الأخبار

"أغراض الأمريكان" في الأنبار..الأهالي يقبلون على شرائها ورجال الدين يحرمونها

1055 12:48:00 2010-04-01

لم يعد الطريق الدولي السريع المار بمحافظة الأنبار صوب الحدود السورية والأردنية موحشا كما كان في السنوات الماضية، فقد تحولت أجزاء واسعة من تلك المساحات الصحراوية الواسعة والمقفرة التي يمر بها الطريق إلى متاجر كبيرة تتربع على جانبيه، تملؤها بضائع متنوعة وسيارات مدنية ومولدات للطاقة كانت إلى وقت قريب من ممتلكات الجيش الأميركي في العراق.

مسروقة من أموال العراقيين

وتعرف تلك المتاجر من قبل الاهالي بـ"مزاد أجهزة الأمريكان" وهي أجهزة كهربائية وسيارات مدنية حديثة، ومولدات كهربائية ضخمة، ورافعات عملاقة، وبيوت خشبية ومعدنية جاهزة، ومنصات خشبية ومكيفات هواء وأجهزة تلفاز وأجهزة كومبيوتر، فضلا عن أسلاك شائكة يسيل لها لعاب الفلاحين الراغبين بإبعاد الحيوانات والدخلاء عن مزارعهم.

وتشكل ما أصطلح عليه شعبيا أيضا معارض بيع "اغراض الأمريكان" بشكل متفرق في محافظة الأنبار في مدن الفلوجة والخالدية والرمادي وحديثة والبغدادي. وعادة ما تكون خارج المدن وقرب مواقع عراقية عسكرية، أو نقاط تفتيش لأسباب أمنية، ولخشية القائمين عليها من استهداف المسلحين لهم، واتهامهم بالعمالة للأمريكان، خاصة بعد إصدار عدد من علماء الدين فتاوى تحرم شراء تلك المواد لأنها "مسروقة أصلا من أموال العراقيين، وأن ما بني على الباطل يبقى باطلا".

وتتميز تلك المواد بكونها رخيصة الثمن، مقارنة بغيرها من البضائع المستعملة في السوق، كما يمنح المشتري حرية الاختيار وانتقاء الصالح منها، حيث يوجد ما هو الصالح للعمل والمعطوب الذي يستخدم كمواد احتياطية، فضلا عن رغبة المواطن بالتخلص من البضائع الصينية والإيرانية التي تغص بها الأسواق.

مجرد باعة..لسنا عملاء

أوشكنا لوهلة أن ننسى مهمتنا التي أوصلتنا إلى معرض أبي سيف العيساوي، والواقع على بعد 2 كم شرق الفلوجة، بسبب ثراء المعرض أو ما يعرف بالمزاد بالمواد الكهربائية والألكترونية، حتى ظن سائق السيارة الذي أوصلنا إننا دخلنا في مغارة علي بابا كما في الحكاية القديمة. وضع أبو سيف والعاملون معه تجارته بشكل مغر ومنسق، مستغلا ظرف الكهرباء الحالي في العراق، وطول ساعات الانقطاع بنصب عشرات المولدات الكهربائية الأمريكية الصنع والإنكليزية والإسبانية في بداية المعرض، فيما حلت بالمرتبة الثانية البيوت الجاهزة ومكيفات الهواء ومضخات المياه، ثم الأسيجة المعدنية، وخزانات المياه، وبعدها الأجهزة الكهربائية المختلفة الاستعمالات.

وسببت سيارة الـ"BMW " التي أوصلتنا إلى المعرض بإرباك أبي سيف، الذي تغيرت ملامح وجهه وظن أننا نتبع جماعة مسلحة متشددة في الأنبار، ونحاول التقصي عن مصدر تلك البضائع، إذ سارع بالقول إنها "بضائع تابعة لشركات كويتية وسعودية، ولا تمت للأمريكيين بصلة، وأنهم مجرد باعة ولا علاقة لهم بمصدرها".

غير أن حديث أبي يوسف تغير بعد أن تأكد من أننا صحافيون من "السومرية نيوز"، ولسنا مسلحين، وأن سيارة الـ BMW سيئة الصيت في الأنبار، بسبب تفضيل المسلحين لها في تنفيذ هجماتهم، مجرد سيارة أجرة قادتنا الصدفة وعامل السرعة في الوصول إليها.

ويقول أبو سيف بعد هدوء سريرته وإصراره على تقديم الضيافة لنا في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "هذه البضائع، كما ترون، كانت في السابق تستخدم في القواعد الأمريكية الكبيرة المنتشرة في المحافظة، كقاعدة القادسية في البغدادي، وقاعدة الحبانية، وقاعدة المزرعة في الفلوجة، وقاعدة صدامية الثرثار"، مبينا أن "الجيش الأمريكي بعد تطبيقه الاتفاقية الأمنية، وبدء انسحابه من مراكز المدن باع تلك المواد إلى مقاولين عراقيين وأصحاب شركات، وبعضها قدمه هدية لمن تعاون معه خلال فترة وجوده في تلك القواعد، ليعرضها للبيع".

ويضيف أبو سيف أن "الإقبال على شراء تلك المواد كبير، حتى من أصحاب محال التصليح والمواطنين وبعض الدوائر الحكومية وشركات الأعمار"، مشيرا إلى أن "البضاعة الموجودة قد تنفد في يومين أو ثلاثة".

رجال الدين يحشرون أنفسهم في كل شيء

فيما يعيب أحد العاملين في المعرض ويدعى محمد الدليمي (25 سنة) على رجال الدين إصدار فتوى بتحريم شراء تلك المواد. ويقول الدليمي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "رجال الدين يحشرون أنفسهم في كل شيء، اعتقد أنهم عندما يزورون المعرض سيلغون فتواهم ويشترون منا".

ويضيف الدليمي أن "بضائع الأمريكيين المستعملة هذه أفضل بعشر المرات من الجديدة التي تباع في الأسواق من مناشئ صينية أو إيرانية، أو حتى أوروبية لأنهم لا يستعملون إلا الأجهزة الجيدة، كما أن مولدات الكهرباء التي كانت في قواعدهم تكفي لسد نقص الطاقة في أغلب المناطق العراقية" حتى المصابيح التي كانوا يستخدمونها تفوق أي مصباح شاهدته في حياتي، ونحن إذ نبيع تلك المواد لا ندخل في خانة العمالة للأمريكيين إنما نحن مجرد تجار".

ويتابع الدليمي "بعنا خمسين منزلا خشبيا ومعدنيا مجهزة بكل شيء بدءا من غرفة النوم وانتهاء بالحمام"، مبينا أن "رجال الدين يجب أن يقرروا أيهما أفضل، أخذ المواطن قروضا من المصارف فيها ربا محرم، أو شراء بيت جاهز رخيص الثمن والعيش فيه"، بحسب قوله.

أغراض لم تستخدم لقتل العراقيين

وفي معرض آخر من معارض بيع ممتلكات الجيش الأمريكي في الانبار حيث مدينة الرمادي يقلب صاحب المعرض الحاج سعدي جاسم (55 سنة) جهازا صغيرا لا يعرف استخدامه أو الغرض الذي صنع من أجله.

ويقول الحاج جاسم في حديث لـ"السومرية نيوز" إن "هناك أجهزة في المعرض لا أعرف الغرض الذي تستخدم له ولا حتى كيفية تشغليها".

وكان جاسم يشير إلى الجهاز الذي بين يديه وهو جهاز "آي بود"، ويقول إن "كل ما يفهمه من هذا الشيء هو تلك التفاحة المنهوشة من طرفها، ليتكم تقولون لي ما أهميته حتى أضع السعر المناسب له". وبعد أن شرحنا له أهمية الجهاز سارع بوضع سعر بشكل تلقائي وهو 200 دولار أمريكي.

ويضيف جاسم أنه "منذ ستة أشهر يعمل في هذا المعرض كبائع وحارس في الوقت، نفسه وأن جميع البضائع التي ترونها تابعة للجيش الأمريكي، لكنها لم تستخدم لقتل العراقيين إنما استخدمت لأغراض خدمية داخل قواعدهم"، بحسب قوله.

ويشير جاسم إلى أن "المعرض يحوي كل شيء بدءا من المولد الكهربائي وانتهاء بهذا الجهاز"، ويشير بيده إلى جهاز الآي بود، ثم يضيف "تمكنا من بيع الكثير، مئات القطع الكهربائية وعشرات البيوت الجاهزة وخزانات المياه ومصابيح الإضاءة وبأسعار جيدة".

وفي إحدى زوايا المعرض يوجد مولد كهرباء ضخم يبدو بحالة جيدة يقول جاسم إن "سعره في السوق يبلغ 40 ألف دولار أمريكي، وهو يكفي لإنارة نصف مدينة الرمادي، غير أن سعره هنا لا يتجاوز خمسة عشر ألف دولار".

بضائع بلا شبهات قانونية

من جانبه يقول الرائد حميد الجميلي من شرطة الفلوجة في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "تلك البضائع معلومة المصدر لنا ومستوفية الشروط، ولا توجد أي شبهات قانونية حولها، لأنها لا تدخل ضمن المواد المسروقة"، مضيفا أن "تلك المواد تباع بشكل علني ووفق وصولات رسمية، تتم بين البائع الذي في العادة يكون من الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقة مع القوات الأمريكية وبين المشتري".

ويضيف الجميلي أن "الشرطة لا يمكنها أن تمنع بيع تلك البضاعة لأن أوراق شرائها قانونية وأصولية كما إننا لم نتلق شكاوى بخصوص ذلك، وأن جميع البضائع تمر بنقاط التفتيش، ويقوم أفراد الأمن بتدقيقها وتدقيق الأوراق المصرحة بنقلها".

أما الشيخ عبد الله الكبيسي، وهو أحد علماء الدين في الفلوجة، فيقول في حديث لـ"السومرية نيوز"، "أنصح الناس بعدم شراء تلك المواد لأن فيها شبهة، ويجب اتقاء المواطن للشبهات".

فيما يصر رجل دين آخر من مدينة الرمادي على أن "ما بني على باطل يبقى باطلا، وتلك البضائع هي من أموال نفطنا وهي ملك لابن البصرة والنجف والموصل والأنبار على حد سواء".

ويضيف رجل الدين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "تلك المواد سرقت بقوة السلاح والحيلة، وبعد أن انتهت قوات الاحتلال منها وتستعد للمغادرة تعود لبيعها للعراقيين"، داعيا الحكومة إلى "التفاوض معهم لسحب جميع تلك المواد التي حصل الأمريكان عليها بعد دخولهم العراق، لا التي جلبوها معهم وتكون ضمن ممتلكات الدولة العراقية وتتصرف بها كيفما تراه مناسبا".

لا أشتريها ولا أقترب منها

من جهتها تصف السيدة ميسم إسماعيل، وهي من سكان الرمادي، تلك البضائع بقولها "تذكرني تلك البضائع بإخوتنا المهجرين قسرا من قبل المليشيات، حيث اضطروا إلى بيع ممتلكاتهم بأي ثمن لينجوا بأنفسهم، وهناك من يستغل ذلك لشرائها".

وتؤكد ميسم إسماعيل أنها "لا تشتريها ولا تقترب منها"، مشيرة إلى خلاف "نشب بينها وبين زوجها بسبب جلبه مكيف هواء بسعر 120 دولارا فقط، بينما سعره الحقيقي في السوق يصل إلى 500 دولار على الأقل". واضطر زوجها لإعادته بعد أن "خيرته بينها وبين هذا الجهاز المشؤوم الذي كثيرا ما أراح نوم الجنود الأمريكيين قبل استيقاظهم لقتل المزيد من العراقيين"، حسب قولها.

لكن الزوج فراس طالب ،44 سنة، يدافع عن خطوته بزيارة تلك المعارض بقوله "إذا لم نشترها نحن سيأتي غيرنا ويشتريها، كما أننا يمكن أن نتبرع بفرق السعر للفقراء والمحتاجين، وتلك البضائع مجرد أجهزة لا دخل لها في السياسية أو الاحتلال".  ويضيف طالب في حديث لـ"السومرية نيوز" "نحن نشتريها بأموالنا ولا نسرقها، وقد أعدت الجهاز الذي اشتريته تجنبا لمشاكل منزلية".

أنا مستعدة لأن أشتري مجندة أمريكية لزوجي المسكين

وعلى النقيض تماما من موقف السيدة ميسم إسماعيل تتربع الحاجة أم علاوي ،55 سنة، في مدينة الحبانية غرب الفلوجة على كرسي خشبي عريض وسط منزلها الممتلئ بالبضائع الأمريكية المستعملة، وتقول "هذا الكرسي وتلك المنضدة وجهاز التلفاز الذي تشاهده اشتراها زوجي قبل أيام من مزاد الأمريكان، وهناك في المطبخ وغرفة النوم أجهزة ومواد أخرى، وكلها لم تكلف 1000 دولار، بينما لو اشتريناها من السوق لكلفتنا أكثر من 3000 دولار".

وتضيف أم علاوي في حديث لـ"السومرية نيوز"، "لا أرى حرجا أو مانعا من شرائها، فنحن لم نجبر أحدا على بيعها، كما أنها جيدة ومقاومة لتقلبات ومصائد الكهرباء غير المستقرة في الفولتية وحرارة الطقس والأتربة".

وتضيف أم علاوي بابتسامة عريضة "لو كان بالإمكان لاشتريت مجندة أمريكية لزوجي المسكين، فانا أصبحت خارج نطاق الخدمة منذ سنوات، ولن يكون لرجال الدين فتوى ضدي حينها لأني سأجعلها زوجة له تخلصني من حركاته الصبيانية منتصف الليل".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك