بينما يحتج مئات الالوف في مصر ضد الرئيس الذي يحكم البلاد بقبضة حديدية، يقوم العراق وبشكل هادئ باعادة ترميم القبضة البرونزية للطاغية المقبور صدام حسين، اذ أمرت حكومة بغداد، كما يقول ستيفن لي مايرز مراسل نيويورك تايمز، بإعادة بناء أحد أكثر الرموز الجريئة هنا والتي تعود لفترة حكم الاستبدادي والطويل لصدام حسين: انه قوس النصر والسيوف الضخمة المتقاطعة التي تمكسها ايدي تشبه الى حد كبير يدي صدام نفسه.
ويقول المؤلف والمعماري العراقي كنعان مكية في كتابه "النصب: الابتذال والمسؤولية" الذي نشره باسم مستعارعام 1991 لحماية نفسه، رغم انه كان في المنفى "انها نوريمبيرغ ولاس فيغاس، ملفوفتان في واحد".
وبعد سنوات من الاهمال والتفكيك الجزئي عام 2007 والذي اوقف بعد سيل من الاحتجاجات اعقبت تفكيك اجزاء من احد اليدين وقبضتين اثنتين للسيوف، يقوم العمال الان باعادة تركيب ما تركه صدام حسين من جنون العظمة.
وعملية الترميم هي جزء من مشروع تجميل بغداد التي ستكلف 194 مليون دولار والتي تسبق انعقاد قمة الزعماء العرب في بغداد المقررة في آذار المقبل. وبحسب محللو الاخبار في نيويورك تايمز يتأتى وزن الاجتماع السياسي العربي ببساطة من مكان تضييفه: في العراق البلد الذي لايزال على خلاف مع العديد من جيرانه العرب قبل وبعد الحرب، والذي يطمح الان لاحتلال موقع اكثر اهمية في المجموعة الدولية. ومن المحتمل ان تجذب الاضطرابات التي تكتسح العالم العربي المزيد من الانتباه لهذا الاجتماع.
وبالحد الادنى فان العراقيين متلهفون لتزيين عاصمتهم التي لاتزال تظهر عليها ندوب عقود من الحروب والاهمال. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت الحكومة بإعادة اعمار طريق المطار، انها اثارة التلاقي في منطقة تمرد شريرة. وفي داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين يحتل النصب مكانا وسط السفارات والبنايات الحكومية. وقد قام العمال برفع العديد من الكتل الكونكريتية المضادة للانفجارات الموجودة في كل مكان للحماية من قذائف الهاون والسيارات المفخخة. وتم زرع الزهور والأشجار على طول الجزرات الوسطية والساحات المرورية التي من المحتمل ان يمر بها القادة العرب.
وكان الحافز وراء الابقاء على النصب، المعروف باسم قوس النصر، تدمير النصب الاخر الذي تم اقامه في عهد صدام حسين ايضا بعد حرب الخليج الاولى، او ما يعرف بين العراقيين بنصب ساحة اللقاء للجراح العراقي الشهير علاء بشير.
وهدمت المنحوتة الخرسانية الواقعة في غرب بغداد التي تتكون من اياد متشابكة ويفترض انها ترمز للوحدة العربية بعد الحرب، السنة الماضية وقيل ان الهدف فسح المجال لتوسيع الطريق السريع. لكن الامر اثار احتجاجات غاضبة اعتبرت ان الحكومة العراقية تحاول اعادة كتابة ماضي البلاد كله.
لكن نحاتا عراقيا، كان موظفا في دائرة الفنون التشكيلية العراقية، وعمل مساعدا للنحات الراحل خالد الرحال، قال "إن النحات خالد الرحال كان قد قدم نموذج قوس النصر، ضمن مسابقة شارك بها عدد كبير من الفنانين العراقيين، إلى دائرة الفنون التشكيلية نهاية عام 1983 بناء على دعوة من رئاسة الجمهورية لتصميم قوس نصر عراقي تستعرض من تحته القوات المسلحة"، مشيرا إلى أن النماذج المشاركة في المسابقة عرضت جميعها على صدام حسين الذي أعجبته فكرة خروج ذراعه من الأرض وكفه اليمنى تمسك بالسيف العربي، فوافق عليها وأمر بتنفيذها، إذ تم إنجازه عام 1985".
وأضاف النحات الذي انهمك في العمل السياسي الان من مقره في عمان، "في صيف 1985 استقبل صدام حسين الرحال لعمل نسخة جبسية لذراع وكف الرئيس العراقي، وقتذاك، وبالفعل نفذ النسخة الجبسية التي أرسلت إلى إحدى الدول الأوروبية، يعتقد بريطانيا، لتنفيذها بنسخة مكبرة ومن مادة النحاس"، منوها بأن "شكل الذراع والكف التي تحمل السيف العربي هي نسخة حقيقية من ذراع وكف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين".
وأشار النحات العراقي إلى أن "صدام حسين كان قد تحمس لهذه الفكرة كون العراق كان يخوض الحرب ضد إيران، وفلسفة النصب تقوم على أساس القتال، كف تحمل السيف العربي، إذ كانت هناك نماذج أخرى فنية ومعمارية".
وكان صدام حسين قد افتتح قوس النصر الذي أتم تنفيذه النحات محمد غني حكمت، بعد وفاة الرحال، خلال الحرب العراقية - الإيرانية حيث سار من تحته ممتطيا صهوة فرس أبيض، قبل أن تستعرض في ساحة الاحتفالات قطعات من الجيش العراقي عند نهاية الحرب.
وأوضح النحات العراقي أن "صدام حسين كان قد وجه لوضع عدد من خوذ الجنود الإيرانيين في شبكة وكذلك في الشارع قرب نصب قوس النصر في إشارة إلى انتصار الجيش العراقي على القوات الإيرانية في الحرب التي امتدت لـ8 سنوات. اما السيوف المتقاطعة فقد تم سبكها من اسلحة الجنود العراقيين الذين سقطوا في المعركة.
إلى جانب قوس النصر وضعت كلمة مكتوبة بخط صدام حسين ومنقوشة على المرمر وتحمل توقيعه، يقول فيها "إن من أسوأ الحالات أن يمر المرء تحت سيف ليس سيفه، وانطلاقا من هذا المفهوم، فقد اخترنا أن يمر العراقيون مستعرضين تحت علمهم الخفاق، محفوظا ومحميا بسيوفهم التي جزت رقاب المعتدين فأقمنا قوسا للنصر".
ويقول علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي ان رئيس الوزراء وفي وسط معركته الانتخابية التي ربحها في النهاية، امر بالحفاظ على قوس النصر.
ويوضح أنه على عكس غيره من المعالم فان قوس النصر لا يرتبط ارتباطا وثيقا بانتهاكات ديكتاتورية حزب صدام حسين. وقال الموسوي "انه لايؤثر على حرية وحقوق العراقيين". لكن بالنسبة للكثيرين فانه لا يزال يمثل موضوعا محرجا.
وفيما اعتذر النحات محمد غني حكمت وهو من اشهر النحاتين العراقيين الذي انهى العمل بعد وفاة النحات خالد الرحال عن الحديث عن هذا الموضوع وقال انه مريض ويعتذر من مناقشة القضية بصورة اوسع ، فان أن الكثير من نواب البرلمان العراقي لم يعلموا بقرار الحكومة العراقية وأعرب الكثير منهم عن دهشتهم لذلك بل إن بعضهم شعر بالغضب.
وقالت سميرة الموسوي عضو كتلة المالكي في البرلمان "انه سوف يعيد الذكريات السيئة للناس وليس من المقبول اعادة النصب". اما التيار الصدري الذي قاد حملة لهدم النصب، فقد اقترح حكيم الزاملي القيادي في التيار انه ينبغي الحفاظ على السيوف لانها رمز العرب إلا أن "يد الدكتاتور الملعون لا ينبغي أن تبقى".
لكن علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء قال "لا نريد أن نكون مثل أفغانستان عندما أزال نظام طالبان مثل هذه النصب"، في إشارة إلى قيام طالبان بتدمير تماثيل بوذا في باميان، الأمر الذي أثار حينها سخطا عالميا. وأضاف "نحن أيضا لسنا مثل الألمان الذين أزالوا جدار برلين"، وتابع "نحن شعب متحضر، وهذا النصب جزء من ذاكرة هذا البلد".
https://telegram.me/buratha

