صباح زنكنة ||
مع تزايد الجدل حول احتمالية نشوب حرب مباشرة بين البلدين تتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل في الفترة الأخيرة وبشكل ملفت ، ومع تراكم التصريحات والاستراتيجيات المعلنة، تكشف بعض المعطيات الحالية إلى أن إيران قد تكون متوجهة نحو التصعيد، خصوصًا مع تصريحات قياداتها العسكرية، فيما تحاول الولايات المتحدة اظهار التهدئة والنصل او ايكال المهمة الى اسرائيل على الرغم من الضغوط إسرائيلية الواضحة ازاء التصعيد والمواجهة المتزامنة مع الضوء الامريكي الاخضر والدعم غير المتوقف.
بالتوازي مع ازدياد حدة التصريحات الإيرانية، يعكس الموقف الأميركي تحركًا شكليا للحفاظ على الوضع الحالي دون التصعيد إلى حرب مباشرة، ويعود ذلك إلى أسباب عدة، أهمها تراجع الثقة الدولية بحلفاء واشنطن التقليديين وتأثر علاقاتها الدولية بفترة الانتخابات الهشة، ففي هذه المرحلة، تبدو الولايات المتحدة، رغم تحالفها مع إسرائيل، متحفظة في الدفع نحو مواجهة مباشرة قد تكون لها تكاليف غير محسوبة.
الموقف الصيني والروسي من الحرب المحتملة
الصين وروسيا من جهتها ، قد تشكلان عامل دعم محتمل لإيران، فمع ازدياد حدة المنافسة بين القوى الكبرى، قد يكون لأي تصعيد إيراني تأثير مزدوج؛ ربما يدفع امريكا بالتورط في صراعات جانبية من جهة ، ومن جهة أخرى يعزز من النفوذ الصيني والروسي على حساب الدور الأميركي الواضح في المنطقة.
موقف دول الخليج من الحرب
من المتوقع أن تتبنى دول الخليج موقفًا حذرًا يعتمد على مزيج من التوازن الدبلوماسي والحذر الاستراتيجي. فالتوتر بين إيران وإسرائيل يضع الخليج أمام تحديات معقدة، خاصةً مع علاقاتها القوية بالولايات المتحدة والتقارب المتزايد لبعض دولها مع إسرائيل ، اذ من المحتمل أن تسعى دول الخليج إلى تجنب الانجرار المباشر للصراع مع تركيز جهودها على حماية أمنها الداخلي واستقرار أسواق الطاقة.
ورغم أن بعض دول الخليج قد تكون ميالة الى دعم التحركات الأميركية والإسرائيلية كمسعى لاحتواء النفوذ الإيراني ، إلا أنها قد تتجنب الموقف المنحاز علنا للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع القوى الإقليمية، خاصةً في ظل العلاقات الاقتصادية الكبيرة والمتينة بينها وبين الصين وروسيا.
التفاوت التسليحي والقتالي بين طرفي النزاع
الاختلاف والتفاوت في النهج العسكري بين الطرفين يعكس جوانب متعددة من موازين القوة، فإيران، بحسب تقارير، تمتلك مخزونًا كبيرًا من الصواريخ البايلسيتية قد تسمح لها بالاستمرار في الحرب لفترات طويلة، على العكس من إسرائيل التي تعتمد على ضربات محدود قد توجهها الى ايران وبأعداد محدودة من الصواريخ ،اذ يعتمد التكتيك الإسرائيلي في المناورة على دقة الضربات وحرصها على عدم فقدان الطائرات والطيارين، بينما إيران تُظهر استعدادًا لاستخدام كامل ترسانتها دون اعتبار لعودة الصواريخ او الطائرات لتحقيق الهدف.
في حالة اندلاع الحرب، يمكن لإيران استهداف مواقع إسرائيلية مهمة، وفي ظل امتلاكها شبكة واسعة من الفصائل المسلحة والقوى الحليفة، يمكن أن تشكل قوة تحت مفهوم تعدد الجبهات ووحدة الساحات والاهداف ، في مقابل ذلك ورغم التفوق التقني الإسرائيلي، فإن موقع إيران الجغرافي ومساحتها الكبيرة يجعلان من الصعب استهدافها بشكل شامل بل سيكون الامر شبه مستحيل بالمقارنة بمساحة اسرائيل الجغرافية.
انعكاس الصراع على المنطقة
المشهد اذا زاد تعقيدا وشهد التصعيد إلى المواجهة العسكرية، فإن تداعيات الحرب لن تقتصر على البلدين فحسب، بل ستتأثر بها المنطقة برمتها، وقد تؤدي الحرب إلى فوضى إقليمية تمتد انعكاساتها على لبنان وسوريا، بالإضافة إلى ارتفاع حدة التوترات في الخليج العربي ،كما أن الخسائر الاقتصادية والبشرية الناجم عن هكذا حرب ستكون هائلة، وقد تنعكس تداعياتها ايضا على الأسواق العالمية، خصوصًا مع احتمالية استهداف مواقع الطاقة.
الحرب، إن وقعت، ستجعل الصورة قاتمة والمشهد معقدًا يمتزج فيها النزاع المباشر بالحروب السيبرانية والحروب النفسية والاقتصادية ، وستكون للقوى الدولية دور في تحديد مسار الأحداث، ولعل الاستنتاج الاضعف في هذه المعطيات التحليلية هو أن كلا الطرفين قد يحاولان تجنب الحرب الشاملة والاكتفاء بصراع محدود باستخدام أدوات الضغط غير المباشرة لتحقيق مكاسب تكتيكية دون الوصول إلى مواجهة الشاملة والمدمرة.
ان ما يحصل حاليًا من تراشق بالتصريحات وتحركات على الأرض يعكس مرحلة حساسة قد تفضي إلى الحرب، لكنها تظل تحت وطأة التوازنات الدولية، فلا إيران ترغب في خسارة زمام المبادرة، ولا الولايات المتحدة تريد دفع حليفتها إسرائيل إلى مغامرة غير محسوبة تكون حتفها فيها.
• صباح زنكنة
• كاتب وباحث عراقي •رئيس مركز اتحاد الخبراء الاستراتيجيين
https://telegram.me/buratha