د. إسماعيل النجار ||
حزبُ الله أو المقاومة الإسلامية في لبنان،إسمٌ عريق أضفىَ على وطن الأرز كرامةً وهَيبَةً وَوَقارا.
قُوَّة تكادُ تكون مُعجِزَة في عالم التقدُم التكنولوجي والعلمي وتطوُّر الصناعات العسكرية المتقدِمَة.
وُصِفَت المقاومة الإسلامية بالقُوَّة الفريدَة النادرة في منطقة الشرق الأوسَط، من حيث التشكيل، والتنظيم، والتدريب، ونوعية الرِجال، والعقيدَة.
خاضَ الحزب مواجهات كبيرة وكثيرَة مُوَثَّقَة مع العدو الصهيوني، وأجبرهُ على الِانسحاب من جنوب لبنان، إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتَلَّة، لَكنَّ الأمر لَم يقتصِر على الِانسحاب الإسرائيلي من لبنان،بَل أصبَحَ الكابوس الأكثر إزعاجاً للكيان الصهيوني الغاصب،حتى تَحَوَّل حزبُ الله، بنظر المفكرين الصهاينة،إلى تهديد وجودي فعلي قائم على الحدود الشمالية.
إسرائيل لَم تَستَطِع إغفال هكذا نوع من الخطر، كما لَم تستطِع إخفاءه عن شعبها وعن العالم،حيث جاهرَ قادتها ومفكروها والمحللون السياسيون فيها، بأن هذا الحزب هو الخطر الأكبر والأخطر الذي تواجههُ دولة إسرائيل فعلياً، منذ تأسيسها عام 1948،وأنّ بقاءالحال على ماهو عليه أمرٌمستحيلُ القبول بهِ، فتحركَت في كل المحافل الدولية للتحريض عليه، وتشكيل لوبي ضاغط على الدولة اللبنانية لكي تكبح جماحه وتجردهُ من سلاحه!
لكن الأمر كان قد فاتَ الأوانُ عليه،بعدَ أربعين عاماً،وبعدماعجزوا عن هزيمتهِ،
وأصبحَ حزب الله أكبر من قبضة يَد أمريكا وإسرائيل وأي دولة أُخرَىَ، وتحَوَّلَ بفعل تصدّيهِ لحضور داعش الإرهابي الدولي، في العراق وسورية، إلى قُوَّة إقليمية تواجه وحش السعودية وأمريكا،وتقاتله وجهاً لوجه، وتهزمه في كل ميدان اشتبكَت معه فيه.
َذاعَ صيت حزب الله في المنطقة والعالم، حيث أصبَحَ رمزاً للمقاومة ورمزاً لمحاربة الإرهاب ومقاومة إسرائيل، مناصراً لقضايا الأُمَّة وكل الشعوب المضطهدة،أذعَنَت له كل جبابرة الإرهاب السعودية الصنع، إذأطاحَ بهم، وكَسر هيبتهم واحداً تلو الآخر.
اتُّهِمَ حزب الله بإرسال ضباط ومدربين إلى شمال اليمن، وبتدريب عناصر من أنصار الله "الحوثيين"، وتزويدهم بالمعلومات والمعدات، كما تحمله مملكة بني سعود المسؤولية عن هزيمتها في بلاد سبأ، وكسر هيبتها بأبابيل صنعاءالمُسَيَّرَة،فكانت المُصيبَةُ جامعةً لكُلٍّ من الدولتين الشقيقتين: إسرائيل والسعودية،حيث أجمعتا معاً على اتخاذ قرارٍ دوليٍ بمحاصرة هذا الحزب، عبر خطة جهنمية تقضي بمحاصرته، وتأليب الرأي العام اللبناني وبيئتِه القريبة عليه، للخلاص من جبروتِه، حسب تعبير المرتعشين خوفاً من إصبع سماحة الأمين العام.
وُضِعت الخطة قيد التنفيذ تحت عنوان: تجريد حزب الله من السلاح،
واستُخدِمَت كل أنواع الأسلحة الخسيسة في هذه المعركة، من حصارٍ وتلاعبٍ بسعر صرف الدولار، ورفع الأسعار،حتى وصلت إلى مصادرةأموال المودعين، تقصيراًللوقت حتى لا يطول صمود الناس، وغير ذلك من الوسائل المجرمَة، لكي يجبروه على الرضوخ والركوع والِاستسلام.
فوجئ الجميع بحجم تحصين الحزب لجبهتهِ الداخليه، من خلال مؤسسة القرض الحَسَن "مالياً"، والمؤسسات الصحية والِاجتماعية، وبناء المدارس الخاصة والمستشفيات،بالإضافة إلى جهازٍ أمنيٍّ بجذور ضاربةٍ في العمق، يستطيع تأمين البيئة والمناطق التي ينتمي إليها، ومنع تسلُّل أيّ خطر إليها.
كسرَ حزب الله الحصار، وجاء بالمازوت وبالموادالغذائيةوالكثيرمن مستلزمات الحياة للمواطن اللبناني، مستنداً إلى قاعدة جماهيرية عريضة لَم تبخل بتقديم أبنائها فلذات أكبادها، عندما دُقَّ النفير وسُمِعَ اصطِكاكُ الأسنان.
حاول الأمريكيون والسعوديون، عبر المرتزقَة والمأجورين في الداخل، ولأكثر من مَرَّة، جَرَّ الحزب إلى الشارع، بافتعالِ اشتباكاتٍ داخلية، لكي تصبح بندقيته المُقَدَّسة سلاحاً قاتلاً لحامليه، وغير جدير بالتقديس والِاحترام كما هو فعلاً، لكنّ الحِزب لَم ينجَر إلى تلك الأفخاخ رغم حجمها المُضني والكبير، بحيث تَرَكَت ندوباً كبيرة واضحة في جسد شعبيتهِ المجاهدة،لكنه صبَر وعضَّ على نواجذهِ، وبقيَ حكيماً متماسكاً رافعاً شعار: لا بديل عن الدولةوالمؤسسات الأمنية والقضائية، مهما بلغت قوتنا.
نَجَح حزب الله، كعادته، بتمرير الجريمتين اللّتين ارتكبتهما عناصر موالية لسفارة عوكَر، كما نجح من قبل بتجاوز أحداث كنيسة مار مخايل وموقف حي السلم، وجسر المطار، وثُكنَة فتح الله وسط بيروت.
فَشِلَ رهان المتآمرين على المقاومة خارجيين كانوا أم داخليين، فلَم يبقى أمامهم سوىَ خوض معركة الِانتخابات النيابية، لكسر قوَّة الحزب وإسقاطه، وتحجيم قوتهُ السياسية البرلمانية، عبر ضربهِ في الِانتخابات، بالإعلام والأموال، مهما كانت التَكلُفَة المادية،
فسفارة الشيطان الأكبر جاهزة لتدفع أي مبلغ، لتحقيق أهدافها الشيطانية الدنيئة وأحلامها ضدّ الحزب.
لكن الأغبياء لَم يُفَكِروا سياسياً بشكلٍ عميق وإستراتيجي، في نتائج لعبتهم ومايصْبون إليه، في حآل تحقَّقَ حلمهم بهزيمة الحزب في الِانتخابات القادمة، لا سَمَح الله.
أولاً : حزبُ الله يستخدم قوته الشعبية لإيصال مرشحين يمثلونه في البرلمان اللبناني، ودائماً ما تكون حصته اثني عشر نائباً.
وثانياً : تساعد كتلته النيابية بفرض تمثيله في الحكومة، التي تتشَكَّل بناءً على نتائج الِانتخابات، ويتم تمثيل الحزب بوزيرين.
ثالثاً: بكُل ما سَلف، يضمن حزب الله الحصولَ على غطاء شرعيٍّ رسميّ، عبر البيانات الوزارية،التي تنُص دائماً إحدىَ فقراتها على حق لبنان بالدفاع عن نفسه بكل الوسائل المشروعة،بما فيها المقاومة، فتصبحُ من خلال هذا البيان شرعيةُ السلاح قائمَةً لا لُبسَ فيها.
فماذا لو افترضنا جدلاً أنّ حزب الله هُزِمَ في الانتخابات،و أن الفريق صاحب الأغلبية رفضَ إشراكه في الحكومة، وصَوغ بيانٍ وزاريٍّ يُشَرِّع المقاومَة؟
ماذا ستكون النتيجة وإلى أين ستتَجِه الأمور؟.
"" هَل" سيقوم حزب الله بتسليم سلاحه؟
" "هل" سينصاع إلى القرارات الحكومية التي تستهدف مسيرته وتُدَمِر أحلامهُ وتُقَييد تصرفاتهُ وخصوصاً بوجه إسرائيل؟
ماذا ستكون رَدَّة فعله؟
وكَيف سيحمي نفسهُ محلياً ودولياً، بعد تجريده من غطائهُ الشرعي، ويصبح،بنظر الجميع، ميليشيا خارجة عن القانون؟
الجواب واضح وجَليّ:
الحزب سيحمي نفسه بسلاحه، وستنتفي عندها مقولَةُ سماحة الأمين العام السيدحسن نصرالله منذ سنوات:
*لو قتلتم ألف أحمد محمود لَن ننجَر إلى الفتنَة.
وفي حال محاولة أي فريق ارتكاب أيَة حماقةَ، سوفَ يُضطرُّ للدفاع عن نفسهِ بما أبقيتم له من وسائل دفاع شرعية، على الأقل بنظرهِ ونظر بيئتهِ الحاضنة.
لذلك فَيا أيها الحالمون الأغبياء بتجريد حزب الله من السلاح، ويا أيها الحَمقى الذين يسعَون لكي ينتحروا، بسلاح حزب الله، لو كنتم أذكياء بما فيه الكفاية، لسعيتُم بأيديكم وأرجُلَكم ، لكي يبقى حزب الله ممثلاً في البرلمان والحكومة، محمياً سلاحُه في البيان الوزاري، لأن هذه الفقرة في البيان أيها السادة الطارئون على الذكاء، هي في الحقيقة تحمي رقابكم مِمّا سيبقى معه من وسيلة يدافع بها عن نفسه.
لذلك اتركوا الفقرة في مكانها، ليبقى التمثيل البرلماني والحكومي، والبيان الوزاري، هو السلاح الذي يواجهكم به حزب الله، فذَٰلكُم خيرٌ لكم لكي تبقوا على قيد الحياة السياسية، لو كنتم تعقلون.
أمّا ما تحجبونه عن الضوء، فتُصبِح حمايةُ وطنكم، وثرواتكم، وحرائركم،
هي مهمّته، لا رقابكم التي أينَعَت وحانَ قطافها، لأنّها غير صالحة للأكل.
بيروت في...
21/12/2021