علاء الموسوي
لم تأت الدعوة إلى تجديد الائتلاف الشيعي، وتوسيعه سياسيا، ناجمة عن ظروف آنية ترجمتها نتائج انتخابات مجالس المحافظات. فالصراع الداخلي (المبطن) بين قطبي الائتلاف العراقي الموحد (المجلس الأعلى وحزب الدعوة)، تكاد تمثل أبرز العوامل الرئيسة التي دفعت زعماء ذلك التحالف إلى إعادة التفكير بما سيخلف عنه التنافس السياسي داخل منظومة الإسلام السياسي الشيعي في العراق، وسط المناخ التصدامي الذي تعمل على ديمومته الإدارة الامريكية على وفق مصالحها الخاصة. فما اجتمعت عليه الأحزاب الإسلامية (الشيعية بالتحديد) في عام 2005 ، لم يعد مستساغا اليوم، وفي خضم الإشارات التي تطلقها إدارة اوباما في قيادة العراق المنتصر على تنظيم القاعدة.
دولة رئيس الوزراء نوري المالكي (أبرز قياديي ذلك التحالف) كشف في أكثر من محفل عن مشروع حزبه السياسي المنافس للمجلس الأعلى، مترجما دعوتهم لفدرلة جنوب العراق ، بمشروع تقسيم البلاد، على الرغم من كونه أبرز الداعين إلى فدرالية الجنوب حينذاك.
فالبرغماتية السياسية التي يتمتع بها المالكي دون غيره من الإسلاميين السياسيين ، أتاحت له الفرصة في التمكن من سحب بساط المجلس الأعلى والتيار الصدري على الساحة الشيعية، وتحويل أنظار جماهير تلك الساحة الطائفية، إلى مفاهيم وطنية بعيدة عن التوجه الإسلامي والمذهبي الصرف. التمثيل الحزبي للإسلام السياسي مرتبط في قراره إلى مرجعية دينية لا تهتم بمعيارية الانتماء الجغرافي لأي بلد، بقدر الانتماء العقائدي للإسلام. ولعله واضح في سلوك أغلب الأحزاب الإسلامية الشيعية، وأبرزها المجلس الأعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة سابقا، قبل أن يتشظى إلى مجموعات عدة، ويشهد نضوجا سياسيا خارج المباني الإسلامية ـ بحسب تصريحات قادته ـ كما كان معمولا به في بدايات تشكيله.
الحراك التغييري داخل حزب الدعوة / جناح المالكي، وطموح الأخير لكسب ثقة الشارع العراقي بولاية ثانية لرئاسة الوزراء، سينتج عنه تأزيم حدة الخلاف بين فرقاء البيت الواحد، وإلى تكوين ائتلافات متعددة . بل سينسحب الأمر إلى تقسيم الساحة الشيعية إلى منظورين، أحدهما وطني، والآخر طائفي، وهو ما سيسعى إليه المالكي في ائتلافه الجديد (ائتلاف دولة القانون الوطني) كما صرح به لجريدة لوموند الفرنسية في أوائل شهر حزيران الماضي ، من أن يصنف الخارجين عن ذلك الائتلاف الخاضع للهيمنة المطلقة لشخصه بالطائفيين، كما وصفهم سابقا بدعاة التقسيم في العراق.لن يهم المالكي في ائتلافه المقبل، إلتقاء المذهب او القومية، بقدر اهتمامه بضمان الحصول على المناصب الحساسة في المرحلة المقبلة، فعلى الرغم من التحذيرات التي يطلقها الجانب الآخر له، ولشركائه في المذهب، بأن هناك إرادة عربية، وإقليمية لتحجيم النفوذ الشيعي السياسي مستقبلا، إلا ان عدم الاكتراث لتلك التوقعات، والإصرار على إكمال المشروع بشعبية الشخص الواحد، هي الرسالة الوحيدة التي يطلقها المالكي في اجتماعاته الخاصة مع الائتلافيين، واشتراطه تقاسم نفوذ السلطة، ومواطن القرار داخل الائتلاف الموحد الجديد إلى اكثر من النصف لحزبه.الطموح اللامتناهي لدى المالكي في تعزيز نفوذ حزبه والتمسك بمقاليد الحكم لأكبر مدة زمنية، سيجعله يقود الإسلام السياسي الشيعي، إلى ما لا يدرك عاقبته، فهو كمن يشتري البعض بالكل، ويغرف بدلوه الخاص ليضحي بمستقبل الأغلبية السياسية لشعبه.
ما يمتلكه المالكي من نفوذ سياسي وإعلامي كبير، سيسخره حتما في الدعاية الانتخابية المقبلة لتقويض خصومه من المجلس الأعلى والتيار الصدري، كما كشف عن ذلك سابقا احد مستشاريه المقربين، فما وصفه بالأمس من انهم دعاة التقسيم ، سيصفهم مستقبلا بالطائفيين لا محالة. الأمر الذي سيعرض المجلس الأعلى والتيار الصدري إلى معضلة دعائية لا تستطيع ماكنتهم الإعلامية من التخلص منها، لاسيما ان زعامتهم ما زالت تابعة لعمائم دينية. الخطأ الكبير الذي وقع به المالكي ، هي الاستجابة لمفاهيم دعائية غربية صنفت الدعوة لإقامة كيان سياسي شيعي، ضمن استحقاق الأغلبية بالطائفية، وفي حال اقتنع المالكي بتلك الإرادة المصدرة لنفوذ الشيعة السياسي، فلن يتمكن من تحقيق ما يرنو إليه بولاية ثانية، إذ ما تخفيه إرادة الجانب الآخر، ومن يقف بجانبها من نفوذ إقليمي طائفي، لن يستطيع المالكي مواجهتها بمفرده، وهو يعطي جل تركيزه على النيل من أبناء جلدته، وهو بحد ذاته المعول الذي سيقضي على مستقبل ذلك النفوذ السياسي للأغلبية الراعية لتجربة العراق الجديد.
https://telegram.me/buratha