تناقلت بعض وسائل الإعلام خبرا مفاده أن مسئولين كبار في المحافظة طالبوا مجلس النواب بفرض رسم 1% على البضائع الداخلة عبر المنافذ الحدودية لمحافظة البصرة وهو الرسم الذي فرض من قبل مجلس المحافظة السابق وتوقفت جبايته مع بدء عمليات صولة الفرسان ولم يُفعّل منذ تلك الفترة وقد أصدر المجلس الحالي قرارا بتفعيله ولكن ولأسباب متعددة لم ينفذ القرار حتى الآن ، وهذه المطالبة ليست في محلها لأن المحافظات تمتلك الصلاحيات الكافية لفرض مثل هذه الرسوم وعند ممانعة السلطات الاتحادية يفترض بالمحافظات اللجوء إلى الجهات المختصة لانتزاع حقوقها وليس التنازل عنها لصالح الآخرين .
كما أن هذه التصريحات لو صحت فهي كارثة حقيقية تواجه محافظة البصرة في ظل حكومتها المحلية الجديدة ، وهي تعني أن بعض المسئولين لم يدركوا حجم الصلاحيات الكبيرة التي تملكها المحافظة من خلال مبدأ اللامركزية الإدارية ولم يلتفتوا إلى حقيقة أن صلاحيات المحافظة في الدستور العراقي أكثر من صلاحيات الحكومة الاتحادية حيث انحصرت صلاحيات الأخيرة في تسع صلاحيات فقط أشارت لها المادة (110) وبضع صلاحيات مشتركة تكون الأولوية فيها لما تشرعه المحافظة وكل ما عدا ذلك فهو من صلاحيات المحافظات غير المنتظمة في إقليم كما أشارت المادة (115) من الدستور ، والعجب كل العجب ممن راح يتنازل عن صلاحياته للآخرين على حساب أبناء محافظته المظلومين المحرومين في الوقت الذي يتصيد الآخرون أي إشارة في هذا النص القانوني أو ذاك للحصول على المزيد من الصلاحيات لتحقيق مصالح محافظاتهم .
وهنا نتساءل لماذا لا يستعين هؤلاء المسئولون بالخبراء المتخصصين بتفسير القوانين ليبينوا ما لهم وما عليهم ــ وهذا ما لم يفعلوه لحد الآن ولا أعتقد أن في نيتهم ذلك ــ قبل أن يخاطروا بمصالح المحافظة بهذا الشكل الخطير؟ .
ونحن نعتقد تبعا لمجموعة كبيرة جدا من المتخصصين في الشأن الدستوري والقانوني بالصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة للمحافظة بل وأكثر من ذلك حيث المادة (115) أعطت للمحافظات غير المنتظمة في إقليم نفس الصلاحيات الممنوحة للأقاليم فإن كان ثمة خطأ في تعبير المادة أو صياغتها فهذا ليس مشكلتنا وإلى أن يتم تعديل ذلك لنا أن نعتمد على النص الدستوري كما هو بعيدا عن الاجتهادات الشخصية .
وفيما يلي بيان تفصيلي لصلاحية مجلس المحافظة في فرض الرسوم في الحدود الإدارية للمحافظة:
نص الدستور في مادته (1) على أن العراق دولة (اتحادية) وعلى أساس ذلك قسمت السلطات في الدستور إلى سلطات اتحادية ذكرت في (الباب الثالث) وسلطات أقاليم ذكرت في (الباب الخامس) وجعلت المحافظات في هذا الباب في (الفصل الثاني) ، وبين الدستور بشكل واضح وجلي سلطات كل من القسمين ، فقد بين الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية في المادة (110) كما بين صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في المادة (115) ، وبين بعض الصلاحيات المشتركة في المواد (112 ، 113 ، 114) والتي تكون الألوية فيها لتشريعات المحافظات ، وأوضح أيضا عدم وجود أي نوع من التداخل وليس من حق السلطات الاتحادية مصادرة سلطات الأقاليم والتي منها المحافظات غير المنتظمة في إقليم أو بالعكس ، وإنما أشار الدستور في مادته (123) إلى إمكانية تفويض الصلاحيات بين الطرفين بموافقتهما على أن يحدد بقانون ولم ينظم هذا القانون لحد الآن .
على أن المادة (122) من الدستور أشارت إلى صلاحيات المحافظات غير المنتظمة في إقليم والتي من بينها سن التشريعات الإدارية والمالية الواسعة ، وبناءا على هذه المادة جاء قانون (21) لسنة 2008 (قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم ) وذكر في مادته (2) الفقرة (أولا) والمادة (7) الفقرة (ثالثا) أن من صلاحيات مجلس المحافظة سن التشريعات المالية والإدارية وحيث أن فرض الرسوم والضرائب والضميمة وجبايتها وإنفاقها من التشريعات المالية ولم تذكر ضمن الصلاحيات الحصرية في المادة (110) من الدستور فهي مما لم ينص عليه في الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية وبالتالي فهي من الصلاحيات الواضحة لمجالس المحافظات وأما مجلس النواب فليس له أن يشرع إلا في المسائل المشار إليها في المادة (110) والصلاحيات المشتركة على أن تكون الأولوية كما ذكرنا أعلاه لتشريعات المحافظات في حال وجودها وهذا ما نص عليه الدستور في مادته (61) الفقرة (أولا) بأن اختصاص مجلس النواب هو سن التشريعات الاتحادية وهي تلك التشريعات المتعلقة بالصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية المشار إليها في المادة (110) وحيث أن السلطة التشريعية وهي مجلس النواب إحدى هذه السلطات فليس من صلاحياتها سن التشريعات في المسائل غير المذكورة في المادة (110) .
والاحتجاج بما ورد في المادة (44) الفقرة (ثالثا) من القانون (21) على أن فرض الرسوم إنما يكون من قبل السلطات الاتحادية غير صحيح أصلا لأن تفسير النص هو أن الإيرادات المتحصلة من الرسوم والغرامات المحلية يجب أن يكون من خلال رسوم وغرامات مفروضة وفقا للدستور والقوانين الاتحادية ولم يشر النص إلى الجهة التي تفرض تلك القوانين وإنما أكد على ضرورة أن لا تتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية ، على أن ذكر القوانين الاتحادية إن كان المقصود منه حصر هذه الصلاحية بالسلطات الاتحادية فهذا مخالف للدستور الذي لم يجعل هذه الصلاحية ضمن المادة (110) وبالتالي على المحافظات أن تطالب بإلغائها بالطرق القانونية وليس الرضوخ والتنازل عن الصلاحية ابتداءا اعتمادا على نص مخالف للدستور ، ومما يؤيد التفسير الذي ذهبنا إليه الجمع بين الرسوم والغرامات ولا يختلف أحد على أن الأخيرة من صلاحيات الحكومات المحلية .
وهذا ما تؤيده أراء وقرارات المحكمة الاتحادية والتي من بينها ما يلي :
أولا : ذكرت المحكمة الاتحادية في رأيها ذي العدد (16) في 21/4/2008 جوابا على استيضاح مجلس محافظة النجف الأشرف في 26/3/2008 وفيما يلي نص الرأي المذكور :
يستوضح مجلس محافظة النجف الأشرف بكتابه المرقم 4/1256 والمؤرخ في 26/3/2008 طالباً تفسير المواد الدستورية المدرجة في كتابه كالآتي :
1ـ هل تتمتع مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم بسلطة سن القوانين الخاصة بفرض وجباية وإنفاق الضرائب وفق المادة (115) والفقرة (ثانياً ) من المادة(122) من الدستور (أو أي مادة أخرى ) أو وفق القوانين العراقية النافذة .
2ـ هل تتمتع مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم بسلطة سن القرارات الخاصة بفرض وجباية وإنفاق الرسوم والغرامات والضميمة استناداً للقوانين المذكورة أنفاً .
وضعت المحكمة الاتحادية العليا النقاط أنفة الذكر موضع التدقيق والمداولة في جلستها المنعقدة بتأريخ 21/4/2008 وبعد الدراسة توصلت بالاتفاق إلى ما يلي :
بصدد النقطة الأولى فان المادة (122/ثانياً) مــن دستور جمهورية العراق نصت ( تمنح المحافظات التي لم تنتظم بإقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بـما يمكنها من إدارة شؤونها وفــق مبدأ اللامركزية ويــنظم ذلك بقانون ) كمـا نـصت المادة (7/ثانياً) مــن قـانـون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 بما يلي ( إصدار التشريعات المحلية والأنظمة والتعليمات لتنظيم الشؤون الإدارية والمالية بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية مع الإشارة إلى نص المادة (55/أولا) منه على عدم سريان أحكامه إلا بعد إجراء انتخابات المجالس القادمة باستثناء ما ورد في الفقرة (ثانياً) من هذه المادة المتعلقة بالدرجات الوظيفية وبالخدمة التقاعدية ، وتأسيسا على ما تقدم :
لما كان فرض الضرائب وجبايتها وإنفاقها وفــرض الــرسوم والغرامات والضميمة من الأمور المالية التي أشارت إليها المادة (122/ثانياً) من دستور جمهورية العراق .
لذا يكون لمجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم حق سن القوانين الخاصة بفرض وجباية وانفاق الضرائب المحلية وسن القوانين الخاصة بفرض وجباية وإنفاق الرسوم والغرامات والضميمة بما يمكنها من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية والتي تمنحها المادة (115) من الدستور حق الأولوية في التطبيق عدا ما ورد في المادة (61/أولا) منه الذي يختص بممارسة الصلاحيات الواردة بها حصراً المجلس النيابي بتشريع القوانين الاتحادية وكذلك القرارات التي تختص بإصدارها السلطات الاتحادية الحصرية والمشتركة المنصوص عليها في المواد (110،111،112،113،114 ) من الدستور وما ينطبق على النقطة الأولى من الاستفسارات ينطبق على النقطة الثانية .
ثانيا : ذكرت المحكمة الاتحادية في رأيها ذي العدد(25) في 23/6/2008 ردا على استيضاح مجلس محافظة البصرة في 14/5/2008 ما يلي نصه :
يستوضح مجلس محافظة البصرة بكتابه المرقم (ن/8122523 في 14/5/2008) عن صلاحيته في فرض الضرائب والرسوم المحلية بما يؤهله لزيادة إيراداته بشكل مستقل استناداً لما جاء بالأمـر رقـم (71) الصـادر مـن سـلطة الائتلاف المـؤقتة فـي 6/4/2004.
وضعت المحكمة الاتحادية العليا الموضوع المستوضح عنه موضع التدقيق والمداولة في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/6/2008 وتوصلت إلى ما يأتي :
إن صلاحية مجلس المحافظة في سن القوانين المحلية تحكمه المواد (61/أولا) و (110) و(111) و(114) و (115) و(122/ثانياً) من الدستور .
وان استقراء مضامين هذه المواد يشير إلى صلاحية مجلس المحافظة بسن التشريعات المحلية لتنظيم الشؤون الإدارية والمالية بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية والتي تمنحها المادة (115) من الدستور الأولوية في التطبيق , ذلك ان المجلس النيابي يختص حصراً (( بتشريع القوانين الاتحادية وليس له اختصاص بإصدار التشريعات المحلية للمحافظة , اسـتناداً لاحكام المادة (61/أولا) من الدسـتور)) .
ولمجلس المحافظة وضمن صلاحياته الدستورية إصدار جميع القرارات عدا التي تختص بإصدارها السلطات الاتحادية الحصرية والمشتركة المنصوص عليها في المواد ( 114.113.112.111.110) من الدستور .
ثالثا : ذكرت المحكمة الاتحادية في رأيها ذي العدد(6) في 4/2/2009 ما يأتي نصه :
طلب مجلس محافظة بابل /اللجنة القانونية بكتابه المرقم 313 في 18/1/2009 بيان الرأي القانوني بشأن ما ورد بالمادة 115 من دستور جمهورية العراق حيث ورد فيها على (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما ) ويستفسر مجلس محافظة بابل عن المقصود في حالة الخلاف هل أن القانون الذي سيشرعه مجلس المحافظة أو مجلس الإقليم يعتبر معدلاً أو لاغياً للقوانين الاتحادية التي تخالفه . وضع الطلب موضع التدقيق والمداولة في جلسة المحكمة الاتحادية العليا المنعقدة بتاريخ 4/2/2009 وتوصلت المحكمة بالاتفاق إلى ما يأتي :
القرار : من استقراء نص المادة (115) من الدستور نجد أن الأولوية في التطبيق تكون لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة التعارض بينهما ما لم يكن قانون الإقليم والمحافظة غير المنتظمة بإقليم مخالفاً للدستور وذلك فيما يتعلق بالصلاحيات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم ولا يعتبر القانون الذي سيشرعه مجلس المحافظة معدلاً أو لاغياً للقانون الاتحادي .
وبناءا على ما تقدم أعلاه كان من المفترض أن يرجع هؤلاء المسؤلون لذوي الخبرة والاختصاص قبل التنازل عن هذه الصلاحيات لأنها من حقوق المحافظة التي لا ينبغي التفريط بها ، وفي حال إصرار هذا الطرف أو ذاك على مصادرة هذا الحق كان من الأولى الرجوع إلى المحاكم المختصة وليس الرضوخ والتنازل عن الحقوق ولعمري ما الذي بقي من حقوق المحافظة حتى نتنازل عنه .
الشيخ أحمد السليطي
نائب رئيس مجلس محافظة البصرة
28/11/2009
https://telegram.me/buratha