الأخبار

عمالة الأطفال.. ظاهرة تنهش في جسد المجتمع العراقي

606 09:43:00 2009-12-13

تركت اشعة شمس الصيف اللاهبة اثرها في تقاطيع داكنة على وجه "حسين" الذي لم يكد يبلغ الـ13 ربيعا، ولم تبق للشتاء سوى محيط عينين متحجرتين تسبقان فمه في الشكوى، حسّوني، كما يروق لاصحابه ان ينادوه، غادر مقاعد الدراسة مبكرا ليلتحق باقرانه ممن اضطرتهم الظروف الاقتصادية للعمل في الشارع بهدف اعانة اسرهم بمهن لا تتناسب مع بنية اجسامهم الضئيلة وسنوات عمرهم التي لايعرفها اغلبهم. "حسّوني" روى لنا بعضا ًمن تفاصيل يومه في بيع المناديل الورقية، وهو ينتقل من سيارة الى اخرى على امل بيع احدى تلك العلب دون ان تسقط دموعه التي اغرقت محيط عينيه الصغيرتين، يقول: منذ اربع سنوات وانا اعمل لاعالة اسرتي، اذ استشهد والدي في احد انفجارات بغداد الدامية، ما اوجب نزولي الى الشارع بحثا عن مصدر دخل لي ولاسرتي لكوني الابن الاكبر والرجل الوحيد فيها، مبينا انه خلال الاربع سنوات الماضية عمل في شتى المهن لينتهي بي المطاف الى هذه المهنة الشاقة ذات المردود المنخفض، وهي محببة اليه لا لسهولتها، بل لكونها تمنحه فضاءً واسعاً يفتقده حيث يعيش في غرفة ضيقة ببيت جده يتكدس فيها هو واخواته السبع اضافة الى أمه المقعدة.واضاف "حسوني" انه كان يأمل في ان تسمح له الظروف باكمال دراسته الابتدائية الا ان ادارة مدرسته لم تتفهم وضعه الاقتصادي، بل تعمدت اساءة معاملته وتوبيخة وضربه ـ بحسب قوله ـ بسبب او من دونه ما دفعه الى تركها مجبرا لا مخيرا، والاستمرار في العمل بالشارع.الدستور العراقي تضمن فقرات عدة تحظر عمالة الاطفال والاستغلال الاقتصادي لهم وحماية الطفولة من التعرض الى التشرد والتسول، كما بين بعضها حق الاولاد على والديهم في التربية والتعليم والرعاية، اضافة الى فقرة تنص على ان الدستور قدم حماية اجتماعية واقتصادية وصحية للطفل والمرأة بما يضمن لهم حياة كريمة، الى جانب اتخاذ الدولة الاجراءات الكفيلة لحمايتهم، لذا لايجوز تشغيل الاطفال باجور واطئة، او تقديم المال لهم مقابل انحرافهم او تسولهم،  هذه الفقرات، وغيرها لم تدخل حيز التطبيق منذ اقرار الدستورالعراقي الجديد حتى يومنا هذا.ما يواجهه "حسوني" وغيره من الاطفال، من ظروف عمل صعبة ليست الأسوأ بالتأكيد، لكنها تعد نموذجا او عينة عشوائية لمئات الاطفال الذين ولدوا ليجدوا انفسهم رجالا وشيوخا تلبست اجسادهم ارواح اطفال يتولون مهمة اعالة اسرهم، اما لغياب الوالد او تخليه عن المسؤولية، او لاجبارهم ودفعهم من قبل ذويهم للعمل بشتى انواع الاعمال المرهقة والمتعبة التي يعجز الكبار عن القيام بها، من بينها "النزول للشارع لبيع المشروبات الغازية والسجائر وقطع القماش والحلويات المصنعة في المنازل وغيرها، من دون ما يقيهم حر الصيف او برد الشتاء، او ان يجبروا على العمل في الاحياء الصناعية في محال التفصيخ وتصليح السيارات وبيع الادوات الاحتياطية " مناطق تكون عادة ً بؤرا ً لأعمال رذيلة تسحق كل براءتهم فيها.ازداد وضع الاطفال بعد اسقاط الديكتاتورية العام 2003 سوءاً، نظراً لتسيب عدد كبير من الأطفال وتسربهم من مدارسهم أو اضطرار البعض للعمل بسبب غياب المعيل جراء أعمال العنف والارهاب التي طالت البلاد، الى جانب بروز العديد من اساليب استغلالهم من قبل الفئات التي تتصيد براءتهم كونهم يمثلون عمالة رخيصة وغير مكلفة، وفي كثير من الاحيان يستخدمونهم في اعمال شاقة من دون ان يتقاضوا عنها شيئا في ظل انعدام تفعيل القوانين المشرعة بحقهم، وقد انتشرت مؤخرا "مساطر" مخصصة للاطفال في المناطق الصناعية والتجارية في بغداد والمحافظات، على مرأى ومسمع من ذوي الشأن في السلطتين التشريعية والتنفيذية ما يستوجب اعادة النظر في كل ما يتعلق بحقوق الطفل العراقي المسلوبة من قبل ذويه اولا  واولي الامر في بلاده ثانيا.متخصصون في علم الاجتماع وصفوا لـ"الصباح" هذه الظاهرة بـ"الخطيرة" كونها تهدد جيلا باكمله، ويرون ان غياب الحلول الجدية وعدم تفعيل القوانين من قبل السلطتين "التنفيذية والتشريعية" التي من شأنها حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، او حتى حمايته من ذويه ستسهم في خلق المجرمين والمنحرفين والارهابيين وغير الاسوياء من الذين اضطرتهم الظروف الى الوجود في الاماكن الملوثة فكرياً التي يصعب التخلص من اثارها السيئة العالقة في ذاكرتهم، مضيفين: "بل انهم يعملون على المشاركة باعداد قنابل موقوتة مستعدة للانفجار في أية لحظة".مكتب هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كان محطة "الصباح" الاخيرة، اذ تم التوجه اليها لمعرفة أحوال الطفل العراقي، وقد اوضحت مدير المكتب كوثر ابراهيم فاضل بأنه بحسب المسح العنقودي متعدد المؤشرات mic3 فان طفلا واحدا من بين تسعة اطفال بعمر 5 ـ 14 سنة يمكن تقسيمهم بين 11 بالمائة دخلوا مجال العمل الفعلي و2 بالمائة منهم يشاركون في اعمال غير مدفوعة الاجر لحساب شخص من غير افراد الاسرة، و 2 بالمائة يشاركون في الاعمال المنزلية لمدة 28 ساعة او اكثر خلال الاسبوع، بينما يشارك نحو 7 بالمائة في اعمال اسرهم، مشيرة الى ان نسبة الاولاد الذين يزجون في الاعمال تصل الى 12 بالمائة والاناث 9 بالمائة، مضيفة ً "ان 10 بالمائة من الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين 12- 14 سنة هم اقل ميلا للالتحاق بالمدارس وهي نسبة تعد مرتفعة اذا ما قورنت ببقية دول العالم، مبينة ان نسبة عمالة الاطفال في العراق تقل كلما ارتفع مستوى تعليم الأم، ما يدل على ان أعلى نسبة لعمالة الأطفال تكون لأبناء غير المتعلمات وتصل 14 بالمائة. "فاضل" أشارت الى ان نسبة تشغيل الاطفال في المحافظات متباينة، اذ تصل في محافظة بابل الى نحو 22 بالمائة وفي محافظة صلاح الدين 18 بالمائة بينما تصل في محافظة الانبار 17 بالمائة، في حين تصل في محافظات الوسط والجنوب نسبة العمالة الى 11 بالمائة، اما اقليم كردستان فتبلغ النسبة 6 بالمائة.واوضحت بأن الاطفال ينقسمون الى قسمين، طلبة يلتحقون بالمدارس ويعملون في الوقت نفسه وتبلغ نسبتهم 70 بالمائة وعمال يتعلمون، الى جانب مايقرب من ثلثي الاطفال الذين تبلغ نسبتهم 62 بالمائة مصنفون كاطفال عاملين يلتحقون بالمدارس.وبينت مدير المكتب ان وزارة العمل تسعى الى محاربة هذه الظاهرة بالتعاون والتنسيق مع منظمة اليونسيف من خلال نشر وحدات التفتيش والمتابعة لرصد الاطفال العاملين واطلاق حملة اعلامية بشأن مخاطر الظاهرة، وانشاء مراكز متخصصة لمكافحة عمالة الاطفال في بغداد والمحافظات بواقع مركزين في بغداد ومركز في كل محافظة لغرض حمايتهم من مخاطر العمالة، ويحدد ارتباطها اداريا بالهيئة التي ترأسها وزارة العمل وتضم ممثلين عن وزارات الصحة والتربية والعدل وحقوق الانسان والرياضة والشباب والداخلية والبيئة والتخطيط والتعاون الانمائي والثقافة والمرأة، فضلا عن الزام اصحاب العمل بتطبيق التعليمات الخاصة بعمل الاطفال واحصاء اعداد المعيلين لاسرهم وشمولهم بالمنح والاعانات، واصدار تشريع يمنع عمل الاطفال دون سن الخامسة عشرة او لحين اكمالهم التعليم الابتدائي في الاقل ودعم انشاء المشاريع الصغيرة للعاملين ما يساعد في انتشال الاطفال من الشارع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك