على مدى سنوات ظلّ الراحل الدكتور أحمد الجلبي ، عضو مجلس النواب رئيس اللجنة المالية فيه ورئيس المؤتمر الوطني العراقي، مشغولاً بقضايا الفساد المالي والاداري الكبرى، وفي مقدمها قضية تهريب مليارات الدولارات الى خارج البلاد عبر شركات مالية وهمية في معظمها وصيارفة مستجدين استنزفوا هذه المليارات من خزينة الدولة ومن قوت الشعب، ما أدى الى خواء الخزينة وتعطّل مشاريع اقتصادية وخدماتية كثيرة، وكذلك القضايا المتعلقة بما يعرف بـ "المشاريع المتلكئة"، وهي مشاريع صرفت عليها المليارات ومئات الملايين من الدولارات ولم تنجز بالرغم من مرور
سنوات على المواعيد المفترضة لانهائها، وبينها مشاريع تتعلق بانتاج الطاقة الكهربائية وأخرى تابعة لأمانة بغداد ولعدد من المحافظات.
ومنذ تولي الراحل الجلبي رئاسة اللجنة المالية في مجلس النواب الحالي وضع نصب عينيه كشف تفاصيل هذه الملفات الخطيرة، وخصوصاً ملف تهريب العملة الاجنبية، وبالفعل نجح بالتعاون مع أعضاء آخرين في اللجنة ومسؤولين في الدولة في جمع المئات من الوثائق التي أعدّ بها تقريراً تقدّم به الى اللجنة وجهات اخرى بينها رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة. وكما ابلغ الجلبي "المدى" في حينه فانه لقي تعاونا ذا قيمة من وزارة المالية ووزيرها هوشيار زيباري في الكشف عن وقائع هذا الملف وغيره.
وفي العديد من تصريحاته ومقابلاته الصحفية والتلفزيونية، فضلاً عن مداخلاته في جلسات مجلس النواب، كان الراحل الجلبي قد حذر بقوة من العواقب الوخيمة لاستمرار ظاهرة الفساد الاداري والمالي وتفاقمها،وفي لقاء متلفز قبل بضعة اسابيع من وفاته حذر من تفاقم الوضع المالي والاقتصادي ما لم تجر اصلاحات سريعة وجدية خلال الاسابيع اللاحقة، وقال الجلبي ان “الوضع الاقتصادي يتفاقم ويتعقد وهناك نتائج وخيمة إذا لم يجر اصلاح الامور بشكل سريع وجدي خلال اسابيع باتخاذ قرارات جريئة وتغيير اشخاص من مواقعهم ومعالجة الفساد واتخاذ اجراءات بحق من هدر المال العام”.
وحمل الجلبي مسؤولية تداعيات انهيار البنية المالية للبلاد للحكومة السابقة والبنك المركزي ومن وصفها بـ”العصابات” التي تتحكم بسعر السوق ، وقال ان "سبب الانهيار الاقتصادي هو فترة الحكم من سنة 2006 الى سنة 2014 حيث دخل العراق مبلغ 551 مليار دولار والحكومة استوردت ما مجموعه 115 مليار دولار والبنك المركزي باع للبنوك الاهلية كمية 312 مليار دولار ، مضيفا ان "هذا المبلغ الذي أهدر (312 مليار دولار) كان بأمكانه بناء الاحتياطي النقدي".
وكشف الجلبي أن "اطرافا سياسية تضغط على البنك المركزي لزيادة مخصصات البنوك بالمزاد لقاء مبالغ وهناك مذكرات داخل البنك المركزي باسماء هؤلاء السياسيين من مجلس النواب ومن الحكومة".
الراحل الجلبي أطلع مؤسسة "المدى" في وقت مبكر على وقائع هذا الملف وأودع منذ فترة نسخة من محتوياته لدى المؤسسة على أمل البدء بنشر ما يتعلق بهذا الملف في وقت يحدده هو، إذ كان ينتظر مواقف الجهات الأخرى، وبينها المرجعية الدينية العليا في النجف التي كان يتطلع الى الحصول على دعمها لفتح هذا الملف وسواه من الملفات التي تميط اللثام عن النشاطات الخطيرة لمافيا الفساد في البلاد والتي ترتبط بعلاقات وشيجة بمسؤولين كبار في هذه الدولة.
الآن وقد رحل الدكتور الجلبي عن هذه الدنيا، فان مؤسسة المدى تجد نفسها ملزمة بتنفيذ ما اتفق عليه معها الراحل الجلبي.
(المدى برس) تنشر هنا إحدى قضايا ملف تهريب العملة الذي أعده الراحل الجلبي، وتنشر صحيفة (المدى) اعتباراً من يوم غد صوراً للوثائق الى جانب هذا التقرير، على أن تواصل (المدى برس)، وفضائية المدى وصحيفة المدى نشر باقي القضايا المتصلة بهذا الملف والملفات الأخرى تباعاً، بحسب ما قدّمه لها الراحل الجلبي.
https://telegram.me/buratha