل السريع لهذه القواعد.
ويربط المصدر الترابط في المواقف بين السيدين المالكي وبارزاني, بالمهادنة حول عقود النفط, ويشير إلى أن المترتب بذمة حكومة الإقليم للشركات النفطية العامة تصل إلى أربعة مليارات دولار وهي أغنى كلفة في العالم, وان المالكي دفع لحكومة الإقليم «243» مليون دولار كجزء من مستحقات الشركات النفطية, وان هذا المبلغ أعطي دون المرور بتدقيقات ديوان الرقابة المالية, ما يوحي بأنه عربون للتدخل الكردي على خط تمرير الاتفاقية,
المصدر أكد إن المهادنة الجديدة للمالكي تعد تغييراً لموافقة بنسبة 180 درجة, إذ كان نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني من غلاة الرافضين لتمرير عقود النفط التي أبرمتها حكومة الإقليم مع شركات نفطية من الدرجة الرابعة. ويختتم المصدر حديثه للمستقبل العراقي قائلاً إن الموقف اللين للحكومة إزاء عقود نفط كردستان شجع الكرد على لعب دور البديل للحكومة وعلى الوقوف في صفها بمواجهة الكتل السياسية في ما يتعلق بملف التمديد للقوات الأميركية في العراق.
https://telegram.me/buratha

