المقالات

سينقشع الظلام يوما


 

علي علي||

 

   في البت بأمر أو الحكم عليه أو إبداء الرأي فيه، لابد أن تكون هناك نقاط مشتركة، تشكل -مجتمعة- نقطة المثابة التي ننطلق منها ليكون البت صحيحا، والحكم عادلا، والرأي سديدا. فعلى سبيل المثال لو أردنا تحكيم شخص في أمر ما، او نطلب تقييمه لشخص ما، فان اول شرط ينبغي توافره فيه هو العدل، وتندرج تحت مفردة العدل صفات: الحيادية والإنصاف والجرأة، وتنأى عنها مصطلحات الانحياز والغبن والجبن، وبذا يكون الحكم بالنتيجة أقرب ما يكون الى العدل.

في بلد الحضارات والخيرات والنفط، كانت مفردات الحيادية والإنصاف مغيبة عقودا خلت، في وقت كانت تحل محلها أضدادها، الى ان اشرقت شمس الحرية التي كنا نظن انها غير قابلة للكسوف، وبها انطلقت الحريات بجميع اشكالها واصنافها وأحجامها، مثل حرية التعبير عن الراي وحرية النقد وحرية النشر، وغيرها من نعم الديمقراطية، الأمر الذي أطلق العنان للسان الشعراء والكتاب والنقاد في البوح بما يختلج بخواطرهم من آمال، وما يعتمل بنفوسهم من آلام، وكان بذلك متنفسا لهم. فمنهم من أعاد توثيق احداث كان مكمما عن البوح بها، حتى مضى على فراقه إياها سنين طوال، وانقلبت أفراحها الى أتراح وبهجتها الى أحزان، وماكان بها مشرقا بهيجا صار من دونها حالكا مكفهرا، فأرخها كذكريات للتاريخ، كما يقول النابغة الجعدي:

 

تذكرت والذكرى تهيج لذي الهوى      

 

           ومن حاجة المحزون أن يتذكرا

 

  ومنهم من وجد في الحرية ضالته بعد كبت خانق، ففُتحت قريحته في الإجهار والإعلان عن مسميات جماليات الحياة، ضاربا عرض الحائط ثوابت عديدة وقيما راسخة، فراح ينطق بمايهوى وما يعشق بالخط العريض، من دونما وجل من نقد، او مخافة لوم او خشية تقريع متمثلا بقول ابي نؤاس:

 

فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى         

 

             فلا خير في اللذات من دونها ستر

 

  ومنهم من اتخذ لنفسه موضع الرقيب وموقع الناقد ومنصب المنبـِّه والمحذِّر، فأصبح رقيبا على أفعال معيته وردودها، ممن عاشوا معه كسوف الشمس الطويل في تلك العقود، وناقدا لتصحيح من يتخبط في خطوه، ومقوما لاعوجاج من شذ عن القواعد المعتادة في المجتمع، وقطعا ماكان انطلاق هؤلاء بهذا الاندفاع، إلا بعد ان فككت الحرية كبولهم وأعتقتهم من أغلال الماضي.

  أعود لما بدأت به حديثي، لعلني أكون عادلا في الحكم وسديدا بإبداء الرأي وأقول: رغم ما كتب الكتاب -وأنا أبسطهم- عن هفوات وسلبيات وأخطاء حدثت في زمن الحرية في العراق كان ابطالها ساسة وقادة ومسؤولين، إلا ان هناك صالحات وتضحيات وإيجابيات من الإنصاف ان تكون نصب اعيننا، وهناك في بنية الدولة العراقية الحديثة -رغم مانذكره من ثغرات- قوة وتحدٍ لظروف كانت قاهرة وهي في فترة نقاهتها وإن طالت، تواكبها ظروف تكالب الأشرار في صنعها بكل فنون الزيف والمكر والرعب والإرهاب، ولم يذكر التاريخ ان بلدا آخر على مر العصور قد تجاوز ماتجاوزه العراق من محن، فلو قيل الحق يجب ان يقال بأكمله، فمع كثرة السلبيات التي تعج بها مؤسسات البلاد، هناك ضياء من إيجابيات هنا وهناك ولو أنه لايكاد يبين، إلا أنه يبشر أن الكوة التي تصدره ستكبر وتكبر، حتى يأتي يوم تغطي إيجابيات الشعاع كل سلبيات الظلام، لكن تبقى قوة السلسلة تقاس بأضعف حلقاتها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك