المقالات

عندما يُختصر الدين في طقوس رقمية  


علياء الانصاري *||

 

منذ الصباح الباكر، تزاحمت صفحات الفيس بوك بالاعلان عن قدوم شهر ذي الحجة، وما يجب علينا ان نقوم به من صلاة وصيام.. وخاصة هذه التي تقول ان من يصلي كل ليلة من الليالي العشر الاولى من شهر ذي الحجة ركعتين، فانه سيشارك الحجاج ثوابهم وان لم يحج.

لست ضد الصلاة، فليصلي العالم أجمع، ولكن لا تربطوا الدين بعدد ركعات أو طقوس معينة.. هل هذا يعني أن كل من صلى ركعتين ليلا في العشر الاولى من شهر ذي الحجة سيكون حاجا؟!

وماذا عن السعي في النهار؟ كم مرة كذبنا؟ كم مرة غشينا الناس؟ كم مرة نافقنا؟ كم مرة كانت المصلحة أهم من المبدأ؟ كم مرة أكلنا حرام؟ كم من مرة ظلمنا الآخرين الأضعف منا؟ كم مرة جرحنا مشاعر الآخرين؟ كم مرة صادرنا حقوقهم؟ ووووو

هل ركعتي صلاة توجبان الحج؟!

اعتقد نحن بحاجة الى ثقافة جديدة في الخطاب الديني، الذي يسمو على تفعيل قائمة مجموعة من الطقوس على حساب المعاملات والأخلاق.

لحقبة طويلة دأب الخطاب الديني والفقهي على الترويج الى عدد الركعات والصلوات وطقوس العبادة، لا أنكر أهميتها، هي مهمة جدا لصقل شخصية الانسان وتقوية علاقته بربّه.. ولكنها ليست الأساس.

وعلاقتنا بالله تعالى لا تُقاس بعدد الركعات وطقوس العبادة، فقد كان (ابليس) أكثر الملائكة وأهل السماء في حينها ركوعا وسجودا، كان يسمى (طاووس الملائكة) ويُنعت ب (خطيب الملائكة).. ولكنه في أول موقف تضاربت فيه مصالحه مع إرادة الله.. أعلن تمرده!! ولم تنفعه عدد ركعاته وعبادته للآلاف السنين..

الخوارج كانوا يقرأون سورة البقرة في صلاة الظهر.. عندما تضاربت مصالحهم مع الحق، حاربوه!!

ثم ماذا يعني الحج؟! هل هو عملية طواف جسدي حول الكعبة في جملة من الطقوس المعتادة؟ أم هو حجٌ الى الله.. وطواف حول الذات الإلهية لنعلن إنتمائنا إليها.. وهذا الإنتماء له ثمن باهض.. فعلينا أن نخلع كل متعلقات الدنيا ومصالحها واهوائنا ورغباتنا ونرتدي ثباب الطهر والعفة..

وهذا لعمري أمرٌ ليس بالسهل.

لذلك قالها الامام الصادق عليه السلام: (ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج).

دعونا نعيد تركيبة الخطاب الديني والفقهي في الكثير من تفاصيل الحياة ومنها تفصيلة الحج، لندعو الى صلاة الليالي العشر، ولكن مع تدابير وسلوكيات حقيقية للتدين والقرب من الله تعالى، لن أُكتب مع الحجاج لأني صليت عشر ليالي متواصلة.. أبدا.. سأكتب مع الحجاج لأني كنت طائفا حول الله في تفاصيل يومياتي..

الطواف حول الفقراء والمستضعفين، الطواف حول المجتمع لتقييم احتياجاته وترميم تصدعاته، الطواف حول القلوب الموجوعة والحزينة، الطواف حول الارواح التائهة، الطواف حول الوجع في مكامن النفس البشرية في أي مكان على هذه البسيطة.

ما يجعلك حاجا، هو عمق طوافك حول القلوب الكسيرة ومقدار ما تقدمه لها من خير وعطاء.

وفي هذا العام الذي لن يذهب اليه حتى (الحاج الحقيقي)، ممكن وبسهولة جدا ان نُكتب من حجاج بيت الله الحرام، بنفقة أموالنا التي خصصناها للحج أو بعض منها لقضاء حوائج الناس او ترميم تصدعات المجتمع وما أكثرها..

لم يعد الجوع وحده هو الوجع الحقيقي الذي نطوف حوله، بل اصبحت الصحة وجعا حقيقا آخر.. وأصبح الدعم النفسي للناس وجعا حقيقا آخر لما نعانيه الآن من جفاء وقسوة في مجتمعنا وبصور متعددة.

المستشفيات بحاجة الى طواف..

المدارس بحاجة الى طواف..

بيوت الفقراء بحاجة الى طواف..

القلوب المتعبة وما أكثرها بحاجة الى طواف.. الامهات الثكالى.. الارامل المتعبات.. اليتامى.. ووو

الدين جاء لأجل ترميم تصدعات النفس البشرية وتصدعات المجتمعات الانسانية..

فكل ما يساهم في ترميم هذه التصدعات فهو في صلب الدين.

نحن بحاجة الى إعادة النظر في كثير من التفاصيل المهمة والحياتية في رؤيتنا لمفهوم الدين وعلاقتنا بالله ..

ومنها مفهوم (الحج والطواف)..

خاصة وأننا نملك موروثا ثقافيا ومعرفيا كبيرا بهذا الخصوص، منه الحديث القدسي الذي يقول: (ما وسعتني ارضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)..

نعم، هو هنا.. في قلوبنا.. فلماذا لا نطوف حوله يوميا؟!

الطواف يعني ان نخلع ثياب الكذب والغش والنفاق والغيبة والنميمة وانتهاك اعراض الناس وانتهاك حقوقهم .. ونرتدي ثياب الطهر والعفة والنزاهة.

لم يخبرنا الله، بأنه سيجمع لنا عدد الركعات وعدد التسبيحات لينفعنا في عالمنا الآخر..

بل أخبرنا بان العمل الصالح هو الرصيد.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

نعم القلب السليم هو ما يريده الله منا.. القلب الطاهر، المفعم بالحب للناس كلهم، بالتسامح، بالرحمة، سليم من كل أمراض الحقد والكره والغيبة والكذب والنفاق..

قلب سليم هو الذي يسكنه الله تعالى..

والقلب السليم هو وحده من يكون قادرا على تحدي صعاب الحياة والاستمرار في العمل وإنتاجية الحب والخير للناس، كل الناس.

هذا هو الدين بعبارة بسيطة ومفهوم بسيط..

فمن أراد ان يرى نفسه من الحجاج أم لا..

فلينظر الى سلامة قلبه، والى صنيع يده في مجتمعه.

فليعيد الخطاب الديني والفقهي، رؤيته في فلسفة الدين والقرب من الله تعالى..

الدين جاء ليسمو الإنسان من خلاله ويرتقي بالعمل الصالح والرحمة والمحبة.

والطقوس العبادية هي أحدى الادوات في مسيرة السمو والارتقاء، ولكنها ليست الغاية المنشودة، ولا أصل المقال.

 

*كاتبة والمديرة التنفيذية لمنظمة بنت الرافدين

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
صفدر الهیراد
2020-07-27
عندما نرجع إلى أصل أفعالنا (أعمالنا) الاختيارية نجد أن لها شرطين في مدى أهميتها و قيمتها : 1. *النية* او ما يعبر عنه علميا بالحسن الفاعلي ٢. *مدى مطلوبية الفعل* أو ما يعبر عنه علميا بالحسن الفعلي و كما نعرف فإن الغرض من العبادة ( وهي الأفعال الاختيارية المطلوبة) هو الوصول إلى الهدف المأمول من الخلقة و هو عبوديتنا لله و الحصول على القرب الإلهي. و أفعالنا الاختيارية تنقسم إلى قسمين : 1. الفردية كالصلاة و الصوم و الحج ٢. الاجتماعية كالصدقة و الانفاق على الآخرين و عدم ظلم الآخرين و رعاية العدالة و حسن الخلق مع الآخرين و غيره. و نتذكر هنا مصطلح *القلب السليم* و هو القلب الذي فيه تمام التسليم لله عز و جل و يمكن الحصول على هذا القلب من خلال القيام بالأعمال الاختيارية الفردية منها و الاجتماعية. و الجميع يعرف أن الافعال الاجتماعية فيها صعوبة و مشكلات و موانع، و لن نجد إنسانا موفقا في أعماله الاجتماعية الاختيارية ما لم يكن حاصلا على قلب متعبّد و مسلّم لله عز وجل و ذلك من خلال القيام بالأعمال الفردية الاختيارية و صناعة النفس على أكمل وجه. فالخلاصة المهمة أن من أهم أسباب و علل الاحكام الفردية في ديننا هي صناعة النفس من أجل القدرة على القيام بالمهام و الوظائف الاجتماعية بالصورة المناسبة المطلوبة. فعندما لا نستطيع أن نحصل على صناعة للنفس من خلال الافعال الفردية فإننا لا نستطيع أن نوفق في العرصة الاجتماعية. و الآن لنسأل أنفسنا ما هي الأعمال الفردية اللازمة و المؤثرة و التي يجب القيام بها من أجل صناعة النفس و للرشد القلبي و لطهارة النفس؟! بالطبع لن نعرف ذلك من خلال عقولنا المحدودة وهنا يجب علينا إتباع متوننا الدينية وهي القرآن الكريم و كلام المعصومين عليهم السلام. و إذا نظرنا إلى متوننا الدينية وجدنا بعض الأحكام الفردية واجبة أو محرمة و أخرى مستحبة أو مكروهة. و من هنا فإن العمل بالواجبات و المستحبات و ترك المحرمات و المكروهات، جنبا إلى جنب، هو العامل الأساس في صناعة الإنسان فرديا و تهيئته لأداء الوظائف الاجتماعية بالصورة المطلوبة على أكمل وجه. فلو وجدنا أن هناك من يعتقد فقط بضرورة الالتزام بالاحكام الفردية كالصلاة و الصيام و الحج غافلا عن أهمية الوظائف الاجتماعية فإن هذا الشخص حتما لديه فهم ناقص للدين و إن هذه الرؤية الخاطئة بطبيعة الحال لا يجب أن تكون سببا للغفلة عن أهمية الأحكام الفردية. و في الختام نذكر هذه النقطة و هي أن الشيء الذي ذكرناه كان تحليلا عقليا لأهمية العبادة الفردية و الأحكام الفردية في الإسلام و ارتباطها بالمسائل الاجتماعية. فإن كان لسعادة الدكتورة علياء همُّ المسائل الاجتماعية كالعدالة و الإنفاق و غيرها فهذه الأمور لا يمكن تطبيقها بالشكل المطلوب ما لم يتم الوصول إلى صناعة النفس الفردية و أن الأساس لهذه الصناعة هي العبادة الفردية و هي هنا بمعنى الحصول على إصلاح النفس و حالة التقوى الفردية و حينها يمكن للإنسان الحصول على التوفيق في الأداء الاجتماعي. و من جهة أخرى و بما أن سعادة الدكتورة الأنصاري تؤمن بالإسلام و بالقرآن و بكلام النبي (ص) و الإئمة عليهم السلام و هذا ما أفاده المقال عنها ، فإن كانت الأحكام الفردية و الطقوس الرقمية على حد تعبيرها تخلو من الأهمية فلماذا نجد المئات من الآيات القرآنية و الآلاف من الروايات الإسلامية تتحدث عن أهمية الأحكام الفردية؟! لدرجة أن النبي (ص) قد قال : الصلاة عمود الدين. و الصلاة عمل فردي فنجد أن النبي (ص) يقول أنها أساس الدين!! و كذلك في كثير من الأعمال الفردية الأخرى. كما و نجد في حديث آخر عن النبي (ص) و أهل البيت عليهم السلام قولهم أن الصلاة إذا قُبلت فإن سائر بقية أعمال الإنسان تُقبل و إذا لم تُقبل فإن بقية أعمال الإنسان لا تُقبل، و هذا يدلل على أن الاحكام الفردية في مقامها تشكل أساسا و محورا لا يمكن إغفاله مطلقا. صفدر الهيراد
حيدر الكاتب
2020-07-23
احسنتي الكلام وعاشت يداك
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك