المقالات

إمّا حضارة الإمام الحسين أو الضياع 

1324 2020-08-24

    حازم أحمد||

 

محرم/ 1442   نعم، عراق ما قبل التاريخ، وفَجْر التاريخ، وعراق الحضارات الأولى. امتزج هذا التكوين والتتابع والتداخل الحضاري المتصل والمنفصل: السومرية، الأكدية، والبابلية... حتى التقى بالإمام الحسين -عليه السلام- وجودًا بكل ما يحمل الحسين من القيم الأخلاقية والمعايير الإنسانية والفكر الديني الذي صاغه منه النبي محمد الخاتم (ص)، وجودًا وثورةً: منطلقًا وأهدافًا، سلوكًا لفظيًّا وعمليًا... حتى تركَّزَ ذلك السديم الحضاري عُصارةً تنصهر في ذات الحسين؛ ليمَسَّهُ نوره الأقدس فيولَد هذا التكوين -الذي تمازج منذ التاريخ القديم- من جديد مُرشَّحًا من صدر ولُبِّ الحسين مثل الموشور؛ فيسطع مرة أخرى بمفهومات الحسين الإسلامية الثورية، والقيم العليا، التي تعادل في وزنها ونوعها ذلك العمق والتعدد الحضاري، وتتفوق عليه بالتجربة والتضحية والأهداف والنتائج. هذه القيم العليا، والفكر الإسلامي الثوري، والمَدّ الإنساني، والتوازن البديع بين (زَهْد المسيح وفتكة الدهر)، وغمر التجربة بالرحمة والإحسان، والحجم المتعاظم من العرفان، والترجمة المحترفة لحركة النص القرآني...  هذا الوجود النوراني الذي نهضت بعُكّازه الثورة الإسلامية على يد الإمام الخميني منتصرًا أيّما انتصار، والحركات الجهادية الإسلامية التي أُسِّسَت على بركات انتصار هذه الثورة نحو (حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين)؛ أحدث خللًا في الميزان العالمي الذي كان يتمتع بالتوازن على حساب الفقراء والمظلومين والمقهورين في العالم، إنه ميزان الاستكبار العالمي الذي بدأ الإمام الخميني دقَّ المسامير في نعشه مرحليًا، مِنْ هنا برزَت الحاجة لدى المستكبرين لتحطيم رمز الحسين الذي غلب وسبق وتجاوز كل توقعاتهم. الغزو الثقافي الموجَّه ضد الإسلام عمومًا والعراق خصوصًا يهدف إلى تحول هذا الوجود والرمز والعمق الفكري الثوري الديني إلى هامشٍ لا يكاد يبين، ويسعى إلى كسر كل ما يتصل به، ويسحق كل مقدّس، ويُذِل كل القيم: الدينية، الإنسانية، الاجتماعية، والعلمية... ليقدم نفسه -الغزو الثقافي- بديلًا منتحلًا عنوانًا مزركشًا يناغم العنوانات الإسلامية حتى لا يكون ناشزًا. خطوات مطلوبة لمواجهة هذا الغزو؛ بمناسبة حلول شهر محرم: أولًا- ابتعدت حوزاتنا الدينية عن علوم مهمة جدًا واستغرقت في علوم نحو: الفقه، أصول الفقه، اللغة العربية، منطق أرسطو... نجد حاجة قصوى بضرورة تأسيس حوزات دينية مرتبطة بالنجف الأشرف متصلة بسادتنا المراجع العظام وغير منفصلة لتحظى بمباركتهم واعترافهم؛ وتعتمد في مناهجها العلوم: علوم القرآن، الأخلاق، العرفان، الفلسفة...  ولا تكون علوم القرآن مثل تلك التي تعتمد (الحفظ فقط)، أو التي تتناول آيات الأحكام مثل كتاب (تفسير آيات الأحكام من القرآن) للسيد محمد باقر الإيرواني، الواقع الثقافي الإسلامي المتراجع في العراق يتطلب مستويات أوسع فضاءً وأعمق معنىً وتمكينًا؛ فالخلل ليس في قيمة المؤلفات هذه -معاذ الله- لكن التباين في الخلل وما هو مطروح من منهج لا يتوازنان. ثانيًا- يتركز ضغط عالٍ على الحكومة للاهتمام بالمناهج التربوية والتعليمية بدءًا من الروضة إلى الجامعات؛ لمنع أي تسرّب لهذا الغزو الثقافي، ولبناء المنهج الذي يتوافق مع الهوية الإسلامية للشعب العراقي التي لا تقبل الذل والخضوع للاستكبار وهدم الوطن والقيم الإسلامية، مع مراعات التعددية وثقافتها، وهذا يتحقق من خلال اللجنة النيابية للتربية والتعليم في مجلس النواب العراقي. ثالثًا- العمل على كشف الزيف الأميركي الذي يغذي طبقات من العراقيين الذين غُرِّرَ بهم ضد الثقافة الإسلامية الأصيلة، ويكون هذا من خلال دور القنوات الإسلامية؛ إذ تُخصِّص فقرات جديدة لبرامج في هذا الشأن لفتح حوار بين شخصين أو أكثر لمناقشة أهم الكتب في هذا المجال نحو: كتاب (الدولة الفاشلة، إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية) للفيلسوف نعوم تشومسكي، تُعَد الحلقة جيدًا ووقتها لا يتجاوز نصف ساعة؛ حفاظًا على شغف الجمهور، وتُقدَّم بصورة سلسلة متصلة. رابعًا- فُضِحَت الحضارة الغربية بأنها فارغة المحتوى وليست إلا مادية فردية؛ والذي ساهم بأن تطفو هذه الفضيحة والحقيقة إلى السطح هي الجائحة (فيروس كورونا)، ومِنْ ثَمَّ آن لنا التركيز على هذه الحقيقة وتسهيل إيصالها إلى الجمهور لتغطية الفئات والطبقات والمِساحات الثقافية المختلفة منه، ويتحقق هذا من خلال القنوات الإسلامية لإعداد برنامج على غرار ما ذكرنا في النقطة الثالثة، لكن المادة تختلف إذ يتناول كتاب: (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان) للدكتور عبد الوهاب المسيري. طبعًا هذه الكُتُب مقترحة فقط، وممكن تغييرها حسب رؤية أُوْلِي الشأن، ويمكن تناولها بتصرف، وحسب ما هو مرتبط بمسألة وهن الحضارة الغربية والغزو الثقافي والتوحّش السياسي. خامسًا- تشجيع الجامعات والمؤسسات العلمية على إصدار البحوث مُسلِّطةً الضوء على الفشل الحضاري الغربي، وعلى الغزو الثقافي الغربي والإستسلامي الذي يدعو إلى الخذلان وإشاعة ظرف الفوضى في المجتمع، وعلى نبذ الصهيونية وعدم التخلي عن الفكر الإسلامي المقاوِم وعن فلسطين قبلة المقاومة. سادسًا- تأسيس أكاديمية الحشد الشعبي وجمهوره التي لا تعنى بالجوانب العسكرية والسياسية فقط؛ لكنها تعمل على تدريس الفكر المقاوم، وتنتج العمل الدرامي: التلفزيون والسينما والمسرح والأدب الأصيل، والبحوث الثقافية العلمية، وعقد المؤتمرات والندوات، وإصدار المجلة الخاصة بالأكاديمية، وإصدار الوثائقيات، هكذا نساهم في الرجوع إلى المسار الحضاري والتاريخي للإمام الحسين -عليه السلام- للخروج من الجهة المقابلة التي لا عنوان لها سوى (الضياع)!   والحمد لله ربِّ العالمين
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك