أفاق سكان منطقة "حي الجهاد"، غرب بغداد، ليجدوا رسائل تهديد بجانبها رصاصات تنتظرهم عند أبواب منازلهم، ثمَّة من تعامل مع هذه الرسائل ببرود ولا مبالاة، وثمَّة من أرعبته فذهب مجددا إلى داخل المنزل ليفكِّر بحلٍّ يجنِّبه موتا محدقا.
"في وقت متأخر من الليلة الماضية تسلل أفراد إلى المنطقة ورموا رسائل التهديد والرصاصات تحت أبواب المنازل"، هكذا يروي أحد سكّان المنطقة - طلب عدم الكشف عن اسمه - الحادث الذي جعل عوائل محلَة 887 يرجعون بذاكرتهم إلى الخلف وهم يشاهدون جثث القتلى التي ترميها الميليشيات كل يوم في شوارع المنطقة.
وقد تبنى "جيش المختار"، الذي أعلن تأسيسه رجل الدين واثق البطاط، والذي ينتمي إلى تنظيم حزب الله، المسؤولية عن رسائل التهديد هذه، حيث ذيلت كل رسالة تسلمتها العوائل في المنطقة باسم "تنظيمات جيش المختار في حي الجهاد".
يقول سعد الدين، وهو من سكان المنطقة، إن "المشكلة هذه المرَّة لا تقتصر على طائفة دون أخرى"، مشيرا إلى أن التهديدات طالت 7 عوائل من الطائفة السنية و4 من عوائل الطائفة الشيعية، ولا يتسنم أحد من هذه العوائل منصبا رفيعا في الحكومة ما عدا رجل عسكري "سني" رتبته لواء كان قد تعرض قبل هذا التهديد إلى محاولة اغتيال.
وتعبر هالة، وهي أم لولدين، عن خشيتها من عودة التهديدات إلى حي الجهاد مجددا، بعد أن كان الحي مرتعا للميليشيات السنية والشيعية على حدٍّ سواء في السنوات القليلة الماضية. وتقول هالة "منذ تسلم الجيران رسائل التهديد وأنا لا أنام، أخاف من تعرض أحد أولادي لمكروه"، مستدركة "ولدي شكله جنوبي لكن الظاهر أن هؤلاء لا يفرقون بين الجانبين"، في إشارة إلى الطائفتين. وتذكر هالة أن عائلتين تركتا المنطقة بعد أن تسلمتا رسائل التهديد، متوقعة أن تستمر هجرة العوائل في ظلِّ "الضغط والتهديد الذي نعيشه".
أما سعد الدين فيقول انه حاول أن يصوِّر لافتات خطّها جيش المختار "ببخاخ أسود" على جدران مدرسة في نفس المحلَة، إلا أنه خاف من أن تتعرَّض له دورية الشرطة التي ترابط هناك. ويبدي سعد الدين استغرابه من اكتفاء قوات الأمن في المنطقة بمسح ما كتبه "جيش المختار" من تهديدات. ولم يتوقع الكثير من العراقيين أن تحدث تطورات كهذه لتشكل امتدادا ليوم 4 شباط، الذي أعلن فيه حزب الله / النهضة الإسلامية في العراق، تشكيل جيش "شعبي مناطقي يدعم توجهات الحكومة في محاربة الفساد وتنظيم القاعدة" بحسب بيان تلاه مؤسسه واثق البطاط، قائلا إن هذا الجيش (جيش المختار) سيكون "على أهبة الاستعداد إذا ما حاول الجيش العراقي الحر أو تنظيم القاعدة استغلال التظاهرات التي تجري في بعض محافظات العراق".
ومع أن الحكومة العراقية وضعت البطاط في قائمة المطلوبين للقضاء بعد إعلانه تشكيل الجيش، لكن ذلك لم يمنع من ظهور لافتات إعلانية كبيرة في مناطق عديدة من بغداد لهذا الجيش، منها لافتة صفراء على طريق قناة الجيش (شرقي بغداد) ثبتت على جسر لعبور المشاة، كما تناولت وسائل إعلام توزيع "جيش المختار" منشورات في منطقة "مدينة الصدر" بغية استقطاب الشباب هناك.
ولا تنفِ وزارة الداخلية علمها بوجود "قصاصات التهديدات منذ يوم الجمعة"، بحسب ما يقول المتحدث باسمها العميد سعد معن، الذي يؤكد أن وزارته "تسعى جاهدة من خلال تشكيلاتها الأمنية إلى القبض على مسؤول الجيش واثق البطاط". لكن معن قلّل من أهمية هذه الرسائل التي وصفها بـ"القصاصات"، مؤكدا أن قوات الأمن والجيش واعية وتقف بالمرصاد للوقوف ضد أي جهة تحاول العبث بأمن المواطنين،
مضيفا أن "التهديدات أخذت أكثر من حجمها الطبيعي". وأشار معن إلى أن وزارته تعاملت مع موضوع "البطاط" فور تشكيله الجيش، لافتا إلى أنها تبحث عنه الآن ولن تتهاون في الأمر أبدا. ولا يدل محتوى رسائل التهديد التي حصلت "العالم" على نسخة منها على وجود دراية بالدين الإسلامي واللغة العربية لدى كاتبها، فالآية القرآنية المقتبسة من سورة "الأحزاب" ونصفها "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلا"، كتبت في مقدمة الرسالة بالشكل الآتي: "رجال صدقوا ما عاهدو الله فمنهم من قتل ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا"، إذ يلاحظ أن عبارة "قضى نحبه" حولت الى "قتل"، وكلمتي "عاهدو" و"بدلو" كتبتا من دون الألف الفارقة، و"عليه" الواردة بعد "ما عاهدوا الله" حذفت.
في مقابل هذا، لم يتردد مظهر الجنابي، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، في اتهام الحكومة بتشكيل ميليشيا "جيش المختار"، مشككا بمحاولة القبض على مؤسس "جيش البطاط". وتساءل الجنابي "كل تشكيلات الجيش ليس بإمكانها القبض على شخص يصرح 24 ساعة على شاشة التلفاز؟".
وتشكك كتل سياسية كثيرة بجديَّة الحكومة بالقبض على واثق البطاط. ويرى محللون سياسيون أن الحكومة خلقته في محاولة منها لإيجاد توازن "ميليشياوي" في حال تطوَّرت الأوضاع في المحافظات التي تشهد احتجاجات إلى تنظيمات مسلحة تنفذ اعتداءات في بغداد. وفيما تستمرُّ الاتهامات المتبادلة بين الأطراف الحكومية، وتزداد توقعات المحللين السياسيين بعودة الميليشيات إلى الشوارع مع الأزمات السياسية المتلاحقة، ترسل هالة ابنها الأكبر إلى منزل أخواله في إحدى مناطق الرصافة خشية أن تفقده في حرب لن يكون الخاسر فيها إلا "أولاد الخايبة" كما تقول.
https://telegram.me/buratha

