حافظ آل بشارة ||
من المقولات المعروفة في السياسة أن ادارة الحكومات الحديثة لم تعد تتأثر كثيرا بالأطر الاديولوجية ، بل اصبحت خاضعة للدستور والقانون والانظمة الداخلية ، وادى تراكم المعارف التخصصية والتنفيذ المعياري الى ظهور (المؤسسة) الحديثة وهي (المنظمة) التي تعمل بسياقات التخصص والتجريب ، وبذلك ظهرت دولة المؤسسات ، حتى ظهر تيار فكري حديث يرفض (تسييس الحكومة) ، وفي ظل تقاليد المؤسسة تختفي الكثير من المفاهيم ذات البعد الاخلاقي والعرفي لتحل محلها المفاهيم ذات البعد القانوني والمعياري ، لذلك تأتي حكومات وتذهب حكومات والمؤسسات باقية ، فالمؤسسة اطول عمرا واعمق جذورا من الحكومة ، لكن الحكومة تقدم برامج للمؤسسات وعملها التنفيذي وتتحكم بالاولويات ، وتضع الخطط القصيرة والبعيدة المدى. اما في الدول الناشئة فقد يؤثر الانتماء الحزبي والعقيدي لرئيس الحكومة اكثر في سلوكه التنفيذي بسبب ضعف المؤسسات ، لأن الحزب المشارك في الحكومة عادة له رؤية في كيفية ادارتها ، اما رئيس الوزراء القادم الاستاذ محمد شياع السوداني فان لم يكن منتميا حزبيا فهو منتم اسلاميا ، ووالده من الدعاة الشهداء واسرته دفعت ثمن انتماءها غاليا ، وعندما يكلف بالحكومة فمن المتوقع ان تنعكس على برنامجه وسلوكه اعتبارات عديدة متأثرة بانتماءه الاسلامي منها :
1- تكون له حساسية كبيرة تجاه بقايا النظام السابق الذين هم قتلة ابيه ومحازبيه الدعاة على الاقل ، وما يقال عن محاولاتهم للتغلغل في مؤسسات الدولة او ركوب موجة التظاهرات ، واثارة الفوضى والعمالة للاجانب ، وغير ذلك .
2- يكون لديه موقف شرعي قبل الموقف القانوني تجاه مسألة ترويج وتطبيع المفاهيم والاخلاقيات المحرمة برعاية القوى الاجنبية في المجتمع العراقي ، مثل اضعاف الرجولة ، الشذوذ الجنسي ، الالحاد ، المخدرات وغيرها كادوات للحرب الناعمة.
3- سوف يشعر بالحاجة الى تأكيد الهوية الاسلامية للمجتمع العراقي عبر ايجاد وتقوية برامج ملتزمة لمؤسسات الثقافة والاعلام ، والشراكة مع المرجعيات في الطائفتين ، والاهتمام بالاعتدال والاندماج والاستقرار المجتمعي.
4- علاقته مع القوى الاسلامية ليست علاقة سياسية ، بل علاقة عقائدية وشراكة في الثقافة والموقف والرؤية وتفسير قضية الحكم والحاكمية وتكييفها العملي مع النهج الديمقراطي الانتخابي.
5- ربما يكون للاحكام الشرعية في ذهنه مساحة مهمة كمساحة القوانين ، خاصة وان الشريعة فاعلة في حياة اغلب الدول الاسلامية حكومات وشعوبا ، واغلب حكومات الغرب رغم علمانيتها تحتفظ بانتماءها الكاثوليكي والارذودوكسي او البروتستانتي وحتى الصهيوني فيظهر اثر انتماءها المذهبي واضحا في البرلمانات والحكومات رغم نكرانها لذلك.
6- ربما تتأثر عملية ادارته لعلاقات العراق الاقليمية بانتماءه الاسلامي فيكون قريبا من النبض الايراني الشيعي ، محاولا الابتعاد عن الوهابية واذرعها وعواصمها ، وفي ذاكرته فتاوى التكفير وآلاف الانتحاريين والمفخخات التي التهمت بغداد لسنوات عديدة ، وتحتضن داعش حاليا ولا يتوقف تمويلها له.
هذه التأثيرات ستكون بالنسبة لرئيس الوزراء التزاما شخصيا قبل ان تكون التزاما وطنيا .
لكن رب سائل يسأل هل انعكست هذه الاعتبارات على ثقافة وسلوك رؤساء الحكومات العراقية السابقة وكلهم شيعة وكلهم ذاقوا من نظام صدام الاعدام والسجن والتهجير والتغييب هم وأسرهم ؟ والجواب ان مستوى الالتزام الشخصي والرسمي لديهم في هذه الاعتبارات كان متفاوتا لكنه موجود ، بشكل عام كانوا ميالين الى انتماءهم بدرجات مختلفة ، لكن لماذا التركيز على السوداني ومحاولة اعادة قياس مواقفه كرئيس وزراء شيعي اسلامي ؟ الجواب على ذلك ان السوداني اول رئيس وزراء شيعي يتم انتخابه من الاسلاميين (غير المهاجرين) ، وهذا يمنحه ميزة افضل لدى من يعترضون على تكليف المهاجرين ، لذا قد يكون السوداني اكثر رمزية بقضية عذابات الشعب العراقي المعروفة التفاصيل ، اذن المسؤولية تقتضي ان يتبنى ساسة الاسلاميين الشيعة دعم حكومة السوداني لانهم الكتلة الاكبر ، وانه شيعي اسلامي فهم شركاء وطن ومذهب ومشروع ، اضافة الى انهم واجهة المكون الاكبر المسؤول اكثر من غيره عن وحدة البلد ارضا وشعبا ، ومسؤول عن انجاح الحكومة ومشروعها ، ومشتركون في الفشل والنجاح . خاصة وان بقية المكونات من كرد وسنة وغيرهم يتضامنون عادة مع السلطة التي تخصهم سواء كانت رئاسة الجمهورية او رئاسة البرلمان ، لكن من يقول انه اسلامي فليكن تضامنه مع الحكومة منحصرا في حالات الانجاز والنجاح والتفوق ، وليس في مزيد من الفشل والفساد لاسمح الله.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha