رسم اقتصاديون عراقيون صورة قاتمة لاقتصاد بلادهم بعد أربعة عقود من التخبط التخطيطي والحروب والأزمات الداخلية والعقوبات الاقتصادية التي تعرض لها هذا البلد. واوضح تقرير اخباري بثته وكالة (شينخوا) الاخبارية الصينية ان الاقتصاديين اجمعوا على أن الحكومات المتعاقبة على العراق لم تفلح في التخلص من كون الاقتصاد العراقي، اقتصاد أحادي الجانب يعتمد بالدرجة الأساسية على تصدير النفط مما يبعده عن الاستقرار ويلغي ويشل عمل الفعاليات الاقتصادية الأخرى، وبالنتيجة ضياع فرص للتقدم والازدهار على العراقيين الذين أصبحوا أفقر شعوب المنطقة. ويعد العراق واحدا من اغنى بلدان المنطقة بفعل ما تضمه ارضه من معادن يأتي النفط في مقدمتها، بالاضافة إلى موارد زراعية وإمكانات صناعية كانت هي الأفضل بين دول المنطقة إلى وقت قريب. وأوضح الاقتصاديون الذين يمثلون كبار أساتذة الاقتصاد في الجامعات العراقية، الذين التقوا بمؤتمر علمي بجامعة تكريت، أن خيبة الامل الكبرى تتمثل في أن 90 بالمائة من موازنات العراق منذ عام 2003ولحد الان كانت تعتمد على النفط وسجلت عجزا مقداره 37 بالمائة من حجم الإيرادات المخططة ولجميع السنوات، الامر الذي اجبر الدولة على الاقتراض، وهذا يدق ناقوس الخطر بتعرض الاقتصاد العراقي إلى هزات عنيفة في حال انخفضت أسعار النفط كما حصل مطلع العام 2009. وقال الدكتور علي الراوي استاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية ببغداد لوكالة أنباء (شينخوا)الصينية ، الذي كان الاكثر تشاؤما في محاضرته، إن العراق لن تقوم له قائمة الا بالعودة عن اقتصاد السوق الذي اقره الدستور العراقي. ويعزي الراوي السبب في ذلك إلى أن مجمل الاقتصاد العراقي قد بني على خطأ وأن من الخطأ الاكبر أن تبنى على الخطأ لان البناء سينهار في اية لحظة. بينما يعتقد استاذ الاقتصاد بكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة تكريت الدكتور عباس ناجي جواد، أن على الدولة العراقية والمشرعين الاقتصاديين العراقيين أن يراعوا تركيبة الدولة الاقتصادية والتي بنيت على اساس مبدأ القطاع العام. وأضاف جواد أن على الدولة اذا أرادت النهوض بالاقتصاد العراقي أن تستمر في دعم القطاع العام لمدة تصل إلى 20 عاما فيما تقوم بالمقابل بدعم القطاع الخاص وتسهيل عمله وتوفير التشريعات القانونية والمالية التي تدعمه وتنمي نشاطه. وتابع أن من شأن هذه الإستراتيجية حماية المال العام والمشاريع الكبرى التي انجزها العراق وتحافظ على التوازن الاجتماعي في البلاد، وفي المقابل نقل البلاد انتقالا هادئا إلى اقتصاد السوق وتقوية سيطرة الدولة على الوضع الاقتصادي كي لاتضطر إلى المجازفة ببيع القطاع العام أو التخلي عنه وهي في حالة ضعف. وانصبت المداخلات على أن النفط تحول إلى عبء على الاقتصاد العراقي بسبب الاعتماد شبه الكامل على مداخيل العراق من هذه المادة مما افقد القطاعات الاخرى الاهتمام المطلوب وجعلها في حال من الضياع يرثى لها مكنت العراق من تجاوز عدد من الازمات الاقتصادية لكنها لم تجد الحلول الجذرية لتلك الازمات بسبب الهيكلية المتخلفة للاقتصاد العراقي. من جهته، قال الدكتور عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية في العراق والذي القى محاضرة في الندوة إن سبب التردي الاقتصادي الذي يعيشه العراق هو عدم وجود ادارة اقتصادية ذات بعد استراتيجي في العراق وهذه الحالة امتدت لعقود وإلى الان، وهذا ما نلاحظه من خلال غياب البرنامج الاقتصادي الإستراتيجي من أجندات الكتل السياسية في الانتخابات المتعاقبة التي جرت في العراق مما يؤكد انها لا تملك تلك البرامج وتجهل في الأساس أهمية تلك البرامج. ويتفق تركي وهو الذي يراقب الاقتصاد العراقي من خلال عمله الرسمي من رأي الدكتور عباس ناجي جواد بوجوب ابقاء سيطرة الدولة على القطاعات الاساسية في الاقتصاد العراقي، ويأتي النفط في مقدمتها لأنه بحسب رأيه تحول إلى سياسة ولم يعد سلعة وكذلك قطاع البتروكيمياويات المرتبط بالنفط وقطاع تصنيع الاسمدة والذي يعد العراق واحدا من البلدان القليلة التي تمتلك مقومات الصناعة كلها محليا، موضحا أن من شأن تلك القطاعات اعطاء زخم اكبر للاقتصاد العراقي. ودعا تركي الحكومة إلى ترك العمل في جميع القطاعات الأخرى للقطاع الخاص وتنميته وتقويته عبر تشريعات تحفظ حقوق الجميع. وأشار إلى أن العراق يواجه الان تحديات اقتصادية هائلة منها ما يرتبط بوضعه الداخلي كالفساد المستشري في أركان الدولة وارتفاع نسبة الفقر والبطالة خصوصا بين فئات الشباب المتعلم والسياسة المالية والنقدية ومنها مايرتبط بالخارج وهو موضوع تعويضات الحروب التي مر بها العراق فضلا عن التهديد الذي تتعرض له الاموال العراقية في الخارج والتي سترفع عنها الحماية الدولية منتصف العام الجاري.
ورأى الاقتصاديون في ختام يومين من الحوارات وعرض الدراسات أن على العراق اذا ما أراد الخروج من الازمة الاقتصادية التي يعيشها منذ عقود أن يسعى إلى تعظيم موارد الدولة من القطاعات غير النفطية وهو ماسيعزز الاقتصاد العراقي ويوفر موارد مضافة للموازنة فضلا عن تشغيل الايدي العاملة وكذلك ايجاد تشريعات اقتصادية تساعد عل تنشيط قطاعات الاقتصاد العراقي وتوفر الحماية لمجمل الفعاليات الاقتصادية وتقضي على التخبط الاقتصادي والفساد الاداري والمالي الذي ما فتأ ينخر بجسد الدولة والذي تحول إلى حوت يلتهم الموازنة تلو إلأخرى
https://telegram.me/buratha

