محرم/ 1442 نعم، عراق ما قبل التاريخ، وفَجْر التاريخ، وعراق الحضارات الأولى. امتزج هذا التكوين والتتابع والتداخل الحضاري المتصل والمنفصل: السومرية، الأكدية، والبابلية... حتى التقى بالإمام الحسين -عليه السلام- وجودًا بكل ما يحمل الحسين من القيم الأخلاقية والمعايير الإنسانية والفكر الديني الذي صاغه منه النبي محمد الخاتم (ص)، وجودًا وثورةً: منطلقًا وأهدافًا، سلوكًا لفظيًّا وعمليًا... حتى تركَّزَ ذلك السديم الحضاري عُصارةً تنصهر في ذات الحسين؛ ليمَسَّهُ نوره الأقدس فيولَد هذا التكوين -الذي تمازج منذ التاريخ القديم- من جديد مُرشَّحًا من صدر ولُبِّ الحسين مثل الموشور؛ فيسطع مرة أخرى بمفهومات الحسين الإسلامية الثورية، والقيم العليا، التي تعادل في وزنها ونوعها ذلك العمق والتعدد الحضاري، وتتفوق عليه بالتجربة والتضحية والأهداف والنتائج. هذه القيم العليا، والفكر الإسلامي الثوري، والمَدّ الإنساني، والتوازن البديع بين (زَهْد المسيح وفتكة الدهر)، وغمر التجربة بالرحمة والإحسان، والحجم المتعاظم من العرفان، والترجمة المحترفة لحركة النص القرآني... هذا الوجود النوراني الذي نهضت بعُكّازه الثورة الإسلامية على يد الإمام الخميني منتصرًا أيّما انتصار، والحركات الجهادية الإسلامية التي أُسِّسَت على بركات انتصار هذه الثورة نحو (حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين)؛ أحدث خللًا في الميزان العالمي الذي كان يتمتع بالتوازن على حساب الفقراء والمظلومين والمقهورين في العالم، إنه ميزان الاستكبار العالمي الذي بدأ الإمام الخميني دقَّ المسامير في نعشه مرحليًا، مِنْ هنا برزَت الحاجة لدى المستكبرين لتحطيم رمز الحسين الذي غلب وسبق وتجاوز كل توقعاتهم. الغزو الثقافي الموجَّه ضد الإسلام عمومًا والعراق خصوصًا يهدف إلى تحول هذا الوجود والرمز والعمق الفكري الثوري الديني إلى هامشٍ لا يكاد يبين، ويسعى إلى كسر كل ما يتصل به، ويسحق كل مقدّس، ويُذِل كل القيم: الدينية، الإنسانية، الاجتماعية، والعلمية... ليقدم نفسه -الغزو الثقافي- بديلًا منتحلًا عنوانًا مزركشًا يناغم العنوانات الإسلامية حتى لا يكون ناشزًا. خطوات مطلوبة لمواجهة هذا الغزو؛ بمناسبة حلول شهر محرم: أولًا- ابتعدت حوزاتنا الدينية عن علوم مهمة جدًا واستغرقت في علوم نحو: الفقه، أصول الفقه، اللغة العربية، منطق أرسطو... نجد حاجة قصوى بضرورة تأسيس حوزات دينية مرتبطة بالنجف الأشرف متصلة بسادتنا المراجع العظام وغير منفصلة لتحظى بمباركتهم واعترافهم؛ وتعتمد في مناهجها العلوم: علوم القرآن، الأخلاق، العرفان، الفلسفة... ولا تكون علوم القرآن مثل تلك التي تعتمد (الحفظ فقط)، أو التي تتناول آيات الأحكام مثل كتاب (تفسير آيات الأحكام من القرآن) للسيد محمد باقر الإيرواني، الواقع الثقافي الإسلامي المتراجع في العراق يتطلب مستويات أوسع فضاءً وأعمق معنىً وتمكينًا؛ فالخلل ليس في قيمة المؤلفات هذه -معاذ الله- لكن التباين في الخلل وما هو مطروح من منهج لا يتوازنان. ثانيًا- يتركز ضغط عالٍ على الحكومة للاهتمام بالمناهج التربوية والتعليمية بدءًا من الروضة إلى الجامعات؛ لمنع أي تسرّب لهذا الغزو الثقافي، ولبناء المنهج الذي يتوافق مع الهوية الإسلامية للشعب العراقي التي لا تقبل الذل والخضوع للاستكبار وهدم الوطن والقيم الإسلامية، مع مراعات التعددية وثقافتها، وهذا يتحقق من خلال اللجنة النيابية للتربية والتعليم في مجلس النواب العراقي. ثالثًا- العمل على كشف الزيف الأميركي الذي يغذي طبقات من العراقيين الذين غُرِّرَ بهم ضد الثقافة الإسلامية الأصيلة، ويكون هذا من خلال دور القنوات الإسلامية؛ إذ تُخصِّص فقرات جديدة لبرامج في هذا الشأن لفتح حوار بين شخصين أو أكثر لمناقشة أهم الكتب في هذا المجال نحو: كتاب (الدولة الفاشلة، إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية) للفيلسوف نعوم تشومسكي، تُعَد الحلقة جيدًا ووقتها لا يتجاوز نصف ساعة؛ حفاظًا على شغف الجمهور، وتُقدَّم بصورة سلسلة متصلة. رابعًا- فُضِحَت الحضارة الغربية بأنها فارغة المحتوى وليست إلا مادية فردية؛ والذي ساهم بأن تطفو هذه الفضيحة والحقيقة إلى السطح هي الجائحة (فيروس كورونا)، ومِنْ ثَمَّ آن لنا التركيز على هذه الحقيقة وتسهيل إيصالها إلى الجمهور لتغطية الفئات والطبقات والمِساحات الثقافية المختلفة منه، ويتحقق هذا من خلال القنوات الإسلامية لإعداد برنامج على غرار ما ذكرنا في النقطة الثالثة، لكن المادة تختلف إذ يتناول كتاب: (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان) للدكتور عبد الوهاب المسيري. طبعًا هذه الكُتُب مقترحة فقط، وممكن تغييرها حسب رؤية أُوْلِي الشأن، ويمكن تناولها بتصرف، وحسب ما هو مرتبط بمسألة وهن الحضارة الغربية والغزو الثقافي والتوحّش السياسي. خامسًا- تشجيع الجامعات والمؤسسات العلمية على إصدار البحوث مُسلِّطةً الضوء على الفشل الحضاري الغربي، وعلى الغزو الثقافي الغربي والإستسلامي الذي يدعو إلى الخذلان وإشاعة ظرف الفوضى في المجتمع، وعلى نبذ الصهيونية وعدم التخلي عن الفكر الإسلامي المقاوِم وعن فلسطين قبلة المقاومة. سادسًا- تأسيس أكاديمية الحشد الشعبي وجمهوره التي لا تعنى بالجوانب العسكرية والسياسية فقط؛ لكنها تعمل على تدريس الفكر المقاوم، وتنتج العمل الدرامي: التلفزيون والسينما والمسرح والأدب الأصيل، والبحوث الثقافية العلمية، وعقد المؤتمرات والندوات، وإصدار المجلة الخاصة بالأكاديمية، وإصدار الوثائقيات، هكذا نساهم في الرجوع إلى المسار الحضاري والتاريخي للإمام الحسين -عليه السلام- للخروج من الجهة المقابلة التي لا عنوان لها سوى (الضياع)! والحمد لله ربِّ العالمين
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)