المقالات

المفهوم الواقعي للوطن  


رياض البغدادي ||

 

تتعدد مفاهيم الوطن بحسب الايدلوجية الفكرية التي يؤمن بها الانسان، وهذه المفاهيم المتعددة للوطن ليست شيئا مبتدعاً، او ثقافة حديثة، بل هي مفاهيم متأصله عند الانسان منذ نشأته الاولى، وابتدأت عندما خط الانسان خطاً بين ارضه وارض أخيه ...

فالانسان المشبعة ذاته بروح العنصرية القومية يتوسع عنده الوطن الى دائرة تشمل كل ارض سكنها قومٌ يتحدثون لغته، والذي يؤمن بالقوة والجبروت يرى الوطن هو البقعة التي تنصاع لأمره وترضي جبروته، ومن يؤمن بالمال، يرى ان كل ارض تدر عليه الربح هي بالضرورة وطنه ويسعى في خدمتها ليستمر الربح والغنى، ومن يؤمن بالامر الواقع، يتخاذل امام كل واقع جديد، فالشامي الذي كان يرى بغداد مدينته، اصبح اليوم لايرى له اي صلة تربطه ببغداد، لازالت (سايكس ـ بيكو) خطت بينها وبين دمشق حاجزاً ...

وهناك من تتعدد مكاييله في تعريف الوطن، فهو يتوسع ليعدَّ الارض التي ولد فيها ابن سينا وطناً عربياً، وان ابن سينا عربي، بالرغم من انه فارسي الولادة والنشأة، لكنه يعتبره عربياً لانه يمثل نقطة مضيئة في التأريخ فلا يفوته ان يفخر ويعتز بها، وفي المقابل هو يتنكر للامام الخميني انه عربي، لان الخميني أصبح يمثل له فكراً مرفوضاً، بالرغم من انه هاشمي ومن انقى سادات العرب وقبائلها ...

وهناك مفهوم آخر للوطن يشمل الامم كلها، ولهذا سميَ مدعيه (أُممياً) كما هو الحال في الايدلوجيات الدينية ...

فالارض كلها ارض الله، وفي الحالة الاسلامية، هذا المفهوم مستنبط من آيات القرآن وعِبر قصص الانبياء، فترى ابراهيم الخليل يضرب وطنه بعرض الجدار، ويهاجر منه غير آسف عليه، معلناً (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) والنبي محمد (ص وآله) يعود الى المدينة (يثرب) بعد فتح مكة، ولم يقرر العودة الى وطنه، بالرغم من حنينه لمكة وشعابها، لانه (ص وآله) يرى الوطن أوسع من مجرد أحجار وحيطان ... وكذا الحال في أمر يوسف الصديق النبي وموسى وغيره من الانبياء .

وهناك آيدلوجيات أخرى، تعرِّف الوطن بأساليب أخرى، يتوسع فيها الوطن او يضيق، الى درجة ان هناك من يرى الوطن هو المحل الذي يتوفر له فيه لقمة العيش، ومنهم من يرى الوطن هي الارض التي تعيش فيها كريماً حراً، ومنهم من يرى ان الفقر سبباً لهدم اسوار الوطنية، وصرخ بأعلى صوته ان ( الغنى في الغربة وطن ) ....

اليوم في زمن العولمة وشبكة الاتصالات المتقدمة، وتطبيقات السوشيال ميديا، اصبحت هناك مفاهيم جديدة لتعريف الوطن والوطنية، ففي اوربا اصبحت مناهج الوطنية لا تُدرَّس في المدارس، لانها مناهج تبعث في الانسان روح العنصرية، وربما العنف، وتخلق الحواجز بين الانسان واخيه الانسان، واستعاضوا عن ذلك بتدريس مفاهيم الحرية والديمقراطية والمساواة، واصبح مفهوم الوطن عندهم، هو مجموع الدول التي تشترك في المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالاسباني يرى النمسا وطناً له، وبكل سهولة ويسر ينتقل اليها ويعمل من دون معاملات او تصاريح للعمل والاقامة .

شئنا أم ابينا فالدول الاستعمارية اليوم تنظر لدولنا عدواً، وتواجهه ككتلة واحده، لتؤمن مصالحها الموحدة، فلا ضير ولا عيب ان نواجه عداءها بوحدة واحدة، وان تعددت مسميات بلداننا، لازلنا نجتمع على مفهوم واحد في نظرتنا للارض والدين والوطن، والحرية والعيش الكريم ...

فالذي يجمعني اليوم بالايراني، الذي وقف معي في ازمتي مع الاحتلال الداعشي لبلدي، اكبر بكثير، مما يجمعني بالعربي، الذي يعتبرني رافضياً نجساً محلل الدم، ويجّوز النزو على نسائي ومصادرة اموالي ...

الوطن اليوم تضيق حدوده وتتوسع بمقدار مايربطك بالاخر، من احترام لحقك بالحياة، بغض النظر عن العرق واللغة والدين، وقلائد الدمشقي وخرائط سايكس - بيكو ...

وهذا المفهوم، هو الذي يؤكده اليوم العراقيون بكل اطيافهم، فهم لا يرون اي رابطة تربطهم بالشيخ الضاري العراقي، الذي افتى بغزوهم، واعطى لداعش المبرر الشرعي لسبي نسائهم، وفي المقابل تراهم لا ينفكون عن ابداء مشاعر الاحترام، والتقدير، والعرفان بالجميل للخامنئي والسيستاني، الذين افتوا بتحريرهم والدفاع عنهم وعن ارضهم، ولتذهب عروبية عفلق وشبلي العيسمي الى الجحيم ....

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك