«نيويورك تايمز» - لم يتحدث إياد علاوي علنا من قبل تقريبا حول ليلة قبل أكثر من 30 عاما حول خلالها اثنان من القتلة مسلحين بالفؤوس غرفة النوم الخاصة به في لندن إلى مكان أشبه بالمجزر. والآن تحدث علاوي، الذي عقد العزم في الوقت الحالي على مواجهة التهم التي وجهها إليه خصومه السياسيون بأنه فاز في الانتخابات الوطنية في العراق عن طريق اللجوء إلى البعثيين، والذي يخوض صراعا مع رئيس الوزراء نوري المالكي من أجل تشكيل حكومة جديدة. عن هذه القصة خلال مقابلة أجريت معه الاثنين الماضي يقول علاوي:
«كنت نائما، كما تعرف، ثم فتحت عيني بمحض الصدفة ورأيت ظلا بجوار السرير» ذكر ذلك علاوي في وصفه لساعات الصباح الأولى للرابع من فبراير (شباط) عام 1978، عندما كان يعيش في منطقة كينغستون المطلة على نهر التيمز حيث كان في ذلك الوقت في المنفى ويدرس الطب بعد الانشقاق عن حزب البعث الذي كان يقوده صدام حسين. وانقض علاوي على الرجل في الوقت الذي كان يلوح فيه بالفأس التي كان يحملها في يده، وكان على وشك قطع ساق علاوي. ونشب بعد ذلك صراع دموي في المكان، حيث قفزت زوجته على ظهر أحد الرجال، وتصارع علاوي مع الرجل الذي كان يحمل الفأس وهاجمه من الخلف، حتى هجم عليه المهاجم الثاني. ولقيت زوجته حتفها بعد ذلك متأثرة بجراحها. وكان علاوي مصابا بجروح خطيرة للغاية لدرجة أن المهاجمين تركوه ليموت، لكن ليس قبل أن يصيح في الوقت الذي غادروا فيه المكان، حيث تذكر ذلك: «أخبروا صدام بأنني سأنجو من ذلك، وسأخرج أعينكم من رؤوسكم». وسخر على نحو غاضب الآن من مدى بشاعة هذه الكلمات في ذلك الوقت.
وتبدو هذه القصة وكأنها مصممة ليتردد صداها بين العراقيين الذين لا يزالون يشعرون بارتياب تجاه هذا الرجل الذي جذب نسبة كبيرة من الأصوات السنية، والذي يحتاج إلى إحباط المساعي التي تبذلها الائتلافات الشيعية التي تهدد بالاتحاد لمنعه من أن يصبح رئيسا للوزراء مرة أخرى. ويحاول كل من علاوي والمالكي جمع العدد الكافي من المقاعد للفوز بأغلبية في البرلمان، الذي يتألف من 325 مقعدا.
ولم يتم العثور على هؤلاء الأشخاص الذين هاجموا علاوي على الإطلاق؛ وقال إن شرطة اسكوتلنديارد أخبرته بأنهم كانوا عملاء للاستخبارات العراقية. واستغرق الأمر عاما كاملا للتعافي من هذه الهجمات التي وقعت عام 1978 بعد الخضوع لعشر عمليات جراحية، إلى جانب عام آخر من العلاج الطبيعي. وفي وقت لاحق، كانت هناك سلسلة من المحاولات الفاشلة من جانب جماعته السياسية في المنفى، حركة الوفاق الوطني العراقي، والتي كانت تتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، للإطاحة بصدام حسين.
وبمرور الوقت أصبح علاوي متخصصا في علاج الروماتيزم، وعمل كاختصاصي في جراحات العمود الفقري أثناء وجوده في المنفى في لندن. وعندما احتل الأميركيون العراق، عين رئيسا للوزراء في الحكومة الانتقالية عام 2004، لكنه بعد ذلك جاء في المركز الثالث في الانتخابات الوطنية الأولى في العراق التي جرت في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2005.
والآن جاءت عودة علاوي المفاجئة لتضعه في تنافس ضد المالكي، الذي هزمه علاوي بأغلبية 91 مقعدا مقابل 89 مقعدا، على الرغم من أن لجنة العدالة والمساءلة، التي كانت تُعرف في السابق باسم لجنة اجتثاث البعث، أبطلت ترشيحات المئات من أنصاره، وادعت أنهم كانوا بعثيين في السابق، وقامت قوات مكافحة الإرهاب التابعة للحكومة بإلقاء القبض على كثير من مرشحيه. وأكد علاوي أن اللجنة تحاول إبطال فوز عشرة آخرين من المرشحين الذين فازوا في الانتخابات على القائمة الخاصة به، وهي قائمة العراقية، وهذه الخطوة من الممكن أن تقضي على الأغلبية البسيطة التي حصل عليها. وتقول اللجنة إن ذلك يعني أن مقاعدهم سيتم إلغاؤها، فيما صرحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بأن قائمة العراقية ستكون قادرة على استبدال الذين تم شطبهم بآخرين من تحالفهم. ويبدو أن هذا الأمر من المحتمل أن يصل إلى المحكمة.
وازداد كره البعثيين بين السياسيين الشيعة عمقا، وازداد على نحو مماثل الشك في دوافع السنة؛ حيث ينظر كثير من الشيعة، الذين يشكلون 60 في المائة من إجمالي السكان في البلاد، إلى الدعم السني لعلاوي على أنه شكل مقنع من أشكال دعم الحكومة القديمة.
وقال علاوي، الذي يبلغ من العمر 64 عاما، «يعلمون أن ذلك ليس صحيحا. ويعلمون أنني حاربت صدام ونظامه لأكثر من 30 عاما، أي أكثر مما فعل أي شخص آخر في هذه الحكومة. ويعلمون كذلك أنني حاربت البعثيين، وأفكار البعثيين». وأضاف: «يجب محاكمة أولئك الذين ارتكبوا جرائم، وينبغي العفو عن مئات وملايين الناس الذين لم يرتكبوا جرائم على الإطلاق، وينبغي أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع العراقي». كما لا يهم أن بعض أنصاره قارنوا بينه وبين صدام حسين مقارنة إيجابية، ولا أن في بعض مؤتمراته الشعبية كان من الممكن سماع الهتاف: «بالروح والدم نفديك يا علاوي». وهذا الهتاف كان الهتاف نفسه الخاص بصدام حسين، وظهر أول ما ظهر أثناء الحرب بين إيران والعراق. بل وحتى بعض أنصاره يكررون بإعجاب قصصا تُظهره على أنه رجل قوي يتمتع ببعض الصفات التي كان يتصف بها صدام حسين ويبدو أنها محببة لدى كثير من العراقيين. ويقول هؤلاء الأنصار إنه حينما كان رئيسا للوزراء قتل شخصيا كثيرا من المتمردين الذين كانوا رهن الاعتقال. لكنه قال: «أنا لا أقتل الناس. لقد كان كل ذلك نوعا من التلفيق». ثم أضاف بعد ذلك: «أتعامل بقسوة مع الخارجين عن القانون، لأنني أؤمن بسيادة القانون». كما أنه يحظى بسمعة يستحقها عن جدارة بأنه في بعض الأحيان عنيد ومتقلب؛ فعندما زار الولايات المتحدة للمرة الأولى بصفته رئيسا للوزراء، كان يربط ضمادة على ذراعه وقال كثيرون كان ذلك لأنه ضرب بقبضته على مكتبه على نحو غاضب.
وكان مسؤولون أميركيون حذرين من أن يتجنبوا الإعراب عن أي تفضيل تجاه علاوي أو المالكي، لكنهم كانوا على علاقة ودية معه أثناء وجوده في السلطة. وقال ميغان أوسوليفان، الذي كان وقتها أحد المسؤولين بالاحتلال الأميركي وأصبح الآن أستاذا في جامعة هارفارد، «أظهر علاوي القدرة على اتخاذ قرارات صعبة وتنفيذها فيما يتعلق بالأمن والأمور الأخرى».
وانتقد علاوي الاعتقالات التي جرت بين أتباعه من جانب حكومة المالكي، خاصة اعتقال نجم الحربي، الذي حصل على أعلى الأصوات على قائمة العراقية في محافظة ديالى التي يوجد بها سنة وشيعة. وأضاف علاوي أنه يجري احتجاز الحربي في مكان سري بتهم تتعلق بالإرهاب من دون منحه الحق في الوصول إلى محام. وقال: «إن لجنة اجتثاث البعث تعمل بجد، ومن المحتمل أن تبطل فوز الـ91 مرشحا الذين فازوا بالانتخابات» متوقعا أن تقوم اللجنة بإبطال فوز مرشحيه. وأضاف: «أستطيع أن أخبرك بكل ثقة إذا كانوا قد بدأوا في تغيير الأمور، وأستطيع أن أؤكد لك أن العنف سيجتاح هذا البلد، وهذا العنف لن يظل داخل العراق، لكنه سينتشر».
وقال علاوي إنه سواء نجح في تشكيل الحكومة أم لا، فليس من المحتمل أن تلحق به أسرته في العراق. وأضاف: «يعيش أطفالي وزوجتي في لندن، لأنهم ليس بمقدورهم المجيء إلى هنا». وكان علاوي قد تزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجته الأولى. ويضيف: «ما هي المدارس التي من الممكن أن يلتحقوا بها هنا؟ ماذا سيفعلون معهم؟ سيقتلونهم». ثم عاود علاوي الحديث مرة أخرى عن تلك الليلة في كينغستون المطلة على نهر التيمز. وقال: «عندما حاربت هؤلاء الرجال الذين حاولوا قتلي، وعندما حاربت صدام حسين بعد ذلك، كنت أمر بوقت صعب للغاية، لكنني لا أشعر بالخوف بسهولة».
https://telegram.me/buratha