أكد سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي أن الحوار هو الطريق الوحيد لإخراج العراق من محنته الحالية وان الحوار يجب ان يقود الى الإيمان بمبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية والى التداول السلمي للسلطة والى احترام قيمة الإنسان وحقوقه ، مشيراً الى أن العراقيين بذلوا تضحيات كبيرة من اجل ان يعم السلام في بلادهم العزيزة .
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها سماحته الثلاثاء 19102010 في العاصمة البوسنية سراييفو خلال حضوره مهرجان مؤسسة البابطين الثقافية في دورته 12 وحضره العديد من الشخصيات السياسية والدينية والثقافية من مختلف دول العالم .
وفيما يلي كلمة سماحته في المهرجان ...
ان إقامة هذا اللقاء العربي الإسلامي العالمي تؤكد حاجتنا الى لغة الحوار الحضاري وإننا اليوم بأمس الحاجة للحوار حوار الحضارات والتعايش ، وفي تجربة الشاعرين الكبيرين خليل مطران ومحمد علي ما يعطينا الكثير من الأدلة على ما نقول فلم تمنع مسيحية خليل مطران من الامتداد لتطرق بيوت المسلمين في بيئته العربية كما لم تمنع إسلامية محمد علي من الامتداد الى بيوت المسيحيين في بيئته الأوربية لأنهما تحدثا بلغة واحدة هي لغة المشاعر الإنسانية فالشعر لغة المشاعر ولغة المشاعر يفهمها القلب والضمير من دون الحاجة الى ترجمة او استئذان .
أيها الحضور الكريم إننا اليوم في عالمنا المعاصر نشعر قبل أي وقت مضى بحاجتنا الماسة الى الحوار حوار الحضارات والثقافات حوار التعايش فقد دخلت البشرية على طول تاريخها صراعات مدمرة فانهارت حضارات وقامت أخرى وكانت البشرية تفتقد في كل ذلك الصراع شيئاً متميزاً لم تستطع الحضارة الناشئة الجديدة ان توفره ، ان الصراع يقود الى التدمير وانه في أحسن حالاته يدمر جزءاً من العالم ويبني جزءاً جديداً وهذا ليس بناءاً حقيقياً بل البناء الحقيقي هو ان نعزز ما هو موجود من أشياء خيّرة ونضيف إليه شيئاً جديداً خيراً وهذا يأتي عبر الحوار الحضاري وعندما نتحدث عن الحوار فإننا نتحدث عن حق الشعوب في الحياة الحرة الكريمة والتسامح والاعتراف بالآخر وحرية الاختلاف في منطق الصراع يأكل القوي الضعيف وهذه هي النتيجة الحتمية ، الصراع يقود الى إلغاء الآخر ، لكن الضعيف في منطق الحوار والإيمان بوحدة المصير الإنساني ومسيرته هو قوة معطلة يمكن تفعيلها لتضيف قوة جديدة ولا يمكن ان يحصل ذلك الا من خلال الحوار ، علينا ان ندرك أننا بالحوار يمكن ان نبني عالماً متعايشاً قادراً على الاستمرار والنمو وقادراً على المساهمة في خدمة الانسانية المتعبة من الحروب الطويلة والقتل والابادة والتدمير ، ان مؤسساتنا الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات يجب ان تتحول الى مؤسسات للحوار الدولي وليست الى مؤسسات تضيف للقوي قوة جديدة وتزيد الضعيف ضعفاً كما ان على القوى العظمى ان تدرك مسؤولياتها الاخلاقية والانسانية تفرض عليها العمل على خلق عالم متعايش تتحقق فيه العدالة للجميع من خلال الاعتراف بحق الجميع في العيش بحرية وكرامة .
اننا ايها الحضور الكريم وحين يكون الحديث عن العراق نؤمن بان الحوار هو الطريق الوحيد لإخراجه من محنته الحالية وان الحوار يجب ان يقودنا الى الإيمان بمبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية والى التداول السلمي للسلطة والى احترام قيمة الإنسان وحقوقه ، لقد بذلنا تضحيات كبيرة من اجل ان يعم السلام بلادنا العزيزة وقد حرصنا وما زلنا على ان تنال جميع مكونات العراق حقوقها الطبيعية ورفضها أي إبعاد او تهميش لأي مكون من المكونات لأننا نؤمن بان الظلم لن يقود الاّ الى الدمار والتخريب .
السيدات والسادة الأفاضل لم أجد في لغة التعبير عن المشاعر الإنسانية ما هو أجمل من الشعر وحين يكون البحث الفني في الشعر من قبل أصحاب الاختصاص فاني أتحدث عن الشعر باعتباره واحداً من سلسلة الوسائل التعبيرية التي استخدمها الإنسان القديم والحديث اتجاه الأحداث والقضايا التي واجهته في حياته أنا لا أتحدث عن الشعر بوصفه كلاماً جميلاً تتراصف فيه الكلمات بهندسة جميلة وأوزان متناسقة وهذا أمر مهم ومبحثه طويل وشيّق بل أتحدث عنه باعتباره يمثل جزءاً من سجل تاريخي كان وما يزال شاهداً على حياة الأمم في نموها ورقيها وعضداً أميناً لحياتها الثقافية والاجتماعية والنفسية ، ان الشاعر ليس مؤرخاً بدون شك وهو لا يتعمد ان يدون التاريخ بتفاصيله ولا استاذاً يعرض فكرته وثقافته بحاجة ملحة بل هو إنسان لا يستطيع ان ينسلخ عن بيئته وعن ثقافته ، ولذلك فهو يعبر عن ثقافته وثقافة بيئته بانسيابية ودون تكلف ومن هنا نعتقد أن في الشعر تكمن مساحة من التاريخ والثقافة لابد لمن يهتم بدراسة ثقافة الشعوب وتأريخها الدخول اليها من أجل الاكتشاف ، اكتشاف مالم تحدثنا عنه كتب التاريخ والمؤرخون ، ان من الشعر لعبرة وان من البيان لسحر كما روي عن رسول الله (ص) ان الشعر يمكن أن يوقظ الأحقاد بين الشعوب ويشعل الحروب ويقود الى دمار العالم والبشرية كما يمكن أن يقود الى السلام واحترام قيمة الإنسان بسبب تأثيره السحري على نفوس البشرية والشعوب ومن هنا يستثني القرآن الكريم في قوله تعالى " بسم الله الرحمن الرحيم الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا " يستثني من الشعراء شعر الغواية ، ووصف بعض الشعر بالحكمة فالحكمة أن تبنى حياة الناس على أسس العدالة واحترام حقوق الإنسان وكرامته ، يمكننا أن نخرج من هذا الملتقى مسرورين لأننا تعرفنا على بعضنا البعض بجو من الحوار الصميمي الحميم من دون شك ولكننا سنكون أكثر سرورا إذا خرجنا من هنا ونحن منشدون لانطلاق ظاهرة إنسانية كبرى تجعل من الشعر لغة لحوار الحضارات والسلام تتبناها مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري في دورتها القادمة وهذا ماأدعو اليه من مبادرة في هذا اللقاء متمنيا أن يدرج العراق في جدول محطات هذا الملتقى الانساني الكبير في دوراته القادمة .
https://telegram.me/buratha

