( بقلم : محمد حسن الوائلي )
طرحت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) مقترح مشروع انشاء مكتب وطني لجمع وحفظ الوثائق في العراق. ولمن يطالع ورقة المشروع الذي اشار قسم الشؤون السياسية في البعثة الى ان الفكرة اقترحها الدكتور محمد سلمان السعدي رئيس هيئة المصالحة الوطنية في الامانة العامة لمجلس الوزراء، لابد ان يتوقف عند جملة من النقاط التي تثير عدة تساؤلات واستفهامات ، ومن تلك النقاط:
1-ان اليونامي تحدثت في مشروعها الذي عرضته في خمس صفحات ونصف عن امور عامة وبعيدة عن جوهر المشروع، وتناولت قضية المصالحة الوطنية، وحاولت من طرف خفي ان تشير الى وقوع مظلومية على بعض من منتسبي حزب البعث المنحل نتيجة التطبيقات الخاطئة وغير الموضوعية لقانون اجتثاث البعث من قبل الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، وبعده قانون المسائلة والعدالة، وبالنسبة للاخير فأنها اشارت الى ان هذا القانون احتوى على العديد من التناقضات والاخطاء مما عرقل عملية التطبيق وجعلها شبه مستحيلة.واشارت كذلك الى فشل لجنة المصالحة الوطنية في البرلمان من تأكيد سلطتها التشريعية والرقابية على السلطة التنفيذية وعدم قدرتها على تنفيذ مواد واحكام هذا القانون.
2-اظهرت انحيازا لطرف معين على حساب اطراف اخرى حينما اشارت الى ان هناك ثلاثة اطراف اضطلعت بمهام المصالحة الوطنية وهي اللجنة الوزارية للمصالحة الوطنية، ووزارة الدولة للحوار الوطني، وهيئة المصالحة الوطنية التابعة لمكتب رئيس الوزراء، واعتبرت ان طرفا واحدا فقط من بين هذه الاطراف الثلاثة وهو الهيئة التابعة لمكتب رئيس الوزراء يمتلك المقومات الحقيقية للعمل من حيث توفر المصادر المالية والتركيبة التنظيمية والكادر البشري بالاضافة الى الدعم السياسي.
وهذه نقطة تحسب على مكتب رئيس الوزراء ودولة رئيس الوزراء نفسه لا لصالحهما، لانها تؤشر الى حقيقة احتكار كل الامكانيات في هذا المفصل وتهميش المفاصل الاخرى، ناهيك عن عدم ضرورة تشكيل هيئة في مكتب رئيس الوزراء لهذا الشأن اذا كانت هناك وزارة معنية بذلك الامر، ويفترض ان تتمتع بالامكانيات المالية والبشرية والصلاحيات والقدرة الحقيقية على التحرك.
3-تقول اليونامي في عرضها لاهداف المشروع (ان هذه المشروع يطمح الى دعم المصالحة الوطنية عبر تأسيس المكتب الوطني لحفظ الوثائق، والذي سيرتكز على قاعدة بيانات وارشيف يحتوي على كافة الوثائق والمستمسكات ذات العلاقة)، وامر غريب ما تقوله بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق، بحيث يوحي للمتلقي بأنه لايوجد في الدولة العراقية اي مركز او مؤسسة تعنى بحفظ الوثائق وارشفة المعلومات، وانها عاجزة عن القيام بمثل تلك المهمة التأريخية، بحيث تحتاج الى من يقوم بهذه المهمة بدلا عنها؟.
4-اشارت البعثة في ورقة المشروع الى انها فاتحت السفارة الالمانية في بغداد ومكتب شؤون العراق في الخارجية الالمانية وكلاهما ابدى استعداده لتوفير الدعم الفني.. وانها ستقوم بوضع دراسة للقيام بجولة ميدانية لما يقارب عشرة اشخاص من العراقيين الى مكتب المفوضية الفدرالية في برلين لمدة عشرة ايام في ايلول 2009.هذا امر غريب هو الاخر، اذ لم تذكر اليونامي دواعي ومبررات الاستعانة بالسفارة الالمانية في بغداد ووزارة الخارجية الالمانية دون غيرهما؟.. ولم تذكر فيما اذا كانت قد نسقت مع الجهات العراقية الرسمية التي يفترض ان تكون هي صاحبة القرار والرأي النهائي في موضوع كهذا.
5-تشير البعثة في فقرة الملاحظات الختامية للورقة (من الناحية الواقعية فأن، الاطار الزمني لهذا المشروع هو بحدود السنة وذلك لاعتبارات عدة مرتبطة باولويات الحكومة والبرلمان وعلى رأسها الانتخابات التشريعية القادمة، وثانيا التغيير المحتمل لتركيبة القوى السياسية داخل البرلمان والذي يفرض معطيات جديدة عند مناقشة قانون المكتب الوطني).
اذن اليونامي تسعى الى عرضه على مجلس النواب، وهي تضع في حساباتها التركيبة السياسية لهذا المجلس، وهذا يعني ان هناك اجندات سياسية وراء المشروع يراد تمريرها، وان ضمان تمريرها يتطلب اجراءات وترتيبات مسبقة.وتأمل ان تتبنى الحكومة والبرلمان العراقيان مشروع الامم المتحدة لحلحلة العقد المستعصية في موضوع اجتثاث البعث والوصول الى حلول عملية، وأحد هذه المؤشرات تبني حكومة السيد المالكي لمبدأ القاعدة السياسية العريضة المرتكزة على الانتماء الوطني العراقي بديلا عن الاجندة الطائفية الضيقة وذلك عبر تشكيل تفاهمات سياسية مع اطراف حزبية ذات توجه وطني علماني، وان تقوية هذا التوجه في المستقبل سيدفع نحو تبني توجه مخالف للتوجه السابق بخصوص حقبة حكم النظام البعثي السابق)
اذن هناك توجه لدى الامم المتحدة للتعاطي مع قوى ذات توجهات سياسية معينة، وهناك سعي لتغيير اليات التعاطي مع حزب البعث الصدامي من خلال منهج اكثر مرونة.بعبارة اخرى هناك مشروع سياسي ينطوي على مخاطر تريد بعثة الامم المتحدة وبالتعاون مع جهات اخرى تمريره تحت غطاء علمي وثقافي وتأريخي.ولابد من الالتفات الى هذا الامر.
https://telegram.me/buratha