لمى يعرب محمد ||
يطلق لقب "شيخ" في اللغة العربية على عالم الدين المسلم، وقد يطلق أيضا على من يكثر علمه ويشتهر معرفته بين الناس، ويطلق كذلك على رئيس القبيلة أو الجماعة فيقال (شيخ القبيلة)، وعادة تشير هذه الكلمة إلى المكانة التي يتبوأها علماء الدين والفقهاء المسلمين.
من صفات عالم الدين المسلم حسن الخلق ومكارم الطباع والتقوى والإخلاص والعفة، حيث يتوج بالعمامة، ولا بد من الإشارة هنا لمنزلة العمامة، فقد كان العلماء سابقا يرشحون ويدعون لمن كان يليق أن يضعها على رأسه بعد أن يعرف عنه من قابليات علمية في قطع أشواط الدراسة الدينية والحوزوية، وضبط مفاهيم مقدماتها.
كان ولا زال للمنبر الإسلامي وخطبائه دور كبير في مفاصل الحياة كافة، سواء كانت الاجتماعية أو السياسية أو التربوية، حيث يعد فن الخطابة الأكثر أهمية والأبرز ولا سيما عند المذهب الجعفري الشيعي، منذ تأسيسه ونشوئه على يد الإمام زين العابدين(ع) والى يومنا هذا، حيث تطور بوصفه فنا ناجزا له قواعده وشروطه وارتباطه ومكانته في الجانب الإعلامي.
حاول كثير من الخطباء الحسينيين مراعاة جوانب متعددة من مقومات الخطيب الحسيني، كالعلم والثقافة، فسجل التاريخ أسماؤهم، وذكرهم بالمواقف الكريمة والسير الوضاءة بالوعي والفكر والإصلاح،ومن هؤلاء الخطباء الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، الذي أنجبته مدينة النجف الأشرف مدينة العلم والدين والعلماء، كان الشيخ الوائلي ملماً بثقافة واسعة، استمدها من سيرة أمير المؤمنين الامام علي(ع)، وكان منهجه يؤكد فيه دائما على ضرورة أن يكون رجل الدين المسلم متسلّحاً بالعلم والثقافة، وإلّا فلن يكون بمقدوره ترك بصمته في جمهور المتلقّين، فحرص على أن يرفد تحصيله العلمي ليس بدراسته الأكاديمية فقط، بل بدراسته الحوزوية التي أضفت على ثقافته الشيء الكثير، فضلاً عمّا اجتهد في معرفته واهتماماته بالفكر الغربي ونظرياته الفلسفية، والوقوف على آراء الفلاسفة، مثل ديكارت، وهيجل، وماركس، ودارون، بعد أن اتّكأ على صخرة الفلسفة الإسلامية، فأثرى المنبر الحسيني بالجديد من الأفكار الحديثة.
أبعد الشيخ الوائلي المنبر الحسيني عن كلّ ما يسيء إلى سمعته، ويُظهره كوسيلة إعلام هزيلة لا تقوى على مجاراة الواقع، وأراد أن يلفت الانتباه لكل مَن يُصغّر ويُقلّل من شأن الخطيب، كونه (روزخون) لا يجيد إلّا قراءة المصيبة على الإمام الحسين (ع)، فأثبت (رحمه الله) للآخرين من علماء ومثقّفين المستوى الذي ارتقى إليه الخطيب الحسيني، وأنّه باستطاعته مواكبة ثقافة العصر.
ومما ما يرغبه البعض ولا يرغبه غيرهم، إنّ الشيخ الوائلي تمتّع بما هو مشترك ومحلّ رغبة الجميع، فأوجد لشخصه مكانةً وحيّزاً ضخماً في دنيا المنبر وبين الشرائح الاجتماعية المختلفة، قضى فيها عمره بتثقيف الأجيال على المبادئ الإسلامية السامية، داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما وحرص الشيخ الوائلي على أن يكون المنبر الحسيني رسالة بناء لوحدة المسلمين، لا رسالة هدم وتفرقة بين المذاهب الإسلامية، فيقول (رحمه الله): "يجب أن يتبنّى المنبر الدعوة إلى أن يتعايش المسلمون فيما بينهم على أساس من الإسلام، مع بقاء كلّ منهم على ما عنده من آراء، ما دام يقرّ بالشهادتين ولا ينكر ضرورة من الضرورات الإسلامية، وإلّا فليس من الواقعية في شيء أن ندعو المسلم إلى الانسلاخ ممّا يحمله من آراء والانتقال إلى الآراء المقابلة، ولكن تُشرح له الحقائق ويُدعى لدراستها ويُترك له الاختيار والسير حسب قناعاته، وحسابه بعد ذلك على الله وإليه وحده، إنّنا ندعو إلى منبرٍ من بعض مهمّاته، بل وفي رأس مهمّاته القيام بدور الدعوة إلى التعايش تحت لواء الإسلام".
توفي"رحمه الله" في تموز سنة 2003م، في مدينة الكاظمية ببغداد، وقد نعى نفسه قبل رحيله بأبيات، يقول فيها:-
رسمت ملامحي ليظـل شكلـي مع المضمون في قلـب الكتـاب
فجسمي سوف يبلـى بعـد حيـن وامحـا مثـل غيـري بالتـراب
وفوق الترب ليس يبيـن حُسـن ولا قـبـح لشـيـخ أو شـبـاب
بلى سيظل مـن فعلـي و قولـي حضور رغم إني فـي غيـاب
فيـا متأمـلا رسـمـي تـرحـم علـي بيـوم أُدعـى للحـسـاب
وقـل ربـي تلطـف فـي فقيـر لرحمتـك الكبـيـرة والـثـواب..
https://telegram.me/buratha