علي محمد البهادلي
مرت ستة أعوام بعد عملية تغيير النظام الدكتاتوري في العراق ، والعراقيون قد عانوا خلالها الأمرين ، من سوء الخدمات والوضع الأمني المتدهور ، وأخيراً وليس آخراً التجاذبات والمهاترات السياسية التي ذاق وبال أمرها المواطن العراقي . بيد أن هناك بارقة أمل بدأت تطلُّ علينا من نافذة المسقبل ، فالوضع الأمني بعد النصف الثاني من عام 2007 بدا يشهد تحسناً ملحوظاً إلى أن بلغ ذروة تحسنه نهاية العام الماضي ، والحرب الإعلامية والكلامية بين الأحزاب والكتل السياسية قد خفت صوتها ، والانتصارات التي حققتها القوات الأمنية على الإرهاب جعلت رئيس الوزراء نوري المالكي يطلق حملته الوطنية على الفساد الإداري .
لذا نرى أن هناك ظروفاً موضوعية ملائمة جداً لتفعيل دور هيئة النزاهة ، فقد كانت في السابق ظروف تقع حجر عثرة أمام عمل الهيئة منها الوضع الأمني السيئ الذي يستحيل على أي سلطة رقابية أو قضائية أن تعمل بحرية واستقلالية في ظله ؛ لئن المفسدين لهم أجنحتهم المسلحة التي لها إمكانات تشبه إلى حدٍّ كبير إمكانات عصابات المافيا في الدول الغربية ، والأمر الآخر هو الإرادة السياسية لمكافحة الفساد ، إذ إن الكتل السياسية كانت ـ ولا يزال البعض منها على حاله ـ تحمي وزراءها الفاسدين الذين ثبت تورطهم في اختلاس أموال الدولة وسوء إدارة مؤسساتها .
أما الآن فقد لاح في أفق الساحة السياسية العراقية أن هناك توجهاً شبه عام لمحاسبة المفسدين من الوزراء والمدراء العامين وغيرهم ؛ لذا ينبغي لهيئة النزاهة أن تنتهزهذه الفرصة لملاحقة سارقي قوت الشعب العراقي وأن لا تأخذها في الحق لومة لائم ، فنحن نعلم أن التحديات السياسية التي تواجه الهيئة كبيرة جداً ، وقد أكد رئيس الهيئة القاضي رحيم حسن العكيلي في أكثر من لقاء أجرته معه الفضائيات العراقية وغيرها : أن هناك ضغوطاً سياسية تتعرض لها الهيئة ، لكن الهيئة تسعى قدر الإمكان أن لا تؤثر فيها هذه الضغوط . أقول إذا كان هناك ضغوط سياسية في السابق تعيق عمل الهيئة ، فالوضع الآن مختلف جداً ، فأكبر كتلة برلمانية قد مثل أحد وزرائها أمام البرلمان لغرض الاستجواب ، وهو الآن في التوقيف إثر مذكرة اعتقال صدرت بحقه من قبل القضاء العراقي في محافظة السماوة .
إذاً الظرف الآن ملائم لتنفيذ مذكرات الاعتقال التي صدرت بحق حوالي (1000) من المتهمين بقضايا فساد ، وينبغي أن يصاحب هذا العمل ، من قبل الهيئة ، وعي جماهيري بضرورة الإبلاغ عن المفسدين في دوائر الدولة كافة ،ويكون ذلك من خلال التثقيف الإعلامي وبث الإعلانات التلفزيونية كما هو الحال في الإعلانات الموضوعة لمكافحة الإرهاب ، وعلى الهيئة أن تضع أرقام هواتفها وبريدها الالكتروني في أكثر من فضائية ولا يقتصر على واحدة أو اثنتين ؛ مما يسهل للمواطن الإبلاغ عن أي حالة فساد يعلم بها . في الختام نسأل الله ( تعالى ) أن يوفق كل العاملين من أجل القضاء على الفساد والمفسدين ويتغمد برحمته الشهداء الذين راحوا قرابين فداء من أجل عراقٍ خالٍ من الفساد .
علي محمد البهادلي
https://telegram.me/buratha